مدونات
قوانين القتل الرحيم.. بين “الموت بكرامة” و”الإبادة الإنسانية”!
نشر
منذ سنة واحدةفي
1٬378 مشاهدة
By
Fatimaالقتل الرحيم مصطلح يستخدم لوصف القرار المتعلق بإنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه طبياً بطريقة متعمدة ومن دون ألم. وفي الأصل، تم اشتقاق هذا المصطلح من الكلمة اليونانية (EU THANATOS) والتي تعني (الموت السهل). ويتم القتل الرحيم إما عن طريق منع العلاج أو إيقاف أجهزة الدعم الصناعي، أو من خلال تكرار جرعات عالية من الأدوية المهدئة أو المسكنة لتخفيف الألم بالتزامن مع إبطاء تدريجي لعمل الجهاز التنفسي، وهو ما يؤدي إلى توقف التنفس والقلب ووفاة المريض.
كتب: محسن حسن
ويدفعنا مصطلح القتل الرحيم هذا إلى التساؤل عن السبب الذي يدفع الإنسان إلى تمنى الموت وطلب إنهاء الحياة؟ والإجابة ستكون هي: المرض الميؤوس من شفائه المصحوب بأعراض من الألم المفرط المتواصل. وهو ما ينطبق على بعض الحالات مثل مرضى السرطان، ومتلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وغيرها من عوامل جسدية ونفسية؛ كالألم الذي لا يطاق والغثيان والقيء وصعوبة البلع والشلل وسلس البول وضيق التنفس، والاكتئاب، والشعور بالضغط، والخوف من فقدان السيطرة والكرامة و كره الاعتماد على الغير، وربما يضاف إلى هذه العوامل مجتمعة، التفكير في الانتحار وعدم كفاية الرعاية الملطفة للآلام.
وتاريخياً، ظهرت حالات القتل الرحيم مبكراً في كتابات المؤرخين الأوائل؛ حيث تحدث المؤرخ اليهودي (يوسيفوس فلافيوس) خلال القرن الأول الميلادي عن أربعة مرضى مصابين بالبرص اختاروا أن يذبحهم العدو هروباً من المعاناة في ظل تدهور مرض الجذام لديهم، وقبل ذلك، وخلال عصور ما قبل الميلاد، ارتبطت مظاهر (الموت الرحيم) أخلاقياً بمواقف متضادة بين المؤيدين والمعارضين؛ فسقراط وأفلاطون وجماعة الرواقيين، كانوا يسمحون بها، بينما رفضتها المسيحية التقليدية لتعارضها مع تحريم القتل في الوصايا العشر، وخلال القرن الخامس الميلادي أدانها القديس أوغسطينوس قائلاً: “أولئك الذين يموتون بأيديهم ليس لديهم حياة أفضل بعد الموت”، وهذه الإدانة ظلت سائدة في العصور الوسطى، حيث كان طلب الموت أو الانتحار، أو أي ضرر لحياة الإنسان، من قبل طرف ثالث أو من قبل نفسه، سبباً في العقاب الشديد، إلى درجة تقديم جثث الضحايا الانتحاريين للمحاكمة، بل كان يتم صلبها وضربها وتقطيعها وسحبها في الشوارع وشنقها. وكان قسم (أبوقراط) الطبيب اليوناني الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 2500 سنة هو إحدى حجج الأطباء التاريخية ضد القتل الرحيم أو الانتحار بمساعدة الطبيب؛ إذ يقول القسم: (لن أعطي عقارًا مميتًا لأي شخص يطلبه، ولن أقدم اقتراحًا بهذا المعنى).
ولكن يبدو أن الفترة التالية للعصور الوسطى مباشرة، شهدت نوعاً من التغاضي عن تعليمات الأطباء بشأن الالتزام بهذا القسم، وخاصة من قبل العسكريين؛ إذ يروي الجراح الفرنسي (أمبرواز باريه) في القرن السادس عشر، كيف أنه شاهد بنفسه ما حدث مع ثلاثة جنود مصابين بجروح خطيرة؛ فقد سأله أحد الجنود الأصحاء عما إذا كانوا سيعيشون، وعندما أجابه الجراح بأنهم لن يعيشوا على الأرجح، شرع الجندي في قطع رقابهم!!
