في سابقة تاريخية، ولحظة فريدة من تاريخ بريطانيا، ارتفعت أصوات الأذان في أرجاء قلعة “وندسور- Windsor” التاريخية بالمملكة المتحدة، لتُعلن عن عن أول حفل إفطار رمضاني في القلعة، بحضور الملك تشارلز الثالث Charles والملكة كاميلا – Camilla، إضافة إلى أبناء الجالية المسلمة وشخصيات سياسية ودينية بريطانية.
وشهدت القلعة التاريخية العريقة، التي تُستخدم عادة لاستقبال رؤساء الدول وإقامة الولائم الملكية الفاخرة، تجمُع أكثر من 350 شخصاً من مختلف الخلفيات الدينية والثقافية، للمشاركة في الإفطار الجماعي داخل إحدى أعرق القاعات الملكية في العالم.
وتجمع الضيوف داخل القاعة الملكية لتناول التمر وأداء الصلاة أولاً، قبل أن تبدأ وجبة الإفطار الملكية، وسط أجواء تعكس روح التآخي والمحبة في الشهر الفضيل.
ولم يكن هذا الحدث هو المبادرة الوحيدة لدعم المجتمع المسلم في بريطانيا خلال رمضان، حيث شارك الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا في عملية تعبئة التمور وتوزيعها على المستشفيات والعاملين في القطاع الصحي خلال الأيام الأولى من الشهر المُبارك.
أجواء روحية ومبادرات إنسانية
تحرص الجالية المسلمة في بريطانيا خلال شهر رمضان وعيد الفطر من كل عام، على تعزيز الأجواء الروحية في المناطق التي تتواجد فيها، وخاصّة ضمن العاصمة لندن، حيث يرى المسلمون في رمضان طقساً سنوياً مناسباً لتعريف الآخرين بالثقافة الإسلامية وتوطيد العلاقة بين المسلمين وباقي فئات المجتمع البريطاني.
وقد حددت السلطات الإسلامية في بريطانيا اليوم الأحد موعداً لعيد الفطر في المملكة المتحدة وفقاً لرؤية هلال شهر شوال.
وفي هذا الإطار، يُقيم المسلمون مبادرات إنسانية طوال أيام الشهر المُبارك، وفعاليات ترفيهية للأطفال في أيام العيد؛ لا تستهدف أبناء الجالية المسلمة فقط، وإنما الفئات الأكثر ضعفاً في المملكة المتحدة.
وخلال شهر رمضان هذا العام، قام مسلمو مانشستر – Manchester بتوزيع آلاف الوجبات الساخنة على الأشخاص المحتاجين والمشردين في مختلف أنحاء المدينة، في فعالية واسعة نظّمها فرع جمعية المجتمع الإسلامي في بريطانيا (ISB) بهدف دعم الفئات الأشد فقراً في المجتمع خلال الشهر الفضيل.
كما نظّمت مؤسسة “مشروع خيمة رمضان” إفطاراً جماعياً مفتوحاً في ساحة “ترافالغار – Trafalgar” الشهيرة في لندن، احتفالاً بنهاية شهر رمضان المُبارك.
ويُعد هذا الإفطار واحداً من سلسلة فعاليات رمضانية نظمتها المؤسسة في عدة مواقع رمزية خلال الشهر الفضي، مثل مسرح شكسبير غلوب – Shakespeare’s Globe، وقاعة غيلهول – Guilhaul الكبرى، ومتحف فيكتوريا وألبرت – Victoria and Albert.
ورغم أن الحدث يركّز على الاحتفال بالتقاليد الإسلامية الخاصّة بشهر رمضان، إلا أن الفعاليات كانت مفتوحة أمام جميع أفراد المجتمع البريطاني.
وتهدف هذه المبادرات إلى تعزيز روح التفاهم المجتمعي والتقارب الإنساني بين المسلمين وغير المسلمين من خلال مشاركة تجربة الإفطار في شهر رمضان، إضافة إلى التأكيد على الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات، وهذا ما يُساعد في نشر وشرح تعاليم الشهر الفضيل بطريقة حيوية لباقي الفئات المجتمعية في المملكة المتحدة، وهو ما يفسّر المشاركة الكبيرة سنوياً في الفعاليات الرمضانية من غير المسلمين.
اقرأ أيضاً: زيادة على الأجور غير مسبوقة مطلع الشهر القادم
المسلمون في بريطانيا
شهدت السنوات العشر الأخيرة زيادة ملحوظة بأعداد المسلمين في المملكة المتحدة، حيث كشفت إحصائيات صدرت في العام 2021 أن عددهم يقترب من أربعة ملايين شخص، ما يمثّل أكثر من 6.5% من مجمل عدد السكان.
وانعكست زيادة أعداد المسلمين في بريطانيا على أعداد المساجد فيها، حيث يبلغ العدد في لندن وحدها أكثر من 400 مسجد، بينما تكشف بعض التقديرات أن العدد تجاوز 500، لتكون أكبر مدينة أوروبية بعدد المساجد.
وعلى نطاق المملكة المتحدة ككل، فقد قدّر عدد المساجد بـ 1500 مسجد، حسب الإحصاءات التي تمت في العام 2024، ومن أهمها: مسجد لندن المركزي أو مسجد “ريجنت بارك”، بقبّته الذهبية الضخمة، والمُقام على قطعة أرض ملاصقة لحديقة “ريجنت” الشهيرة وسط لندن.
وبسبب تعدادهم الكبير ودورهم الحيوي في المجتمع، بدأت مؤسسات وشركات بريطانية كُبرى خلال السنوات الأخيرة بإقامة فعاليات رمضانية، منها موائد إفطارية جماعية، كما يفعل نادي تشيلسي – Chelsea في لندن على ملعبه ستامفورد بريدج – Stamford Bridge كل عام، حيث يقوم بدعوة آلاف الأشخاص إلى وجبة الإفطار داخل الملعب.
لقد ساهمت المبادرات والفعاليات الرمضانية التي تقيمها الجالية المسلمة في بريطانية بتعزيز روح التآخي بين المسلمين وغير المسلمين في الممبكة المتحدة، إضافة إلى نشر التعاليم الإسلامية بطريقة حضارية بين فئات المجتمع، حتى باتت الجهات الرسمية وفي مقدمتها الملك تشارلز الثالث يشارك في هذه الفعاليات.
اقرأ أيضاً: عيد بلا إجازة: كيف يحتفل المسلمون في بريطانيا والمهجر في ظل التحديات؟
اقرأ أيضاً: تريند رسومات غيبلي بين فرحة السوشيال ميديا وإنكار الجهود!
اقرأ أيضاً: متاجر (WHSmith) تغادر الشوارع البريطانية بعد قرنين من الحضور