في سياق الجهود الدولية الهادفة إلى إعادة إعمار سوريا، دعا خبراء في المملكة المتحدة إلى تسليم أصول بشار الأسد الرئيس السوري السابق المجمدة والموجودة في أحد البنوك بلندن، إلى الحكومة السورية الجديدة.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية والتنمية البريطانية –رفض التصريح باسمه – لوكالة الأناضول، أن المملكة المتحدة تواصل فرض عقوبات شاملة على 310 أفراد و74 كياناً لهم صلات بالنظام السوري، بما في ذلك الرئيس السابق بشار الأسد، وذلك بسبب “الفظائع المرتكبة في سوريا”، مشيراً إلى أن “المملكة المتحدة ستعمل بالتعاون مع المجتمع المدني والمجتمع الدولي لضمان محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والفظائع الأخرى”.
ومع ذلك، فإن قانون العقوبات ومكافحة غسل الأموال في بريطانيا لعام 2018 يسمح بتجميد الأصول، لكن المصادرة دون حكم قضائي تبقى في المنطقة الرمادية من القانون، لذا يحذر الخبراء من أن هذه الثغرة القانونية قد تتيح للأشخاص الخاضعين للعقوبات الاحتفاظ بثرواتهم في المؤسسات المالية البريطانية، حتى وإن كانت أصولهم غير متاحة للاستخدام بصورة فعلية.
إيان أوفراتون، مدير منظمة “الحركة ضد العنف المسلح” (AOAV) في لندن، أكد أن وجود أصول مرتبطة بالنظام السوري السابق في بريطانيا يثير مخاوف جدية بشأن المراقبة المالية والقوانين ذات الصلة، وحذر من أن المملكة المتحدة قد تصبح ملاذاً آمناً للأصول غير القانونية، رغم التزامها بالقوانين الدولية.
وأضاف أوفراتون أن هذه الأمور تتطلب اهتماماً عاجلاً لضمان عدم تمكين الأنظمة المالية من التسبب في الأذى أو استمراره، مفيداً بأنّ نظام العقوبات المستقل الذي فرضته المملكة المتحدة بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي كان من المفترض أن يعزز قدرتها على فرض قيود مالية على الأنظمة الاستبدادية، لكنه أشار إلى أن تطبيق هذا النظام كان غير متسق.
وتابع أنّ وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية تعمل على زيادة عدد أعضاء فريق العقوبات لديها بنسبة تتجاوز 300%، ومع ذلك، تنفيذ هذه العقوبات يكون متقطعاً في أحسن الأحوال، وذلك لأنّ المئات من انتهاكات العقوبات التي أُبلِغ عنها لم تؤدِ إلى اتخاذ إجراءات كافية أو فرض عقوبات رادعة، وهذا الافتقار إلى التنفيذ المتسق يهدد مصداقية نظام العقوبات في المملكة المتحدة.
كما انتقد أوفراتون الحكومة البريطانية لعدم وجود أطر قانونية واضحة لإعادة تخصيص أصول بشار الأسد المجمدة، مطالباً بضرورة ضمان أن أي أموال يتم استردادها تُستخدم لدعم إعادة إعمار سوريا تحت حكومة شرعية ومعترف بها دولياً، وهذا الأمر يتطلب تعاون وثيق مع المنظمات العالمية لضمان الشفافية والمساءلة في كيفية استخدام هذه الأموال.
وأشار مدير المنظمة غير الحكومية في لندن في حديثه، إلى نهج المملكة المتحدة في فرض العقوبات على روسيا رداً على الحرب في أوكرانيا كنموذج يحتذى به، فعلى الرغم من أن بريطانيا فرضت أحد أشد أنظمة العقوبات على الورق، إلا أن تأثيرها قد قوِّض بسبب الثغرات في التنفيذ، ما أتاح للأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات تجاوز القيود المفروضة.
وبرأيه أنه على المملكة المتحدة تطوير أساليب فعالة أكثر لتتبع الأصول وتعزيز الشفافية بشأن الملكية، مع توفير الموارد الكافية لوكالات إنفاذ القانون لمعالجة نقاط الضعف المحيطة بالأموال المرتبطة بالنظام السوري، ومع ذلك، حذر أوفراتون من أن هذا الجهد قد يكون معقداً، إذ قد يتطلب إعادة تصنيف بعض الأموال المرتبطة سابقاً بالنظام كأموال تابعة للدولة في الإدارة الجديدة للبلاد.
من جانبها، قالت مستشارة الشؤون الخارجية سيرين كينار إنه “مع سقوط الأسد، يمكن اعتبار هذه الأموال أصولاً للدولة السورية، ويجب على الأقل انتزاعها من قبضته، وتسليمها إلى الحكومة السورية الجديدة”.
وتتزامن قضية أصول الأسد المجمدة مع جهود الدول الغربية، وخاصة في الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع، لاستخدام الأموال الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا.
وكانت المملكة المتحدة من بين الدول التي استغلت الأرباح من الأصول الروسية المجمدة لهذا الغرض، إذ أعلنت في أكتوبر 2024 عن قرض بقيمة 2.26 مليار جنيه إسترليني لأوكرانيا، ممول من الفوائد الناتجة عن الأصول السيادية الروسية الخاضعة للعقوبات، وتأتي هذه المبادرة في إطار حزمة قروض مجموعة الدول السبع التي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار لتعزيز القدرات العسكرية لأوكرانيا ودعم جهود إعادة الإعمار فيها.
جدير بالذكر أنه منذ الإطاحة بزعيم النظام البعثي السوري السابق في ديسمبر الماضي، ظهرت تقارير في المملكة المتحدة تفيد بأن نحو 55 مليون جنيه إسترليني (حوالي 68.3 مليون دولار) من الأموال الشخصية لبشار الأسد محجوزة في أحد بنوك لندن.
وعلى الرغم من أن أصول بشار الأسد مجمدة، إلا أنها تمثل جزءاً ضئيلاً من 163 مليون جنيه إسترليني مرتبطة بالدائرة الداخلية للأسد، وقد أثار وجود هذه الأصول مجدداً مخاوف بشأن الرقابة المالية في المملكة المتحدة وفعالية إنفاذ العقوبات المفروضة على النظام منذ بداية الحرب الأهلية السورية التي استمرت نحو 14 عاماً.