وخلال القرنين السابع عشر، والثامن عشر، تطور مفهوم الرحمة في القتل على يد رائد التجريب العلمي الفيلسوق والكاتب الإنجليزي (فرانسيس بيكون) بعد أن قدم في رسالته (تقدم التعلم) أول توصيف حديث حقيقي للقتل الرحيم كوسيلة للتخفيف من الألم، ثم أعقب ذلك ظهور مصطلح (الرعاية التلطيفية) كأحد مظاهر التدين المدعوم من كاتدرائية ريمس الفرنسية الملكية، وهو ما أدى إلى إنشاء أول وحدة رعاية ملطفة خاصة بالأمراض السرطانية في فرنسا عام 1740، وكان ظهور (داء الكلب) بأعراضه الشرسة خلال هذين القرنين، سبباً في تعاطف بعض الأطباء تجاه آلام مرضاهم، ومساعدتهم في أمر إنهاء الحياة والتخلص من الألم؛ فعلى سبيل المثال يذكر كاتب اليوميات الفرنسي (بيير دي ليستويل) خلال مذكراته لشهر أبريل من عام 1606 تفاصيل مجيء امرأة شابة في السابعة والعشرين من عمرها إلى باريس، وهي في حالة يرثى لها نتيجة إصابتها بهذا الداء حيث عضها كلبها الصغير؛ يقول الكاتب: “ولأنها كانت تخشى قبل كل شيء أن تختنق، كما كانت العادة في مثل هذه الأمراض، فقد تقرر إعطاؤها دواءً سامًا حتى تموت بلطف أكثر”، ويؤكد (ليستويل) أن عدم وجود علاج لهذا الداء، كان سبباً في اضطرار عالم الكيمياء الفرنسي الشهير (لويس باستور) إلى(القتل الرحيم) لإنهاء معاناة خمسة رجال روس، عضهم ذئب مسعور، وتم نقلهم إلى مستشفى (Hôtel-Dieu) في باريس على أمل أن يتمكن من علاجهم. وكان من مظاهر وجود فكرة أن الموت يجب أن يكون رحيمًا، قيام المباشرين لعمليات الإعدام في عام 1800 بشد أرجل أولئك الذين تم شنقهم للإسراع بوفاتهم.
وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، خضعت آليات (القتل الرحيم) لسجالات عديدة تمخضت عن تصنيفات عدة للتعاطي معه من قبل الدول والحكومات في العصر الحديث، وخاصة على مستوى الإجراءات والقوانين، ورغم أن تلك السجالات، كانت تتم ــ ولازالت كذلك إلى الآن ـــ تحت مظلة أبحاث الأخلاقيات الحيوية، إلا أنها ظلت محل خلاف كبير بسبب كونها متعلقة بمناقشة حق البشر في إنهاء حياة بشر آخرين، لكن بشكل إجمالي مرت الظاهرة بالمحطات والتحولات التاريخية التالية:
* في القرن التاسع عشر أدى اختراع المورفين واستخدامه على نطاق واسع لعلاج الألم ثم لقتله، إلى تنامي الاعتقاد بأن عملية الموت أقل إيلامًا ممكنة، وفي منتصف القرن ذاته، بدأ الجراحون في استخدام الكلوروفورم، الذي كان له آثار جانبية أقل من المورفين، وأدى إلى فقدان الوعي، وهو ما زاد من زخم المناقشات حول القتل الرحيم في الولايات المتحدة، فتم تمرير أول قانون لمكافحة هذا السلوك في ولاية نيويورك عام 1828م، واتخذت بعض الدول نفس الإجراء، وفي عام 1885، عارضت الجمعية الطبية الأمريكية رسميًا (القتل الرحيم الطوعي)، وبحلول القرن العشرين، قال (حزقيال إيمانويل)، خبير الأخلاقيات الحيوية في المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة (NIH)، إن العصر الحديث للقتل الرحيم قد بدأ بتوافر التخدير.
