في عالم متغير تسوده الاضطرابات والصراعات المتصاعدة، تبرز الحاجة إلى وقفة جادة لتقييم السياسات الخارجية وإعادة رسم استراتيجيات الدول، وضمن هذا السياق، يرى وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي (David Lammy)، أن عهد السلام الذي أعقب الحرب الباردة قد «انتهى تماماً»، مؤكداً أن حماية الشعب البريطاني تتطلب مواجهة حازمة للتهديدات الجيوسياسية، وفي هذا السياق، تأتي تصريحات لامي في لحظة حاسمة تشهد تصاعد التوترات مع روسيا، مما يجعل الحديث عن مستقبل السياسة الخارجية البريطانية أمراً ملحاً.
وفي حديثه أشار ديفيد لامي أن حماية الشعب البريطاني تتطلب الوقوف بحزم في وجه روسيا، وجاء ذلك في مقال نشره في صحيفة الغارديان (The Guardian) قبل اجتماع متوقع أن يركز على أوكرانيا بين رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر (Keir Starmer)، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron)، في داونينغ ستريت (Downing Street).
وشدد لامي على أن مواجهة التهديدات الجيوسياسية الجديدة تتطلب تجديداً في وزارة الخارجية البريطانية، نظراً لطمس الحدود بين السياسة الدولية والسياسة الداخلية أكثر من أي وقت مضى، وأعلن في هذا السياق عن إطلاق أول نظام عقوبات مستقل في العالم يستهدف تجميد أصول مهربي البشر والكيانات الإجرامية المنظمة في المملكة المتحدة.
بالإضافة إلى الإجراءات المعلنة سابقاً لمكافحة تهريب البشر، يعد هذا النظام الجديد توسعاً لنظام العقوبات البريطاني الذي تم تطويره للاستيلاء على أصول «الأوليغارشية» الفاسدة، بحيث يستهدف مهربي البشر والمساهمين في دعمهم داخل المملكة المتحدة، وأكد لامي أن استراتيجية واقعية للحد من تدفق المهاجرين – الذي يستهلك حوالي ثلث ميزانية المساعدات الخارجية البريطانية – تتطلب دبلوماسية واقعية وصارمة مع شركاء على طول مسار تهريب البشر.
اقرأ أيضاً: «الطاغية» أصبح «كريماً».. لامي يسحب كلامه بعد فوز ترامب!
وأوضح لامي أن هناك من يعتقد أن قضية الهجرة ليست قضية تقدمية، مؤكداً أن هذا الاعتقاد خاطئ تماماً، وقال: «ليس هناك شيء تقدمي في ترك الأكثر ضعفاً عرضة للاستغلال، ولا في السماح لعصابات الجريمة بتحقيق الثراء وزيادة الجريمة في شوارع بريطانيا».
وتتطلب العقوبات الجديدة تشريعاً أولياً، ورغم ذلك، أشار المنتقدون إلى أن تأثير هذا النظام سيكون محدوداً بسبب قلة امتلاك عصابات تهريب البشر أصولاً داخل المملكة المتحدة أو رغبتها في الحصول على تأشيرة لدخولها، وأكد لامي أن وزارة الخارجية بحاجة إلى التكيف مع عصر جديد من الصراعات مع روسيا.
فيما طلب لامي إجراء ثلاث مراجعات داخلية كبرى لتحسين اندماج وزارة الخارجية داخل وايتهول (Whitehall)، وقادت البروفيسورة نغايري وودز (Ngaire Woods)، عميدة كلية بلافاتنيك للحكومة (Blavatnik School of Government)، مراجعة حول التأثير العالمي للمملكة المتحدة. كما أكملت مينوش شفيق (Minouche Shafik)، عضوة مجلس اللوردات ونائبة سابقة لمحافظ بنك إنجلترا، مراجعة حول مستقبل التنمية البريطانية.
وأوكل إلى مارتن دونيلي (Sir Martin Donnelly)، الأمين العام السابق لوزارة الأعمال، دراسة كيفية تحقيق الدبلوماسيين نمواً أكبر للمملكة المتحدة.
اقرأ أيضاً: روسيا لبريطانيا: أنتم تشنون علينا حرباً بالوكالة
هذا وتم تعيين أولي روبينز (Olly Robbins) كسكرتير دائم جديد في وزارة الخارجية للإشراف على تنفيذ التوصيات، وقاد روبينز مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحت قيادة تيريزا ماي (Theresa May)، وسيكون له دور كبير في إعادة ضبط العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما عين جوناثان باول (Jonathan Powell) مستشاراً للأمن القومي ولورد ماندلسون (Lord Mandelson) سفيراً لدى واشنطن.
وخلال اجتماعه مع ستارمر، من المتوقع أن يعيد ماكرون التأكيد على رسالته للدبلوماسيين الفرنسيين بأن بوتين قرر «تدويل الصراع الأوكراني»، مضيفاً: «الرئيس الأمريكي الجديد يدرك أن الولايات المتحدة لن تحقق أي شيء إذا خسرت أوكرانيا. يجب ألا نجد حلاً في أوكرانيا دون مشاركة الأوكرانيين، وأي حل للأمن الأوروبي يجب أن يشمل الأوروبيين، ولن يكون هناك حل سريع يعني استسلام أوكرانيا».