أميمة المطوع
يرسم النفط ملامح مستقبل ليبيا السياسي والاقتصادي بشكل كبير، إذ تلعب الصراعات التي جلبها النفط والأطراف الفاعلة في تشكيل صناعة النفط الليبي في الماضي والحاضر دور كبير يجب الالتفات إليه عند التنبؤ بمستقبل النفط في ليبيا.
يعد النفط بمثابة العمود
الفقري للاقتصاد الليبي، إذ يمثل أكثر من 82% من الصادرات، كما يعد المصدر الرئيسي
للدخل للعديد من المواطنين، إلا أن معدلات إنتاج النفط الليبي تذبذبت بشكل كبير
منذ أحداث الربيع العربي، حيث تسبب المناخ السياسي غير المستقر في معارك
للميليشيات حول موانئ النفط.
اكتشف أول بئر للنفط في المملكة الليبية في 1959،
وأصبحت مصدرة للنفط في 1961، حيث كانت تنتج 2 مليون برميل نفط يوميًا، تبع ذلك أن
تحولت ليبيا إلى جمهورية وتقلص إنتاج النفط إلى 1.7 مليون برميل حتى عام 2010،
واليوم عادت ليبيا لتسعى نحو إنتاج مليون برميل في اليوم، إذ بلغ حجم إنتاجها 864
ألف برميل في 2017، بتناقص قدره 46%.
تنتشر حقول النفط بين الجنوب الشرقي والجنوب
الغربي للبلاد متمثلة في 8 حقول رئيسية هي: الشرارة وسرير والفيل وبوري وواحة
وراجوبة وجيالو وزليتن، حيث تمثل هذه الحقول 80% من الاحتياطيات النفطية للبلاد،
بما يقدر ب45 مليار برميل، ونتيجة لذلك، فإن ليبيا تحتل المرتبة التاسعة في الاحتياطيات
النفطية على مستوى العالم والمرتبة الأولى في أفريقيا، ورغم ذلك، فإن نيجيريا حاليًا
هي المصدر الأول للنفط في أفريقيا، ويتمركز النفط على امتداد الهلال النفطي شرق ليبيا
في خمس موانئ رئيسية هي: سيدرا، راس لانوف، بريجا، زويتينة، هريجا.
تتنازع الفصائل المتصارعة حول الموانئ الرئيسية الليبية في الآونة الأخيرة،
حيث تستخدم الاحتياطي النفطي كوسيلة ضغط لفرض نفوذهم على حكومة الوفاق الوطني في
طرابلس.
ماذا يمثل “حرس حماية المنشآت النفطية” وما هو
دوره الرئيسي؟
شكلت حكومة الوفاق الوطني في عام 2013 حرس حماية المنشآت النفطية تحت إدارة
شركة النفط الوطنية من أجل حماية الهلال النفطي، إذ اختارت الحكومة قبيلة المغاربة
التي تسكن قرب الهلال النفطي لتولي قيادة حرس منشآت النفط الليبية، حيث اختارت
القبيلة المتمرد السابق إبراهيم جثران لقيادة الحرس مكافأةً له على الجهود التي
بذلها خلال الثورة الليبية.
يخرج حرس منشآت النفط الليبية بقيادة إبراهيم جثران من تحت عباءة حكومة
الوفاق الوطني ويسير بالعمل بشكل مستقل، ونتيجة لذلك، سعت حكومة الوفاق الوطني
لتصدير الغاز فقط عبر شركة النفط الوطنية، وإذا تم تصديره عبر أي مجموعة أو
ميليشيا أخرى فإن ذلك غير قانوني. بالرغم من ذلك، في عام 2014، حاول حرس حماية
المنشآت النفطية بيع النفط، إلا أن الأسطول الأمريكي لاحق المركبة وأُعيدت إلى
شركة النفط الليبية في طرابلس. في النهاية، يعد السعي إلى انتزاع اعتراف حكومة
الوفاق الوطني بتجارة النفط من جانب إبراهيم جثران بمثابة وضع الموانئ في مهب
النار.
صرح رئيس شركة النفط الوطنية في 2016، مصطفى
سانالا، أن المعركة حول احتياطيات النفط كلفت الاقتصاد الليبي أكثر من 100 مليار
دولار، وأنه كان من الأجدر بحرس منشآت النفط الليبية أن يحافظوا على احتياطي النفط
بدلًا من حجب شركة النفط الوطنية لتصدير الغاز.