* في الثالث والعشرين من يناير 1906، أدت مطالبات إحدى الأمريكيات من (سينسيناتي) وتدعى (آنا هول) بالتعجيل بوفاة والدتها التي كانت تعاني من مرض عضال ومؤلم، إلى قيام المجلس التشريعي لولاية (أوهايو) باستعراض مشروع لقانون (القتل الرحيم)، وفي نفس العام، قدم الدكتور (آر إتش غريغوري) مشروع قانون مماثل إلى الهيئة التشريعية لولاية (أيوا) وقد أطلق على هذين المشروعين اسم (مشاريع الكلوروفورم)، واللذان على إثرهما نشر الأطباء وعلماء الأخلاق في كل من (الولايات المتحدة) و (إنجلترا) أفكارهم حول القضية في المجلات الطبية، وتطورت الأمور بالتزامن في كلا البلدين عندما اقترح الدكتور (غريغوري) مشروع القانون في ولاية (أيوا)، حيث ردت المجلة الطبية البريطانية، بتمزيقه، ولكن في عام 1911، طلبت امرأة أمريكية أخرى تدعى (سادي مارشانت) مساعدة من حولها للتعجيل بموتها لأنها كانت تكافح من أجل التنفس برئة واحدة تعمل لسنوات، فساعدها شخصان، وبعد أن تم القبض عليهما، تم إسقاط التهم عنهما عام 1912، الأمر الذي ساعد على ترسيخ مشروعية (القتل الرحيم) في حالة المرض العضال والمعاناة الشديدة.
في عام 1815 أسست (ماري أيكنهيد) في (أيرلندا) منظمة (راهبات المحبة الدينية)، بينما أسست (كانت جين جوجان) في (بريتاني) الفرنسية عام 1839، جماعة (الأخوات الصغيرات للفقراء) كأول مؤسسة عالمية حديثة مكرسة رسميًا لتوفير رعاية نهاية الحياة للمسنين الفقراء والمعوزين، وفي عام 1935 انطلقت حركة منظمة لإضفاء الشرعية على (القتل الرحيم) في إنجلترا، على يد الطبيب الإنجليزي (تشارلز كيليك ميلارد)، والذي قام بتأسيس (جمعية تقنين القتل الرحيم الطوعي) والتي سميت فيما بعد بـ (جمعية القتل الرحيم)، ولكن تم رفض مشروع قانون الجمعية في مجلس اللوردات عام 1936، فتم تقديم مشروع قانون آخر إلى المجلس في نفس العام للسماح لأي شخص يزيد عمره على 21 عامًا وكان مؤهلاً عقليًا ومصابًا بمرض مميت أو مريض بمرض عضال ويعاني من ألم شديد، أن يطلب القتل الرحيم الطوعي، بشرط أن يكون لدى الشخص شاهدين وأن يراه العديد من الأطباء، ثم يتقدم بطلب إلى وزير الصحة، الذي سيتعين عليه بعد ذلك مقابلة الشخص المحتضر، ولكن لم يتم تمرير القانون مجدداً، وبعد عام واحد أي في 1937 أصبح (الانتحار) بمساعدة الطبيب قانونيًا في (سويسرا)، طالما أن الطبيب الذي أنهى حياة المريض لم يتقاضى أجراً، و في عام 1938، تم إنشاء (جمعية القتل الرحيم) في الولايات المتحدة للضغط من أجل المساعدة على الانتحار.
