معالم أثرية كثيرة تحيط بنا منذ آلاف السنين، مازالت طريقة أو سبب بنائها لغزاً يحير علماء الآثار حتى الآن، ومن بين هذه المعالم التي تناولتها عشرات الدراسات التاريخية والأثرية معلم ستونهنج الذي يعود تاريخه لخمسة آلاف عام.
معلم ستونهنج هو هو أثر صخري من أكثر الأثار الحجرية الضخمة في أوروبا، يقع في سهل ساليسبري بمقاطعة ويلتشير جنوب غرب إنجلترا، يتكون من مجموعة دائرية من أحجار كبيرة قائمة محاطة بتل ترابي دائري، ضمته اليونسكو عام 1986 إلى قائمة التراث الثقافي العالمي، وهو ملك للتاج البريطاني وتديره هيئة التراث البريطاني، والأرض المحيطة به ملك لمؤسسة التراث القومي.
وأشارت دراسة حديثة، تم نشرها في مجلة Archaeology International، إلى أنه تم بناء المعلم كمشروع يهدف إلى توحيد الشعوب القديمة من مختلف أنحاء بريطانيا، حيث يكتسب هذا المعلم أهميته ليس كمركز ديني فقط، بل كمركز سياسي استقدم الناس من مناطق بعيدة للمشاركة في بنائه، وهو ما جهله ذو أهمية خاصة لجهة استقطاب وافدين جدد هاجروا من أجزاء أخرى من أوروبا.
وبينت الدراسة أن مرحلة إعادة بناء المعلم تمت بين 2620 و2480 قبل الميلاد، حيث وضع البريطانيون القدماء حجارة السارسن العملاقة لتشكيل الدائرة الخارجية، وشارك آلاف الأشخاص في نقل الحجارة الضخمة لبناء معلم ستونهنج عبر مسافة تزيد عن 240 كم، في رحلة استغرقت ثمانية أشهر، كما تم نقل حجر المذبح الضخم الذي يبلغ وزنه 6 أطنان من مناطق بعيدة عن اسكتلندا الحديثة، وعبر مسافة تزيد عن 700 كم، وذلك خلال الفترة بين 2500 و2020 قبل الميلاد، وتم وضعه داخل الهيكل المركزي على شكل حصان.
وما يجعل معلم ستونهنج مميزاً عن أكثر من 900 دائرة حجرية موجودة في المملكة المتحدة، لجهة توحيد شعوب بريطانيا القديمة وتوفير مكان موحد لهم ليحتفلوا بروابطهم مع أسلافهم والكون، فتم تصميم البنية النهائية للمعلم لتتوافق مع الشمس خلال الانقلابين الشتوي والصيفي الذين شكلا أهمية كبيرة بالنسبة للبريطانيين القدماء.
بعض الموسوعات العالمية، وفي محاولة منها لفهم سر هذا المعلم التاريخي، خمنت أن بناءه مر بثلاث مراحل، بدأت عام 2900 قبل الميلاد ببناء خندق دائري قطره 110 أمتار، وعمقه واحد ونصف متر، وسد به تجاويف عددها 56 تجويفاً لحمل أعمدة خشبية، وامتدت المرحلة الثانية بين عامي 2900 و2500 قبل الميلاد، حيث تم إقامة مبان وأعمدة خشبية جديدة داخل مركز الخندق الدائري، وتنصيب أعمدة في مدخل الموقع.
وجرى في مرحلة البناء الأخيرة التي استمرت من 2550 إلى 1600 قبل الميلاد بناء 80 عموداً من صخور بركانية زرقاء تزن كل منها 4 أطنان، على شكل دائرتين متداخلتين، وأثناء هذه المرحلة جرى إعادة تفكيك هذه الحجارة وتركيبها بطريقة معقدة.
واليوم لم يبق من البناء الأثري إلا 17 عموداً قائماً وفوقه 6 6 عتبات ممتدة، وداخل دائرة سارسين كان منصوبا بناء على شكل حذوة الحصان وكانت تفتح لشمال شرق النصب باتجاه مدخل النصب.
واستناداً إلى عمر الأحجار المستخدمة في بناء معلم ستونهنج ، يرى بعض علماء الآثار وجود علاقة محتملة بين هذه الأحجار وتلك التي استخدمها المصريون القدماء في بناء أهرامات مصر وتشييد معابدهم وتماثيلهم، في حين يعتقد آخرون أن معلم ستونهنج كان مكاناً لدفن رماد الجثث منذ بدايته حتى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، إذ يعود تاريخ الرواسب فيه والتي تضم عظاماً بشرية إلى عام 3000 قبل الميلاد، كما يرى بعضهم الآخر أنه تم استخدامه كمرصد فلكي لرصد الكواكب والنجوم حول الكرة الأرضية.
يذكر أن بريطانيا تضم أكثر من 900 دائرة حجرية، لعل أشهرها دائرة ماونت بليزنت الحجرية الهائلة، التي تقع على مرتفع عشبي يطل على نهري فروم وونتربورن، تم استخدام قرون الوعول ومجارف من عظام الأبقار لحفر خندق حللقي كبير محيطه 1.2 كيلومتر، وهو أكبر ثلاث مرات من خندق ستونهنج وضفته. وداخل هذا الصرح تم بناء دائرة من أعمدة أشجار البلوط السامقة، سُمكها نحو مترين ووزنها يفوق 15 طناً.
كما تضم بريطانيا دائرة كاسلريج ستون بالقرب من كيسويك في كمبريا ، شمال غرب إنجلترا، تم بناؤها كجزء من التقاليد الصخرية التي استمرت من 3300 إلى 900 قبل الميلاد، تتكون من صخور جليدية غير منتظمة تتكون من صخور بركانية، تم تسطيحها في دائرة بعرض 32.6 ، ويقدر وزن أثقل حجر بحوالي 16 طناً