ماذا يمثل الجيش الوطني الليبي
وما هو الدور الذي يلعبه؟
يقود الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر في شرق ليبيا
وبالتحديد في بنغازي، ويزعم بشرعيته، رغم أن حكومة الوفاق الوطني والعديد من الدول
الغربية لا تعترف به.
هاجم الجيش الوطني الليبي تحت قيادة خليفة حفتر
حرس منشآت النفط الليبية في 2016 ونجح في السيطرة على الهلال النفطي، وحاول بيع
النفط، إلا أنه فشل، مما دفعه إلى إنشاء شركة نفط وطنية في الشرق.
رفضت شركة النفطة الوطنية في طرابلس الاعتراف بشركة النفط الوطنية في
بنغازي، وقام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحراسة شركة النفط الوطنية في
طرابلس باعتبارها المصدرة الوحيدة للنفط في ليبيا، مما دفع الجيش الوطني الليبي
إلى تسليم احتياطي النفط إلى شركة النفطة الوطنية في طرابلس وضُمت شركتي النفط.
لن تسمح الأمم المتحدة والعديد من الدول الغربية القوية بوجود موزعين
للنفط، لأن ذلك حتمًا سيؤدي إلى انفصال ليبيا، فشركة النفط الوطنية اليوم تتدعي أن
هناك شركة واحدة للنفط متحدة، إلا أن الأمر على أرض الواقع مختلف تمامًا، إذ أن
شركة النفط الوطنية المتحدة تعيش حالة غريبة، أشبه بالانفصال القسري عندما لا يسمح
بالطلاق.
استضاف الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، قمة ليبيا للسلام في مايو 2018، وكان
من بين الحضور قادة بارزون من الحكومة الشرقية والحكومة الغربية والفصائل
المنافسة، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال، ” أن فرنسا
تدعم ليبيا من أجل انتخابات عاجلة، فنحن نؤمن أن ليبيا تريد جيش وطني تحت عباءة
حكومة مدنية وبمشاركة كل الأطياف التي تحارب الإرهاب في البلاد، بما في ذلك مجموعة
خليفة حفتر”.
على الجهة الأخرى، تسعى إيطاليا وبشكل كبير لإرساء الاستقرار السياسي في
ليبيا من خلال انتخابات رئاسية بضمانات مناسبة، حيث قال رئيس الوزراء الإيطالي،
جوزيبي كونتي، “نحن عجلون بشأن الانتخابات في ليبيا، أن تكون غدًا أوفي
نوفمبر أو ديسمبر”.
لم تكن محادثات السلام الفرنسية فقط من أجل السلام، بل أن فرنسا في الواقع
تنافس إيطاليا على النفوذ في ليبيا من أجل السماح بمساحات أكبر للتنقيب عن النفط،
حيث أن شركة النفط الفرنسية “توتال” تمتلك 31.5 ألف برميل في اليوم،
وخليفة حفتر يعدهم بالمزيد، إلا أنه غير معترف به دوليًا، ولا يستطيع بيع النفط
إلا في حالة فوزه بالانتخابات، في الجهة المقابلة، أجرت شركة “ENI” الإيطالية
المنتجة للنفط اتفاقًا مع الشركة الوطنية للنفط في طرابلس وتضخ حاليًا 320 ألف
برميل في اليوم في ليبيا.
تنظم شركة النفط الوطنية في طرابلس في الوقت الحالي محطات النفط الرئيسية
وتعدُ بعودة الإنتاج لوضعه الطبيعي في وقت قريب، كما زار رئيس الشركة، مصطفى
سانالا، إسبانيا وروسيا والمملكة المتحدة في أكتوبر الماضي للتفاوض مع شركات النفط
الدولية للعودة لليبيا، إذ استأنفتا “ENI” و
“BP” العمل، وحملت “Shell” 600
ألف برميل من ميناء زويتينة.
بلغ إنتاج النفط في نوفمبر الماضي 1.28 مليون برميل في اليوم، وهو أعلى
إنتاج منذ 5 سنوات، وتطمح شركة النفط الليبية في رفع معدل الإنتاج ليصل إلى 2 مليون
برميل في اليوم بحلول عام 2022، وبالرغم من تفاؤل القائمين على إدارة شئون النفط
في ليبيا، إلا أن خطط التوسع في إنتاج النفط لن تنجح إذ لم تتحسن الأمور بين الأقاليم
الليبية، فمازال مستقبل النفط الليبي غامض وغير محدد.