في الفترة من أكتوبر 1939 وحتى ديسمبر 1941، شهد العالم أسوأ استغلال لمفهوم (القتل الرحيم) في التاريخ البشري، وتعد النازية الألمانية، متفردة تاريخياً من حيث بشاعة هذا الاستغلال عبر برنامج يسمى (T4) تم إطلاقه تحت شعار مخادع يقول (زمن الحرب هو أفضل وقت للتخلص من المرض العضال)، وذلك بهدف إبادة المرضى والمصابين بإعاقات جسدية أو عقلية والمصابين بالذهول العاطفي وكبار السن، ففي أكتوبر 1939م، قام (أدولف هتلر) بتفويض طبيبه الشخصي (كارل برانت) ورئيس مستشاريته (فيليب بوهلر) في توسيع سلطة الأطباء لقتل أي شخص يعتقد أنه (يعيش حياة لا تستحق العيش)، وبدأ التنفيذ في الأول من سبتمبر، وهو اليوم الذي بدأت فيه الحرب العالمية الثانية، ليتماشى التطبيق مع تدابير زمن الحرب، حيث أمر مديرو البرنامج بإجراء مسح لجميع مؤسسات الطب النفسي والمستشفيات ومنازل المرضى المصابين بأمراض مزمنة في جميع أنحاء ألمانيا، وتم إحضار جميع من فيها، ولم يكن اختيار الضحايا قاصراً على من يعانون العجز، وإنما كان يتم اختيار الأشخاص بناءً على إنتاجيتهم الاقتصادية؛ حيث أشار النازيون إلى ضحايا البرنامج على أنهم (أرواح مرهقة) و (أكلة عديمة الفائدة)، ودون مراجعة للسجلات الطبية، تم قتل هؤلاء الضحايا في البداية عن طريق الجوع والحقن المميت، ثم استقر الأمر فيما بعد على الاختناق بالغاز السام المميت الذي قدمه الكيميائيون كأسلوب قتل مفضل، وأنشئت غرف الإعدام بالغاز في ستة مراكز قتل في ألمانيا والنمسا هي: هارثيم، سونينشتاين، جرافنيك، بيرنبرج، هادامار، وبراندنبورغ، وأُصدرت تعليمات إلى المؤسسات العقلية في جميع أنحاء الرايخ بـ (إهمال) مرضاهم من خلال منع الطعام والعلاج الطبي، وتم ترويج اعتبارات اقتصادية وعلمية زائفة لتبرير قتل (غير المستحقين)، وتم قتل الأطفال المصابين بأمراض لا يمكن شفاؤها؛ حيث رأى القائمون على البرنامج أنهم يمثلون عبئًا على الجسم السليم للشعب الألماني. وبمرور الوقت طورت مراكز قتل المعوقين غرف الغاز، وتم تركيب أفران للتخلص من الجثث، ثم انتقلت التكنولوجيا إلى مستوى يسمح بإبادة الآلاف في وقت واحد وبحرق أجسادهم في غضون ساعات. وفي الرابع والعشرين من أغسطس عام 1941، أي بعد عامين تقريبًا من البدء العلني لبرنامج T4، بلغ عدد الضحايا أكثر من 70.000 ضحية، ليستمر البرنامج سراً بعد هذه الفترة حيث تم قتل عدد أكبر من الضحايا في الفترة بين الانتهاء الرسمي للبرنامج وسقوط النظام النازي في عام 1945، ليبلغ العدد الإجمالي للقتلى 200000 قتيل أو أكثر.
