هل الوالدين أولياء أمور أبنائهم في بريطانيا أم القانون،
سؤال يطرحه الكثيرين من جاليتنا العربية في بريطانيا، إذ يعتقد الكثير من أولياء الأمور العرب عامةً والمسلمون خاصةً أن القانون البريطاني يتحكم في طريقة تربية أبنائهم.
أهم المشكلات التي يواجهها الوالدين في تربية أبنائهم هي ضياع الهوية العربية، فعلى الرغم من الانفتاح الكبير في البلدان العربية إلا أن هناك قيم وعادات دينية تحكم على العربي أن يلتزم بها ويراعيها، هذا ما يولّد لدى الطفل الناشئ في البيئة الغربية شعور بالضياع لأن بيئته الحالية ومحيطه الاجتماعي مغاير لتعاليم والديه، وغالباً ما يؤدي هذا الاختلاف إلى صراع بين الوالدين وأبنائهم.
لم تقتصر المشكلات على ضياع الهوية العربية، بل وصلت هذه المشكلات إلى عدم قدرة الوالدين على فرض أي نوع من السلطة على أبنائهم، فإذا أرادوا الأبناء أن يعيشوا وفقاً للبيئة والمجتمع الغربي لا يستطيع أولياء أمورهم منعهم من ذلك، وأحياناً يؤدي ذلك إلى تمرد الأبناء على والديهم.
غالباً ما يتم سحب حضانة الأطفال من الوالدين وفقاً لقانون البريطاني عند تعرض الأبناء للعنف الجسدي، أو عند عدم قدرة الوالدين على حماية أبنائهم من أذى يتعرضون له خارج المنزل، وفي حالة وجود مرض نفسي لدى أحد الوالدين وبالتالي عدم وجود بيئة أسرية صالحة لتربية الطفل نفسياً وجسدياً، أو في حالة تعاطي المخدرات من قبل أولياء الأمور ووجود خلافات أسرية حادة بينهم، أي لا يتم سحب الأبناء من والديهم إلا في حالة وجود ظروف قاهرة تحتم استخدام سلطة القانون على الوالدين.
وبالتالي على الوالدين تربية أبنائهم بأسلوب التربية المقصودة تلك التربية المرتبطة بديننا وثقافتنا الأصيلة وقيمنا التي تحض على بر الوالدين والتمسك بالعائلة وصلة الرحم، والتمسك بقيمة الزواج ورفض العلاقات خارج إطاره وما شابه ذلك.
التربية لا تعني توفير متطلبات الحياة الكريمة من مأكل وملبس وألعاب.. الخ فقط، وإنما المقصود الجلوس معهم واحتضانهم ومحاورتهم وتعديل سلوكهم بأسلوب راق، فالأطفال يحصلون على توعية قانونية كاملة بشأن حقوقهم، وعليه فالعنف معهم قد يؤدي لخسارة احتضانهم فضلاً على أنه أسلوب غير تربوي في أصله والأصل تجنبه، والتربية تبدأ قبل ولادة هؤلاء الأطفال بحسن اختيار الشريك الذي يعين على حسن التربية والرعاية والتوجيه.
وفكرة عزل الأطفال عن المجتمع في الغرب لضمان حسن تربيتهم غير عملية، والأصل اندماجهم اندماجا واعيا بالتوازي مع الحفاظ على هويتهم، فالفكرة عدم الذوبان والتخلي عن الهوية، إضافة إلى توافر القدوة الحسنة من قبل الوالدين أو أحدهما بحسن الخلق.
أما مسألة الحفاظ على اللغة العربية كلغة أم لیست ترفا أو تشددا، وإنما واجب أصيل في الحفاظ على الهوية ومعروف يقدمه الوالدان للطفل؛ لا يدرك أثره الكبير وفائدته العظمى إلا عندما يكبر ويجد أن هذه ميزة له كبيرة في سوق العمل، وكم من شبابنا خسروا فرص تطور وظيفي لهم بسبب عدم تمكنهم من اللغة الأم، ناهيك عن أنها تساعدهم في فهم القرآن الكريم وتعلم أمور دينهم وحضارتهم.
وتوافر البيئة الصالحة يسهل عملية تربية الأبناء من قبل الآباء وعليه يحتاج الوالدين لبذل الجهد في البحث عن رفاق طيبين لأطفالهم وتعزيز تواصل الطفل مع مجموعة رفاق طيبة وخلوقة، ويمكن القيام باستضافتهم في المنزل، والتعاون مع العرب الآخرين في بريطانيا بذلك، وخصوصاً مع الروابط التي تقوم بأنشطة تربوية للأطفال، مثل المنتدى الفلسطيني في بريطانيا وغيره من الروابط والجهات.
يعد الدين أكثر حصن يعزز القيم الإيجابية لدي حامله، وعليه فالتمسك بقيم الدين بوسطية واعتدال يحمي الطفل من الغلو أو الانحراف ويحافظ على بناء شخصية متوازنة له، إضافة إلى الوقت الممتلئ فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل وهذا حال الإنسان الراشد الناضج، فما بالك بالطفل الذي لم تتكون شخصيته بعد؟ هنا يحتاج الوالدين ومربو الطفل لملء وقته باعتدال بجملة من الأنشطة والفعاليات الهادفة.
من الضروري أن تكون هناك عدة عائلات عربية قريبة من العائلة العربية في بريطانيا أو أي بلد غربي، تكون بمثابة العائلة الممتدة ويصبح الأصدقاء فيها بمقام العم والخال في البلاد العربية هذا الحديث للذين هم وحدهم دون عائلاتهم الممتدة وهنا يتم تنظيم لقاءات شهرية وفعاليات مشتركة مثل رحلات عائلية ولقاءات ترفيهية، وتكون هي الحديقة الخلفية لتربية هذا الطفل والإطار العام بعد أسرته لرعايته واحتضانه.
والجدير بالذكر أن هناك العديد من المدارس الإسلامية في بريطانيا التي يقصدها العديد من الطلاب البريطانيين المسلمين ، والتي تلبي التطلعات التربوية والتعليمية للأسر المسلمة عبر دمجها المناهج المعتمدة في بريطانيا بتعاليم الإسلام، ومنها مدارس مملولة من الحكومة البريطانية ومن أمثلة هذه المدارس: مدرسة توحيد الإسلام الثانوية للبنين، وثانوية توحيد الإسلام للبنات في بلاكبيرن، والمدارس الإسلامية الخاصة (المستقلة) يُشرف القطاع الخاص على تمويل هذه المدارس، ومن أمثلة هذه المدارس: مدرسة الرسالة في لندن، ودار العلوم العربية الإسلامية في هولكومب.
وبهذا المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الوالدين في توفير بيئة أسرية جيدة نفسياً لتربية أبنائهم، بالإضافة إلى توفير الوقت الكافي للجلوس مع أبنائهم ومتابعة مشاكلهم ونمط حياتهم خارج المنزل.
اقرأ أيضاً: تجارب الزواج العربية في بريطانيا.. عقود صورية لشرعنة الإقامة وصفقات مشبوهة!