مخاطر الفيضانات تهدد أكثر من 6 ملايين منزل في بريطانيا وسط تأخر حكومي مقلق
تابعونا على:

أخبار لندن

مخاطر الفيضانات تهدد أكثر من 6 ملايين منزل في بريطانيا وسط تأخر حكومي مقلق

نشر

في

184 مشاهدة

مخاطر الفيضانات تهدد أكثر من 6 ملايين منزل في بريطانيا وسط تأخر حكومي مقلق

حذر تقرير حديث صادر عن هيئة رقابية مستقلة، من التحديات المستقبلية التي تواجه المملكة المتحدة في ظل تصاعد تداعيات تغير المناخ، مشيراً إلى أن نحو 6.3 مليون منزل وعقار تجاري باتت حالياً معرضة بشكل كبير لخطر الفيضانات.

وكشف التقرير أن هذا الرقم المقلق مرشح للارتفاع بشكل حاد ليصل إلى 8 ملايين عقار بحلول عام 2050، ما لم تتخذ إجراءات جذرية وعاجلة للتصدي لهذه التهديدات.

تفاصيل التقرير والمخاطر المتزايدة

أشارت اللجنة المستقلة المعنية بتغير المناخ (Committee on Climate Change – CCC)، وهي هيئة استشارية حكومية، إلى تقاعس الحكومة البريطانية في الاستعداد لما وصفته بـ”كارثة الغد”.

وأكدت أن هذه الأزمة لا تقتصر على الفيضانات فحسب، بل تشمل أيضاً موجات حر شديدة، فترات جفاف ممتدة، وحرائق غابات مدمرة، وهي ظواهر يتوقع أن تزداد حدتها بفعل الاحترار العالمي.

وأعربت اللجنة عن قلقها العميق من إمكانية خفض الإنفاق اللازم لحماية المجتمعات والبنى التحتية الحيوية، مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، في مراجعة الإنفاق الحكومية المقبلة، وذلك في وقت تزداد الحاجة إلى تعزيز القدرة على الصمود أمام هذه التهديدات المتفاقمة.

أما التوقعات المناخية المصاحبة للتقرير، فتشير إلى مستقبل قاتم؛ إذ قد ترتفع الوفيات المبكرة الناجمة عن موجات الحر، والتي بلغت نحو 3,000 حالة خلال صيف 2022 القياسي بحرارته، إلى 10,000 حالة سنوياً بحلول عام 2050.

وتؤكد مشاهد الدمار التي خلفتها الفيضانات الأخيرة في مدينة نورثهامبتون (Northampton)، حيث جرفت مئات المنازل المتنقلة، على خطورة هذه التحذيرات، رغم محاولات البعض إنكار الصلة بتغير المناخ.

انتقادات لاذعة للحكومة

أشار تقرير اللجنة إلى غياب أي تقدم يذكر في استعدادات البلاد منذ التقييم الأخير عام 2023، موجهاً انتقاداً مباشراً للحكومة الحالية لفشلها في تحقيق “التغيير المطلوب” في سياسات التكيف مع المناخ.

وأكدت رئيسة اللجنة، البارونة براون (Baroness Brown)، أن التحرك لا يزال بطيئاً رغم الأدلة المتزايدة التي تستوجب استجابة أكثر فاعلية.

واستشهدت البارونة براون بصيف 2022، حين تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية لأول مرة في تاريخ المملكة المتحدة، مما أدى إلى آلاف الوفيات، وأربك خدمات الطوارئ، وتسبب في تعطيل عمليات جراحية حيوية في المستشفيات، وقالت بأسف: “رغم كل هذه الأحداث، لم نشهد أي تسريع في الاستجابة”.

كما يبرز التقرير هشاشة القطاع الزراعي، حيث يواجه نصف الأراضي الزراعية الرئيسية في البلاد خطر الفيضانات، مما يهدد الأمن الغذائي.

إضافة إلى ذلك، فإن المدارس والمستشفيات ودور الرعاية تعد من بين أكثر المباني عرضة لموجات الحرارة الشديدة، ما يشكل تهديداً مباشراً للفئات الأكثر ضعفاً.

اقرأ أيضاً: تقرير صادم يكشف فقر وجوع الملايين في بريطانيا!

تقييم التقدم في مجالات التكيف

شمل تقييم اللجنة 46 مجالاً حيوياً تتطلب إجراءات عاجلة للتكيف مع تغير المناخ، ورغم أهمية هذه المجالات، فإن التقدم “الجيد” لم يسجل سوى في ثلاثة منها فقط، وهي: وضع خطط تكيف لشبكات النقل بالسكك الحديدية والطرق الاستراتيجية، وضمان الإفصاح عن المخاطر المناخية وإدارتها من قبل المؤسسات المالية.

في المقابل، لا يزال الأداء في مجالات رئيسية مثل حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي، وتأمين الأراضي الزراعية، وضمان استقرار إمدادات المياه والغذاء والطاقة دون المستوى المطلوب، بل إن الحكومة حصلت على تصنيف “غير كافٍ على الإطلاق” في 12 مجالاً أساسيًا.

وأبدت اللجنة قلقاً خاصاً بشأن قطاع المياه، مشيرة إلى غياب خطط فعالة لمعالجة مشكلة التسربات الكبيرة وتقليل الاستهلاك المفرط، في وقت يتزايد فيه خطر الجفاف بشكل ملحوظ.

دعوات لاتخاذ إجراءات عاجلة

أكدت اللجنة أن خطة العمل التي اعتمدتها الحكومة السابقة لم تكن كافية حتى لمواجهة تداعيات التغير المناخي الحالية، ناهيك عن المستقبلية.

كما أشارت إلى غياب أي تغيير جوهري في سياسات الحكومة الحالية، رغم الوعود التي قدمها حزب العمال الحاكم خلال حملته الانتخابية لتحسين القدرة على التكيف والاستعداد.

وشددت البارونة براون على حجم القلق المتزايد لدى المواطنين بشأن الطقس المتطرف وأسعار الغذاء وسلامة الفئات الأكثر ضعفاً، مؤكدة أن “السياسات الحالية ببساطة لا تؤدي الغرض”.

وأضافت: “رسالتي واضحة: البلاد تواجه خطرًا حقيقيًا، والناس معرضون لهذا الخطر، وما يبذل حتى الآن ليس كافياً، لا يمكننا الانتظار، فهذه ليست مشكلة المستقبل، بل أزمة حاضرة، وإذا لم نتحرك الآن، فستتفاقم إلى كارثة في الغد”.

ودعت اللجنة إلى تنفيذ مجموعة من التدابير العاجلة، من بينها بناء مستشفيات جديدة مصممة للصمود أمام الظواهر المناخية المتطرفة، وتحديث المستشفيات القائمة بأنظمة تكييف فعالة وأسقف خضراء.

كما طالبت بإطلاق حملات توعية عامة حول كيفية التصرف الآمن خلال موجات الحر، مثل إغلاق النوافذ والستائر نهاراً.

وأوصت بوضع معايير بناء جديدة تمنع ارتفاع حرارة المنازل بشكل خطير وتقلل من تعرضها لخطر الفيضانات، فضلاً عن إعادة توجيه الدعم الزراعي والخطط الوطنية للأغذية نحو تعزيز قدرة الإنتاج الغذائي والطبيعة على التكيف.

اقرأ أيضاً: إضراب عمال النظافة في برمنغهام يحول شوارعها إلى مقر للفئران

ردود الفعل والمخاوف المستقبلية

في تعليق أولي، صرح متحدث باسم الحكومة أن السلطات ستدرس نتائج التقرير بعناية، مؤكداً أن الحكومة “تتخذ إجراءات جادة للتعامل مع آثار التغير المناخي”، مشيراً إلى استثمارات بقيمة 2.65 مليار جنيه إسترليني لتعزيز البنية التحتية ضد الفيضانات.

على الجانب الآخر، اعتبر نشطاء البيئة التقرير “جرس إنذار” لا يمكن تجاهله.

وأكدت بيلا أودود (Bella O’Dowd)، مسؤولة سياسة المناخ في منظمة الصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، أن “الأدلة واضحة: اتخاذ إجراءات بشأن المناخ لا يحمي البيئة فحسب، بل يعزز الاقتصاد، ويحسن الصحة العامة، وينقذ الأرواح، لم يعد بإمكان المزارعين والمجتمعات والشركات تحمل المزيد من التأخير”.

من جهتها، شددت الدكتورة فريدريكا أوتو (Dr. Friederike Otto) من كلية إمبريال لندن (Imperial College London)، وهي خبيرة في تحليل تأثير تغير المناخ على الظواهر الجوية المتطرفة، على خطورة الوضع، قائلة: “التغير المناخي يؤثر بالفعل على المملكة المتحدة – فموجات الحر والفيضانات المتزايدة تدمر البنية التحتية، وتقلل من إنتاجية العمل، وتتلف المحاصيل، وتزيد الضغط على هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)”.

ومع تصاعد المخاوف، يبقى التحدي الأكبر الذي أبدته اللجنة هو احتمال أن تؤدي الضغوط المالية إلى تقليص ميزانيات التكيف مع المناخ في مراجعة الإنفاق الحكومية المقبلة.

واختتمت البارونة براون بتأكيدها: “نشعر بقلق بالغ… على الحكومة أن تدرك أن هذه ليست أزمة مستقبلية فحسب، بل أزمة قائمة الآن”.

ويبقى السؤال المطروح: هل ستستجيب الحكومة لهذا التحذير الصارم، أم ستواصل اتباع نهج قد يكلف البلاد ثمناً باهظاً؟

X