في عام 1950 أعيد طرح قانون (القتل الرحيم) على مجلس اللوردات البريطاني مجدداً فلم يوافق على تمريره أيضاً، ثم شهد عام 1957 إعلان الفاتيكان أن القتل الرحيم السلبي (أي الذي يقوم على تقليل أو منع الأدوية) مقبول، وخلال الستينيات، انتشرت الدعوة إلى إقرار الحق في الموت الرحيم، وفي 1961 أقرت بريطانيا قانون الانتحار، والذي يقضي بعقوبة المتورطين في القتل الرحيم بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاماً. وبحلول السبعينيات أصبح شائعاً في الولايات المتحدة الأمريكية وجود لجان رسمية للأخلاقيات في المستشفيات ودور رعاية المسنين للمساعدة على اتخاذ قرار (الموت الرحيم)، وفي عام 1977 صارت مثل هذه المساعدات قانونية في (كاليفورنيا)، ثم اتحدت جميع المنظمات الداعمة للحق في الموت بكرامة، تحت مظلة (الاتحاد العالمي لجمعيات الحق في الموت)، ولسوء الحظ، فتح هذا الاتحاد جميع الأبواب مشرعة أمام انحرافات مذهلة، منها قيام (الولايات المتحدة) بإنشاء (كنيسة القتل الرحيم) في عام 1992 والتي تم تسجيلها في ولاية (ديلاوير) والاعتراف بها بالكامل من قبل الدولة الفيدرالية، وكانت تروج للقتل البشري بجميع أشكاله، بما في ذلك أكل لحوم البشر والقتل الرحيم بشكل صريح، حيث كانت شعاراتها واضحة، ومن قبيل: (اقتلوا أنفسكم وأنقذوا الكوكب!)، (اتركوا الحيوانات في سلام وكلوا البشر!)، وفي عام 1997 أصبحت ولاية (أوريغون) أول ولاية أمريكية تبطل تجريم الانتحار بمساعدة الطبيب، ما سمح للأطباء بمساعدة الأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية لم يكن من المتوقع أن يعيشوا خلالها أكثر من 6 أشهر، وتبنت المحكمة العليا الأمريكية مثل هذه القوانين، و في 1999 جعلت (تكساس) القتل الرحيم غير النشط قانونيًا، وبصفة عامة كان لدى العديد من الدول الأوروبية في أواخر القرن العشرين، بنود خاصة في قوانينها الجنائية تتيح إصدار أحكام مخففة بشأن الملاحقات القضائية للمتهمين بالقتل الرحيم.
وخلال العقدين الماضيين من القرن الحادي والعشرين، شهدت قوانين القتل الرحيم، تحولات كبيرة، فكانت (هولندا) عام 2001، و(بلجيكا) عام 2002، من أوائل الدول التي قررت إضفاء الشرعية على القتل الرحيم، حيث ألغت الأولى تجريم الانتحار بمساعدة الطبيب، وخففت بعض القيود في عام 2002، وحالياً يمثل (القتل الرحيم) 2% من إجمالي الوفيات لدى الهولنديين، وفي الثانية تمت الموافقة على الانتحار بمساعدة الطبيب، ومؤخراً، أقرت الدولة مشروع قانون في البرلمان يرفع الحظر البلجيكي المفروض سابقاً على جميع القيود العمرية على القتل الرحيم، حيث تشير الإحصائيات إلى أن البلاد شهدت ممارسة 1400 حالة قتل رحيم. وفي 2005، تم إسدال الستار في ولاية (فلوريدا) الأمريكية على قضية (تيري شيافو) حيث تمت الموافقة على طلب زوجها بالسماح لها بالوفاة وفصل أجهزة الإنعاش، بعد مضي 15 عاماً في الغيبوبة إثر تعرضها لسكتة قلبية عام 1990، وهي القضية التي أسفرت لدى الرأي العام الأمريكي عام 2008، عن تصويت 57.91% من الناخبين في واشنطن لصالح (قانون الموت بكرامة)، ليتم اعتماد القانون بشكل نهائي عام 2009، وهو ذات العام الذي اعترفت خلاله المحكمة العليا في (كوريا الجنوبية) بالحق في الموت بكرامة ضمن قرارها بالموافقة على طلب من عائلة امرأة ميتة دماغياً، بإخراجها من أنظمة دعم الحياة.
