في خطوة قد تعيد تشكيل طريقة دفع المستهلكين بشكل جذري، تدرس الجهات التنظيمية المالية في المملكة المتحدة إمكانية رفع الحد الأقصى لمدفوعات تقنية الدفع بدون تلامس (التي تتم عبر تمرير البطاقة أو الهاتف الذكي مزودًا بتقنية (NFC) بالقرب من جهاز الدفع، دون الحاجة لإدخالها في القارئ) أو حتى إلغائه تمامًا.”
حاليًا، يبلغ هذا الحد 100 جنيه إسترليني، لكن هيئة السلوك المالي (Financial Conduct Authority) – (FCA) تبحث إمكانية تعديل هذه القيود لتعزيز مرونة الدفع مع الحفاظ على معايير الأمان.
وتأتي هذه الدراسة في إطار جهود مستمرة لمواكبة التحولات الرقمية، مما يثير تساؤلات حول تأثيراتها المحتملة على المستهلكين والتجار، خاصة فيما يتعلق بسرعة المعاملات ومستويات الحماية من الاحتيال.
من 10 إلى 100 جنيه: رحلة تطور الدفع بدون تلامس
شهدت تقنية الدفع بدون تلامس تطورًا متسارعًا منذ إطلاقها في عام 2007، عندما لم يكن الحد الأقصى للمعاملة الواحدة يتجاوز 10 جنيهات إسترلينية.
ومع مرور السنوات، ارتفع هذا السقف تدريجيًا ليصل إلى 100 جنيه إسترليني في عام 2021، مدفوعًا بثقة المستهلكين وارتفاع معدل الاستخدام.
اليوم، تشير الإحصاءات إلى أن 85% من البريطانيين يعتمدون على هذه التقنية بشكل منتظم، وهو ما يعكس تحولًا جوهريًا في سلوكيات الدفع.
ومع ذلك، يبدو أن الحدود الثابتة لم تعد تتماشى مع التوجهات الجديدة، مما دفع الجهات التنظيمية إلى دراسة خيارات أكثر مرونة.
وفقًا للتحديث الأخير الصادر عن هيئة السلوك المالي، يتم النظر في عدة سيناريوهات، من بينها رفع الحد الحالي إلى مبلغ أعلى، أو إلغاؤه تمامًا والسماح بمدفوعات غير محدودة دون الحاجة إلى إدخال الرقم السري، أو منح الشركات حرية تحديد الحدود وفقًا لسياساتها الداخلية، كما هو الحال في الولايات المتحدة.
هذه التغييرات المحتملة لا تأتي بمعزل عن سياق اقتصادي أوسع، حيث تسعى الحكومة إلى تحفيز النمو الاقتصادي عبر إجراءات تهدف إلى تعزيز مرونة الدفع وزيادة ثقة المستهلكين في الأنظمة المالية الحديثة.
في هذا الإطار، أوضح ديفيد جيل (David Geale)، المدير التنفيذي للدفع والأصول الرقمية في(FCA)، أن هذه الدراسة تمثل فرصة مثالية لدعم نظام الدفع البريطاني من خلال إحداث توازن بين سهولة الاستخدام ومتطلبات الأمان.
من جانبها، رحبت إيما رينولدز (Emma Reynolds)، الوزيرة الاقتصادية في الخزانة، بالمقترحات، مؤكدة أنها ستساهم في تعزيز القوة الشرائية للأسر، مع ضمان “مرونة آمنة” في عمليات الدفع.
اقرأ أيضاً: بطاقة (Monzo Flex) تحقق نجاحاً كبيراً في سوق الشراء الآن والدفع لاحقاً
ماذا عن مخاطر الاحتيال؟
ورغم التفاؤل الذي يحيط بهذه التغييرات المحتملة، يظل الأمان أحد التحديات الرئيسية، خاصة مع تصاعد المخاوف من زيادة عمليات الاحتيال.
تشير البيانات إلى أن الإنفاق الاحتيالي عبر الدفع بدون تلامس بلغ 41.5 مليون جنيه إسترليني خلال عام 2023، بارتفاع نسبته 19% مقارنة بالعام السابق.
ومع ذلك، فإن معدل الاحتيال لا يزال أقل بكثير من معدل نمو حجم المعاملات، مما يعكس فعالية التدابير الأمنية القائمة، مثل إلزام العملاء بإدخال الرقم السري (PIN) بعد تجاوز حد معين من المشتريات اليومية.
وفي الولايات المتحدة، حيث تتمتع الشركات بحرية تحديد حدود الدفع بدون تلامس وفقًا لسياساتها، أظهرت التجربة عدة نتائج، من بينها تسريع عمليات الدفع في المتاجر الكبرى وزيادة بعض المشكلات المتعلقة بالخصم غير المقصود، مما دفع بعض البنوك إلى تبني تقنيات أمان إضافية، مثل المصادقة البيومترية التي تشمل بصمات الأصابع والتعرف على الوجه.
هذه الحلول قد تكون خيارًا أمام الجهات البريطانية، خاصة مع تصاعد الاهتمام بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في كشف الأنماط الاحتيالية وتعزيز مستويات الحماية.
اقرأ ايضاً: أهم النصائح للحماية من الاحتيال المالي أثناء التعاملات البنكية
كيف ستتأثر تجربة المستهلكين؟
ومن المتوقع أن تتبع الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة نهجًا تدريجيًا في اتخاذ القرار النهائي، حيث يجري حاليًا جمع آراء الجمهور والجهات المعنية حتى نهاية نوفمبر 2024.
وبعد ذلك، سيتم تحليل التأثيرات المتوقعة على الأمان ومرونة الدفع وحماية المستهلك، قبل الإعلان عن القرار النهائي مطلع عام 2025.
وفي حال تمت الموافقة على التغييرات، فقد يتم تنفيذها على مراحل لضمان تكيف السوق معها دون تأثيرات سلبية غير متوقعة.
وإذا تم اعتماد هذه الخطة، فقد تصبح تجربة التسوق أكثر سرعة وسلاسة، خاصة عند شراء السلع مرتفعة الثمن، مثل الأجهزة الإلكترونية والمفروشات.
لكن نجاح هذا التحول سيعتمد على تنفيذ ضمانات أمان قوية، مثل فرض المصادقة البيومترية أو إلزام الشركات بتعويض العملاء المتضررين من عمليات الاحتيال.
ومع اقتراب موعد اتخاذ القرار، يبقى السؤال الأهم: هل سيدعم المستهلكون هذا التغيير؟ وهل يشعرون بالأمان الكافي لاستخدام الدفع بدون تلامس دون قيود؟