بدأ مجلس العموم البريطاني منذ أواخر يناير تحقيقًا برلمانيًا في مستقبل لندن كمركز مالي عالمي بعد بريكسيت. ويأتي التحقيق بعدما أبدت شركات مالية كبرى موقفها من بريكسيت مفضلة الرحيل عن العاصمة البريطانية.
ذكرت صحيفة “الغارديان” أن أسماء مالية كبيرة في عالم المال، مثل “غولدمان ساكس” و”جي بي مورغان” و”مورغان ستانلي” و”سيتي غروب”، نقلت أرصدة قيمتها نحو 300 مليار دولار من لندن إلى فرانكفورت.
غموض مستقبلي
ونال مصرف “باركلي” موافقة على نقل 215 مليار دولار أخرى إلى دبلن. كما نقلت مصارف “بي إن بي باريبا” و”كريدي أغريكول” و”سوسيته جنرال” 500 موظفًا من لندن إلى باريس. وحوَّل بنك “إتش إس بي سي” ملكية العديد من فروعه الأوروبية من المملكة المتحدة إلى فرنسا.
ما يزيد القلق بشأن احتفاظ لندن بموقعها، الغموض الذي يكتنف ما سيأتي بعد بريكسيت. فحكومة تيريزا ماي دخلت المفاوضات مع بروكسل واثقة من الحصول على تخويل للبنوك والشركات المالية البريطانية بأن تواصل تقديم خدماتها في عموم بلدان الاتحاد الأوروبي من دون حاجة إلى موافقات جديدة من الأجهزة الرقابية للبلدان المضيفة.
لكن الاتحاد الأوروبي لم يمنح هذا الحق للبلدان غير الأعضاء، إلا إذا كانت تنتمي إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، مثل النروج. فالعضوية في المنطقة الاقتصادية الأوروبية تمنح حقوقًا، مثلما تترتب عليها التزامات، منها قبول الضوابط المالية للاتحاد الأوروبي. وفي حال نشوء نزاع، تقبل دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية قرار محكمة العدل الأوروبية. وهذا ما لا يوافق عليه مؤيدو بريكسيت.
دور تاريخي للندن
إلا أن خبراء يحذرون من الاستهانة بمواطن القوة التي تحتفظ بها لندن. يكتب البروفيسور باري آيكنغرين، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي والمستشار السابق في صندوق النقد الدولي، في صحيفة “الغارديان”، قائلًا إن لندن اكتسبت دورها الدولي المتميز في عالم المال منذ القرن الثامن عشر. وبمرور الوقت نشأت بالارتباط مع المصارف منظومة من الخدمات الداعمة يعمل فيها جيش من المحاسبين والقانونيين والمستشارين وغيرهم ممن سيكون من الصعب إعداد كوادر بديلة منهم في وقت قصير.
يضيف: “بالبناء على هذا الأساس أصبحت لندن مركز سوق اليورو دولار. ومع ظهور التجارة الالكترونية أصبحت العاصمة البريطانية مقر خوادم هذه التجارة، بما فيها خوادم شركة توماس رويترز وشركة خدمات الوساطة الالكترونية، وغدت مركزًا لكابلات الألياف البصرية، التي تتدفق الصفقات الالكترونية عبرها. وبعد عام 1999 أصبحت لندن أكبر مركز للعمليات التجارية باليورو”.
يعني هذا كله، برأي البروفيسور آيكنغرين، أن لندن ستبقى مركزًا ماليًا مهمًا، رغم أن حجم هذه الأهمية سيعتمد على مآل المفاوضات بين حكومة ماي وبروكسل. وإذا أسفرت هذه المفاوضات عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، فإن أجواء المفاوضات اللاحقة لعقد اتفاقيات جديدة ستكون مشحونة، ولن تُعقد اتفاقيات كثيرة.
إلغاء بريكسيت
وإذا وافق البرلمان البريطاني على الاتفاق الذي توصلت إليه ماي مع بروكسل، يتابع آيكنغرين، فان مفاوضي الاتحاد الأوروبي سيكون لديهم سبب وجيه للاعتقاد بأن بريطانيا مستعدة لتنفيذ التزاماتها. في هذه الحالة سيكون التوصل إلى اتفاقيات بشأن عمل الشركات المالية ممكنًا.
هناك بالطبع سيناريو آخر ستكون نتائجه لمصلحة لندن، حتى بدرجة أكبر، وهو صرف النظر عن بريكسيت. وإزاء ما توفره لندن من خدمات داعمة، ليس من المستبعد في هذه الحالة أن تعيد المصارف إلى لندن ما نقلته من وظائف وأرصدة إلى أوروبا القارية.