فتحت العودة واسعة النطاق للأوروبيين الشرقيين من أوروبا الغربية باب التساؤلات بشأن عودة مماثلة للمهاجرين العرب في ضوء التغيرات المتلاحقة التي تعيشها القارة العجوز بعد أن لجأ العرب إليها بحثاً عن الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، المفقود في أوطانهم الأصلية.
هل فعلا يستطيع المهاجر العربي العودة إلى بلده؟
أوضح أوغنيان جورجييف وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تقرير موسع نشر في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن السبب الأكثر شيوعا للعودة يكمن في “الرغبة في أن يكون المرء مع عائلته وأقاربه”، والسبب الثاني “فقدان الوظيفة”.
يقول مهاجرون عرب في تصريحات متنوعة لـلصحافة إن الأسباب التي دفعت بالآلاف من المهاجرين الأوروبيين الشرقيين للعودة إلى بلدانهم مختلفة عن تلك الأسباب التي لجأ لأجلها العرب نحو أوروبا، وأن الحروب والنزاعات في مناطقهم كانت سببا رئيسيا وراء تلك الهجرة.
وقال المحامي صباح المختار، رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، إن “موضوع العودة بالنسبة إلى العرب المهاجرين ترتبط ارتباطا أساسيا وكبيرا بالوضع الأمني، السلامة والاقتصاد، في وطن الأصل وبالتالي لا يبدو أن هناك أملا في المستقبل القريب”.
وأضاف أن “المشكلة الكبرى هي مع الأعداد الهائلة من المهاجرين الجدد، حيث الظروف الصعبة التي قد تدفع البعض منهم للتفكير في العودة إذا ما توفر قدر معقول من الأمن وفرص العمل، إضافة إلى تشجيع بريطانيا مثلا على العودة الطوعية، وإعطائهم مبلغا من المال لقاء العودة”.
وأوضح أن بريطانيا وبقية أوروبا قيدت الهجرة في العشرين سنة الماضية، مشيراً إلى أن أوضاع غالبية أوطان المهاجرين لا تشجع على التفكير في العودة.
وأوضح الدكتور علي وجيه الرئيس التنفيذي لتلفزيون عراق 24 أن “العودة إلى البلدان العربية غالبا ما تكون مرهونة بالاستقرار أو استقبال وتأمين بيئة مناسبة للأعمال أو حاضنة أجواء حتى على المستوى الاجتماعي والعائلي والنفسي”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه “خلال العقد الأخير لم تكن هناك إشارات مشجعة كثيرا” لتلك العودة.
ترى راجحة عبود، صحافية عراقية مقيمة في باريس، أن “المهاجرين العرب بين نارين، نار التطرف الذي انتشر في أوروبا والضغوطات النفسية التي يتعرّضون لها، ونار بلدانهم المشتعلة أو التي لا يتوفر فيها أدنى سبل العيش بكرامة”.
من جانبه اعتبر عرفان عرب، باحث فلسطيني مقيم في لندن، أن المهاجرين العرب الذين استقروا في بريطانيا نقلوا معهم خلافاتهم السياسية والدينية والمذهبية وازدادوا انقساما وتطرفا.
ووثق عرب معلومات واسعة عن موجات الهجرة للمهاجرين العرب في بريطانيا التي بدأت قبل أربعمئة سنة مع وصول تجار سوريين عملوا في صناعة النسيج واستقروا في منطقة مانشستر شمال غرب إنجلترا، كما كانت أكبر موجات الهجرة لليمنيين من عدن والذين عملوا في صناعة السفن واستقروا في بيرمنغهام وكارديف وغيرها من مدن غرب بريطانيا.
كما كانت هناك موجة هجرة أخرى في بداية السبعينات من القرن العشرين وتميزت بأنها هجرة المثقفين والصحافيين والأثرياء، وبعضهم معارضون سياسيون، ومع هذه الهجرة هاجرت الأموال والأدمغة العربية.
وأضاف أنه في فترة الثمانينات ومطلع العام 2011 حدثت هجرة للاجئين والمعارضين السياسيين لنظم عربية ومنهم إسلاميون وإخوان من مختلف الدول العربية، وانضم إليهم المهاجرون الاقتصاديون الذين يبحثون عن حياة اقتصادية أفضل.
وعلى الرغم من ذلك نجحت بلدان غربية في تحقيق التوازن بين حاجتها من اللاجئين والمهاجرين وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي لتقوية الاقتصاد ودعمه باليد العاملة.
وقالت مباركة العماري، وهي صحافية تونسية مقيمة في ألمانيا، إن أعداداً كبيرة من المهاجرين العرب تمكنت من التأقلم السريع مع المجتمع الألماني وسوق العمل ورأت أن عودتهم إلى بلدانهم حتما ستشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا، خاصة أن واقع هذه البلدان لم يتغير إلى الأحسن بل ظل على ما هو عليه أو استفحل سوءا.
وأوضحت أن “العدد الكبير من المهاجرين العرب حتى وإن استطاعت الدول الأوروبية استيعابه وخاصة منها ألمانيا.. فإن الدول العربية سوف تكون حتما عاجزة عن استيعابهم إما اجتماعيا أو اقتصاديا وهو ما يجعلهم عبئا إضافيا يضاف إلى أعبائها كدول نامية وفقيرة”.