في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2020، تستقبل اليوم لندن زعماء التكتل الأوروبي في قمة محورية تعول عليها المملكة المتحدة وبروكسل لإعادة ترتيب العلاقات بينهما.
وتهدف القمة إلى تجاوز الخلافات التي خلفها بريكست (Brexit)، وبناء شراكة أكثر استقرارًا تحقق فوائد ملموسة للمواطنين من الجانبين.
ويرى رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر (Sir Keir Starmer) في هذه القمة فرصة استراتيجية لإطلاق مرحلة جديدة من التعاون مع الاتحاد الأوروبي بعيدًا عن أجواء التوتر التي سادت مفاوضات الانفصال.
ويأتي اللقاء في وقت تواجه فيه بريطانيا تحديات اقتصادية متزايدة، وتسعى إلى تعزيز علاقاتها الأوروبية لتحقيق مكاسب عملية في مجالات التجارة، الأمن، والطاقة.
طموحات بريطانيا المتعلقة على الاتحاد الأوروبي
تسعى الحكومة البريطانية إلى تحقيق مجموعة من التسهيلات والشراكات الاستراتيجية لتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
وأحد الأهداف الرئيسية هو تحسين حركة المسافرين من خلال السماح للمواطنين البريطانيين باستخدام بوابات الدخول الإلكترونية السريعة عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، مما يسهم في تقليل الوقت والإجراءات المعقدة.
وعلى الصعيد التجاري، تبرز الحاجة إلى إعادة تبسيط تجارة المواد الغذائية عبر تقليل القيود البيروقراطية التي تعرقل عمليات تصدير واستيراد المنتجات الزراعية والغذائية، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على أسعار السلع في الأسواق المحلية.
وفي المجال الأمني والدفاعي، تأمل بريطانيا في فتح الباب أمام شركاتها العاملة في الصناعات الدفاعية للحصول على تمويل ضمن برامج الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك برنامج القروض البالغة قيمته 150 مليار يورو.
كما تركز الجهود على تعزيز التعاون في قطاع الطاقة وأسواق الكربون، إلى جانب تكثيف المساعي المشتركة لمكافحة شبكات تهريب المهاجرين.
وعلى المستوى الثقافي، تهدف بريطانيا إلى دعم الحركة الثقافية عبر الاعتراف ببعض المؤهلات المهنية، بالإضافة إلى تسهيل جولات الفنانين والمبدعين، مما يعزز التبادل الثقافي بين الطرفين.
اقرأ أيضاً: بريكست بعد خمس سنوات: إنجازات أم إخفاقات؟
تنازلات بريطانية.. أم مناورة سياسية؟
في المقابل، تبدو بريطانيا مستعدة لتقديم بعض التنازلات أو اتخاذ خطوات يمكن أن ترضي الشريك الأوروبي.
ومن بين التحركات المحتملة، يبرز برنامج لدعم حركة الشباب، الذي يسمح للفئة العمرية دون الثلاثين بالعيش والعمل مؤقتًا في دول الاتحاد الأوروبي، لكن مع فرض قيود صارمة على الأعداد لضمان السيطرة على التدفق.
وعلى الصعيد الأكاديمي، تدرس الحكومة البريطانية العودة الجزئية إلى برنامج إيراسموس+ (Erasmus+)، وهو أحد أبرز برامج التبادل الطلابي في أوروبا، بعدما انسحبت منه رسميًا عقب “بريكست”، وهذه الخطوة قد تكون محاولة لاستعادة علاقات أكاديمية أكثر انفتاحًا مع القارة.
أما فيما يخص مصايد الأسماك، وهو ملف شديد الحساسية، فقد تسعى بريطانيا إلى إبرام اتفاق طويل الأمد مع الاتحاد الأوروبي.
ولا تزال هناك خيبة أمل واضحة بين الصيادين البريطانيين حول مدى تمتعهم باستقلالية حقيقية في مياههم الإقليمية بعد الانفصال، وهو ما قد يدفع لندن إلى تقديم تنازلات محسوبة لتحقيق استقرار أكبر في هذا القطاع.
هل تنجح هذه القمة حيث فشلت سابقاتها؟
تمثل القمة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومتين على تجاوز إرث الخلافات الماضية، وبناء علاقة شراكة قائمة على البراغماتية بدلاً من المنافسة السياسية.
ويؤكد كبير المفاوضين البريطانيين نيك توماس-سيموندز (Nick Thomas-Symonds) أن الهدف هو الوصول إلى “اتفاق يحدث فرقًا حقيقيًا للشعب البريطاني، من خلال خلق فرص عمل، وتأمين الحدود، وخفض تكاليف المعيشة”، مشيراً إلى أن التوصل إلى اتفاق شامل قد لا يكون سهلًا، إذ لا تزال هناك خلافات حول بعض الملفات الحساسة، مثل “الاتفاق الطبي، ومسألة السيطرة على المياه الإقليمية.
ندم متزايد على “بريكست”
تأتي هذه القمة وسط تغير واضح في المزاج العام داخل المملكة المتحدة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة كبيرة من البريطانيين تشعر بالندم على قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
وفي المقابل، فإن أي خطوة تنظر إليها على أنها “تنازل” أمام قواعد بروكسل قد تضع الحكومة البريطانية في موقف صعب، خاصة أمام التيار المحافظ وشخصيات بارزة مثل السياسي نايجل فاراج (Nigel Farage).
ويرى العديد من المراقبين أن المتغيرات الجيوسياسية الراهنة، من الحرب في أوكرانيا إلى غموض مستقبل المظلة الأمنية الأمريكية لأوروبا، تفرض ضرورة تعزيز التعاون بين لندن وبروكسل.
لذل؛ يبدو أن المصلحة الوطنية تقتضي السعي نحو علاقة شراكة جديدة، حتى وإن كانت محدودة.
اقرأ أيضاً: البريكست وتداعياته على الاقتصاد البريطاني بعد 8 سنوات