تحولت الحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم الى موضع انقسام دولي، وسط دعوات للتحرك بجدية للمحاسبة ووقف إسرائيل عن ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ومن بين الدعوات التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن مقاطعة المطاعم الإسرائيلية فيها.
بينما تشتعل أتون الحرب أو ما يسميه البعض المحرقة في قطاع غزة، ينشط المؤيدون للقضية الفلسطينية في بريطانيا، لدفع الناس نحو التحرك باتخاذ أي إجراء من شأنه أن يحرف الحرب عن مسارها، ويحافظ على أرواح المدنيين، وفي هذا الإطار نشطت دعوات النشطاء لمقاطعة عدد من المطاعم الإسرائيلية المنتشرة في لندن والتي تقدم وجبات حلال لزبائنها، بغرض استقطاب أبناء الجالية المسلمة في بريطانيا.
وجاءت مقاطعة المطاعم الإسرائيلية كجزء من تحرك شامل يستهدف المؤسسات والشركات الإسرائيلية، والتي تنتشر منتجاتها في أغلب أسواق بريطانيا، ويهدف القائمون على الحملة، التعبير عن حالة الغضب العارم من سلوك إسرائيل الوحشي في المنطقة، لا سيما أن أغلب هذه المؤسسات تقدم مبالغ طائلة تدعم بها الاقتصاد الإسرائيلي، وتعينه على الاستمرار في سلوكه الهمجي.
ومن بين المطاعم التي استهدفتها حملة المقاطعة، تلك الشهيرة مثل مطعم “ذا بالومار” (The Palomar) والذي يستقر في منطقة “سوهو” (Soho)، وهناك أيضاً مطعم “ذا بارباري” (The Barbary) في “كوفنت غاردن” (Covent Garden)، ومطعم “ديلامينا ” (Delamina) في “مارليبون” (Marylebone).
وتشتهر المطاعم الثلاثة بدمجها الأطباق الإسرائيلية مع العربية، ووضعها خيارات الحلال على قوائم الطعام التي تقدمها، الأمر الذي يجعلها مطاعم جاذبة للمسلمين، ويرى الناشطون الذين يدعون إلى مقاطعة هذه المطاعم أنها لا تمثل مجرد مطاعم، بل إن القائمين عليها، يعملون على الترويج للثقافة الإسرائيلية في الداخل البريطاني، بهدف تقديم أنفسهم على أنهم أشخاص طبيعيون ومقبولون في البيئة الدولية، وهو ما يرفضه النشطاء.
فلا يجد النشطاء في حملة مقاطعة المطاعم الإسرائيلية التطبيع مع إسرائيل وأي من المؤسسات التابعة لها في أي بقعة من العالم أمراً منطقياً، لا سيما في ظل استمرار إسرائيل بنهجها العدواني بحق الفلسطينيين، ودعا النشطاء إلى عدم اعتبار الدخول إلى هذه المطاعم مجرد أمر اعتيادي لتناول وجبة طعام، بل لابد من الحذر من هذا السلوك لأنه سيؤدي في النهاية إلى دعم جهة ترتكب المجازر بحق أبناء فلسطين.
وتشمل الحملة الحالية عدداً من المطاعم التي تقدم أطباق الحلال، في إطار توجيه المسلمين خاصة والبريطانيين عامة إلى ضرورة إيقاف التعامل مع هذه المطاعم، وإعادة النظر في سلوكهم الاستهلاكي والاقتصادي لدعم العدالة والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل يحرص منظمو حملة مقاطعة المطاعم الإسرائيلية على زيادة الوعي، بالدور الذي تلعبه الشركات والمؤسسات والمطاعم الإسرائيلية حول العالم، لتطبيع صورة إسرائيل في أذهان العالم، وفصلها عن حالة التطهير العرقي التي ارتبطت بها خلال العدوان المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
بدورهم يؤكد القائمون على الحملة بأنّ المقاطعة الحالية رغم أنها لا تنتهج لغة العنف، إلا أنها ستكون فاعلة في دفع الحكومات والمؤسسات الدولية والعالمية، لاتخاذ خطوات جدية نحو تحمل مسؤوليتها الأخلاقية في ظل العنف الحاصل حالياً.
وفي السياق تأخذ حملة مقاطعة المطاعم الإسرائيلية على عاتقها التعريف بالأطباق العربية والفلسطينية، التي يروج لها بوصفها جزءاً من المطبخ الإسرائيلي، لكنها ذات أصول عربية واضحة، ومن أمثلتها الفلافل والحمص والتبولة والتي تشكل بمجملها أطباق منطقة بلاد الشام والتي تعتبر فلسطين جزءاً أساسياً منها، وتعكس في إعدادها ومكوناتها الهوية الفلسطينية، لكن هذه المطاعم تحرص على تسويقها على أنها أطباق تراثية إسرائيلية.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى آراء عدد من المحللين للمشهد، بأن السلوك الإسرائيلي الحالي، يهدف إلى محو الهوية الفلسطينية، من خلال الترويج للأطعمة التراثية الفلسطينية على أنها محض إسرائيلية، وبهذا يعملون على تجريد الفلسطينيين من تراثهم الثقافي كجزء متمم لحالة الاحتلال والسيطرة التي ينتهجونها.
وبالتالي فإنّ هذا النوع من الحملات لا يقف عند مفهوم المقاطعة الاقتصادية فحسب، بل يمتد أيضاً لكونه نوعاً من الدفاع عن الهوية الوطنية والثقافية لأهل فلسطين، الذين يتعرضون لأعتى محاولات السلب والنهب والتشويه، كما أنّ هذه المقاطعة حامل رئيس للدعوات العالمية المنطلقة هنا وهناك لوقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة.