ربّما يكون البحث عن مقابر المسلمين في بريطانيا مهمة شاقة على أهل المتوفي، لاسيما أنّ مواراة الأحباء خلف التراب البريطاني قد ينقلب إلى مجرد حلم بعيد المنال، وذلك بسبب القوانين البريطانية الصارمة والتكاليف الباهظة التي قد تحول دون ملامسة أجساد ذويهم التراب إلا في حالة نقلهم إلى أوطانهم التي جاؤوا منها قبل عشرات السنين، فما هي الصعوبات التي تواجه هذه الفئة من المسلمين التي ينتمي أبناؤها إلى ذوي الدخل المحدود.
في الواقع إن السلطات البريطانية تفرض على كافة القاطنين فيها مجموعة من القوانين الثابتة فيما يتعلق بمراسم الدفن، ولعلّ أبرز هذه الاشتراطات التابوت الخشبي والشاهدة الحجرية، الأمر الذي يجعل أهل المتوفي أمام خيارين هناك ثالث ورابع غيرهما، فإمّا دفع مبلغ 25 ألف دولار والذي يعتبر أقل تكلفة لعملية الدفن أو الترحيل إلى البلد الأصلي الذي ينتمي إليه المتوفي حتى يحظى بميتة لائقة وأقل تكلفة.
وذلك لأنّ الخيارات الأخرى تتضمن عمليات حرق أو إذابة للجثة خارج مقابر المسلمين وهو خيار لا يتوافق مع الشريعة الإسلامية في الحالة العامة، ولكن بعض المضطرين قد يلجؤون إلى هذا الخيار.
وفي ذات السياق تكفل السلطات البريطانية لمن يلتزم بقوانين الدفن لديها، ويدفع التكاليف اللازمة، أن يحصل على خدمات الدفن والمحافظة على المكان الذي تدفن فيه الجثة، وتنظيفه باستمرار، كما أنّ التابوت الخشبي الذي يعتبر جزءاً أساسياً من العملية يتفاوت سعره بحسب نوع الخشب المستخدم في صناعته، ومدى فخامته من ناحية التصنيع والتصميم.
ومن الإجراءات التي يمكن أن تؤثر على عملية الدفن في مقابر المسلمين تلك المتعلقة بالإفراج عن الجثة، فالروتين الإداري قد يؤدي إلى احتجاز الجثة مدة تصل في بعض الحالات إلى الخمسة أيام، ومن الإجراءات في بلدية المنطقة أن يحصل أهل المتوفي على رقمين واحد يحدد قطعة الأرض والآخر يشير إلى رقم القبر، إلى جانب حصولهم على تعهد بجز العشب عن القبر وحمايته من العبث، وأن يبقى على الدوام موضع حماية وبمظهر لائق.
وعادة ما يوضع على القبر شاهدة رخامية في الغالب تكون بيضاء وينقش عليها اسم المتوفي، ومن الطقوس الإلزامية أن يقرأ أهل المتوفي نصاً يؤكد أن المتوفي مسلم، حتى يتم دفنه في مقابر المسلمين وأنه مؤمن بوحدانية الله وبعث محمد كخاتم للأنبياء والإقرار بوجود الخلفاء الراشدين الأربع، وتعتبر هذه التفاصيل السيناريو الأفضل في حال قرر أهل المتوفي دفنه بالطريقة التقليدية.
ولكن في حال كان القرار المتخذ هو عدم القدرة على الدفن أو الترحيل، تبرز خيارات أخرى تصعب على أهل المتوفي حادثة الموت أكثر، والخيار هنا إحراق جثة المتوفي، وهو إجراء يستغرق من الوقت حوالي التسعين دقيقة، تتحول بعدها الجثة إلى رماد يتم وضعه في وعاء وتسليمه لذوي المتوفي، في حال الطلب وبخلاف ذلك يتحول الميت إلى رماد متطاير في الفضاء.
وفي ذات السياق تحظى طريقة الدفن بالحرق دون الدخول إلى مقابر المسلمين على اعتراضات واسعة من قبل دعاة حماية البيئة، الذين يدعمون خيارات أخرى أكثر أماناً وحفاظاً على البيئة، وهو خيار إذابة الجثة، الذي يصفه الخبراء بالخيار الصديق للبيئة وجرى استخدامه لأكثر من ألفي مرة في بلدان خارج المملكة المتحدة، وأثبت فعاليته وأمانه، وتعتمد العملية برمتها على تطبيق مواد كيميائية فعالة قادرة على إذابة الجثة إلى جانب استخدام الحرارة والضغط، وميزة هذه الطريقة أنها تقلل كمية الطاقة المستخدمة، وتكون النتيجة بعد مرور ثلاث ساعات كومة من العظام فقط، وهو خيار يجده البعض صعباً للغاية، ما يدفعهم للعودة إلى خيار ترحيل الجثث ودفنها بالطرق التقليدية في الوطن الأم.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ المشكلة العالقة منذ أعوام، والتي تفاقمت في ظل انتشار الجائحة العالمية في العام 2020، استطاعت أن تصل إلى حلول ولكنها بقيت على نطاق فردي ضيق، واتخذت شكل مبادرات من رجال أعمال مسلمين وأصحاب أموال تعهدوا بتخصيص قطع أرض يمتلكونها لتكون المثوى الأخير لمسلمي بريطانيا، وهي جهود ما تزال دون المستوى المطلوب.