ونظراً لعدم وجود نص محدد للقتل الرحيم في معظم الأنظمة القانونية على مستوى العالم، فإنه يُنظر إليه عادةً إما على أنه انتحار (إذا قام به المريض بنفسه) أو قتل (إذا قام به شخص آخر) ومع ذلك، قد يقرر الأطباء قانونًا عدم إطالة العمر في حالات المعاناة الشديدة، ويمكنهم إعطاء الأدوية لتخفيف الألم حتى لو أدى ذلك إلى تقصير عمر المريض، وهو ما يُعرف بـ (القتل الرحيم السلبي) والذي هو مقبول بشكل عام في جميع أنحاء العالم، في حين أن ممارسة القتل الرحيم الطوعي (بناء على طلب المريض)، تعد أمراً غير قانوني وتعتبر جريمة قتل جنائية في معظم البلدان، وسيواجه مرتكبها عقوبة تصل إلى السجن لمدة أربعة عشر عامًا، بينما القتل الرحيم النشط غير الطوعي (بدون موافقة المريض) فهو قانوني في دول مثل (هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ)، كما أن الانتحار بمساعدة الطبيب يعد قانونياً في (سويسرا والولايات المتحدة) في (أوريغون وواشنطن ومونتانا)، كما أصبح الآن (القتل الرحيم الطوعي) قانونيا في (أستراليا وبلجيكا وكندا وكولومبيا ولوكسمبورغ وهولندا وإسبانيا وسويسرا ونيوزيلندا والنرويج) كما أنه قانوني أيضاً في (أوريغون وواشنطن وهاواي وواشنطن وماين وكولورادو ونيوجيرسي وكاليفورنيا وفيرمونتو) وفي (سويسرا) تحديداً يتزايد مفهوم (سياحة الموت) أو (سياحة القتل الرحيم ببطء) حيث يسافر إليها المرضى من البريطانيين والألمان والفرنسيين كل عام لإنهاء حياتهم.
وحالياً تصل نسبة عمليات القتل الرحيم في البلدان المؤيدة له حوالي 4.6% من إجمالي الوفيات، وأكثر من 70% من هذه العلميات متعلق بأمراض السرطان، وفي ولايتي (أوريغون وواشنطن) يكتب حوالي 1٪ من الأطباء وصفات طبية تساعد على الانتحار كل عام. ولا يزال مصطلح القتل الرحيم يثير جدلاً واسعاً إلى الآن، وهو الجدل الذي قد يصل إلى حد ارتكاب جريمة القتل العمد؛ وهو ما حدث مع الزعيمة الهولندية السابقة لحزب الديمقراطيين ونائبة رئيس الوزراء (إلس بورست)، والتي تعرضت للطعن 41 مرة وقتلت في منزلها عام 2014 على يد رجل غير مستقر عقلياً، اختلف مع سياستها بشأن (القتل الرحيم).
وختاماً، ارتبطت عمليات القتل الرحيم منذ ظهورها وإلى الآن بالعديد من الأسماء والشخصيات التي ساهمت في شرعيتها وسن القوانين الداعمة لها، لكن أشهر من سجل حضوراً في هذا السياق هو الطبيب الأمريكي من أصل أرمني (جاك كيفوركيان Jack Kevorkian) والذي لقب بـ (طبيب الموت الرحيم) نظراً لقيامه منذ العام 1989 بتصميم جهاز خاص لمساعدة المرضى على الانتحار، يسمى (Mercitron)ـ وهو على هيئة قناع مهمته ضخ الغازات السامة والقاتلة في أجساد المرضى الراغبين في الموت، وقد أقر (كيفوركيان) باستخدام هذا الجهاز أكثر من 120 مرة، كانت أولاها عام 1990 مع أحد مرضى (ألزهايمر)، وقبل أن يموت طبيب الموت الرحيم في الثمانين من العمر بمرض الكبد في الثالث من يونيو عام 2011، كان قد تعرض لملاحقات قانونية وحكم بالسجن لمدة 25 عاماً قضى منها سبع سنوات ثم أفرج عنه لظروفه الصحية عام 2007، وكان قد تم حرمانه من ممارسة مهنة الطب، وسُمح له فقط بممارسة أنشطته الخاصة كمحترف لموسيقى الجاز وكفنان تشكيلي، مع العلم أن السينما الأمريكية وثقت تفاصيل حياته الخاصة والمهنية من خلال فيلم حمل عنوان: أنت لا تعرف جاك You Don’t Know Jackمن بطولة آل باتشينو Al Pacino.