في مدينة «هيرتسوجن آوراخ» الصغيرة بألمانيا، حيث كانت البيوت تلامس الحقول، بدأت قبل قرن تقريباً قصة لم تكن لتخطر على بال أحد: قصة نزاع عائلي سيحوّل عالم الرياضة إلى ساحة معركة تجارية مفتوحة، وسينسج خيوط الهوية الرياضية لجاليات بأكملها، بما في ذلك الجاليات العربية.
عندما تتحول العائلة إلى خصوم
في البداية، كان «أدولف (آدي) داسلر» (Adolf “Adi” Dassler) وشقيقه «رودولف داسلر» (Rudolf Dassler) يعملان معاً في ورشة أحذية بسيطة في بيت العائلة بعد الحرب العالمية الأولى. بسرعة برز نبوغهما، ونجحت أحذيتهما في خطف أنظار الرياضيين، ولا سيما عندما ارتداها العداء الشهير «جيسي أوينز» (Jesse Owens) خلال أولمبياد برلين عام 1936 (adidas-group.com).
لكن، ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، حتى انقلب التعاون إلى خصومة. اختلف الشقيقان لأسباب معقدة، بعضها شخصي وبعضها مهني، فقرر كل منهما أن يشق طريقه منفصلاً: أنشأ «آدي» شركته Adidas، فيما أسس «رودولف» شركة Puma.
Adidas وPuma: صراع تجاوز حدود الملاعب
منذ لحظة الانفصال، أصبح كل تصميم وكل ركلة وكل عقد رعاية مع نادٍ رياضي معركة مفتوحة بين العملاقين. وفي كل مرة تسجل Adidas تقدماً، كانت Puma ترد بضربة من العيار الثقيل، والعكس صحيح.
لم تعد القصة قصة أحذية فحسب، بل تحولت إلى جزء من الثقافة الشعبية، وتركت أثراً واضحاً في كل مكان، من أحياء ميونيخ، إلى ملاعب البرازيل، وصولاً إلى قلب لندن النابض بالحياة، حيث تتمركز جالية عربية متعطشة للرياضة والهوية.
الجالية العربية: كيف أصبحت Adidas وPuma جزءاً من الهوية؟
لم تكن البلدان والعواصم الغربية التي يقطنها العرب يوماً مدناً بلا ألوان. ومع هجرات العرب المتعددة إليها، جاءت الرياضة كجسر إضافي يوصلهم بالمجتمعات المتعددة. وكانت الأحذية والشعارات الرياضية – ومن أبرزها Adidas وPuma – أكثر من مجرد أزياء؛ كانت إعلاناً عن الانتماء والعصرية والهوية الثقافية.
أديداس، بخطواتها المدروسة نحو احتضان التنوع الثقافي، تركت بصمتها لدى العرب البريطانيين بشكل خاص. ففي نوفمبر 2024، أطلقت الشركة نسخة خاصة من حذاء F50 باسم «Two Horizons» مع كتابة باللغة العربية لأول مرة، احتفاءً بإسهامات اللاعبين العرب في كرة القدم، وعلى رأسهم «محمد صلاح» (Mohamed Salah) و«سعيد بن رحمة» (Said Benrahma).
من جهة أخرى، واجهت Puma تحديات في تفاعلها مع الثقافة العربية، إذ أثار إطلاقها مجموعة أحذية رياضية تحمل أعلام دول عربية عام 2011 انتقادات واسعة، لأن الحذاء في بعض الثقافات يُعتبر رمزاً للنجاسة، مما جعل الحملة تبدو – رغم حسن نيتها – استفزازيةً للبعض.
هكذا، باتت العلامات التجارية جزءاً من قصة الجالية: من ارتداء الشباب للأحذية ذات الخطوط الثلاثة (Three Stripes) خلال المباريات الودية، إلى تزيين الجدران بملصقات الأبطال الذين صاروا رموزاً لهم.
مع اشتداد المنافسة بين الشركتين في السوق البريطانية، لم يعد المستهلك مجرد متلقٍ سلبي، بل أصبح مشاركاً في تشكيل ملامح المشهد الثقافي. في النهاية، وبينما تستمر Adidas وPuma في تنافسهما العالمي، فإن أثر هذا الصراع يتجاوز حدود الإعلانات والرعايات، ليترك بصمته العميقة في وجدان جاليات مثل الجالية العربية في بريطانيا، حيث تتحول الرياضة إلى لغة حية تكتب بها المجتمعات الجديدة حكاياتها الخاصة.
اقرأ أيضاً: تحت الأضواء: بطولة العالم للسنوكر بين تراث بريطانيا وآفاق السعودية