قدمت وزيرة التنمية البريطانية، راشيل دودز (Rachel Dodds)، استقالتها من الحكومة، احتجاجًا على قرار رئيس الوزراء كير ستارمر(Keir Starmer) بخفض ميزانية المساعدات الخارجية لصالح زيادة الإنفاق الدفاعي.
وجاءت استقالة دودز وسط موجة انتقادات واسعة من قبل المنظمات الإنسانية، التي حذّرت من تداعيات هذا القرار على الفئات الأكثر ضعفًا حول العالم
خفض المساعدات لتمويل الدفاع
أعلن ستارمر يوم الثلاثاء عن خطة لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وهو ما سيتم تمويله عبر تقليص ميزانية المساعدات الخارجية من 0.5% إلى 0.3% من الدخل القومي الإجمالي.
وفي رسالة استقالتها، التي نشرتها على منصة “إكس”، أعربت الوزيرة عن رفضها لهذا القرار، قائلة: “هذه التخفيضات ستؤدي في النهاية إلى حرمان أشد الناس احتياجًا من الغذاء والرعاية الصحية”.
وأكدت أنها كانت تأمل في مناقشة جماعية لإيجاد مصادر تمويل أخرى، بدلًا من تحميل المساعدات الخارجية العبء بالكامل.”
وفي رده على استقالتها، وصف ستارمر قرار خفض المساعدات بأنه “صعب ومؤلم”، لكنه أكد أن “حماية الأمن القومي يجب أن تكون الأولوية الأولى لأي حكومة”، كما أعلن تعيين جيني تشابمان، الحليفة المقربة له، وزيرةً جديدة للتنمية الدولية.
استقالة رابعة في حكومة ستارمر
يواجه ستارمر تحديات متزايدة داخل حكومته، إذ تُعد هذه الاستقالة الرابعة منذ فوز حزب العمال في الانتخابات العام الماضي، منهياً 14 عامًا من حكم المحافظين.
وكان ستارمر قد أقال وزير الصحة المساعد أندرو غوين (Andrew Gwynne) في وقت سابق هذا الشهر بسبب تصريحات معادية للسامية والعنصرية والجنسية في محادثة على “واتساب”.
كما استقالت وزيرة مكافحة الفساد توليب صديق (Tulip Siddiq) في يناير بعد ورود اسمها في تحقيقات فساد في بنغلاديش، بينما استقالت وزيرة النقل لويز هيغ (Louise Haigh) في نوفمبر بعد الكشف عن إدانتها بجريمة جنائية قبل دخولها البرلمان.
اقرأ أيضاً: استقالة مسؤول بريطاني رفيع المستوى والحكومة تتهرب من المواجهة!
تداعيات القرار على المساعدات الدولية
أثار خفض المساعدات الخارجية قلقًا واسعًا بين المنظمات الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بالدعم الموجه لغزة وأوكرانيا والسودان، بالإضافة إلى برامج التغير المناخي والتطعيمات.
وحذّرت الوزيرة المستقيلة من أن “عمق هذه التخفيضات يجعل من المستحيل الحفاظ على هذه الأولويات، وربما يؤدي إلى انسحاب بريطانيا من عدة دول في إفريقيا ومنطقة الكاريبي وغرب البلقان”.
لكن ستارمر سعى إلى طمأنة منتقديه، مؤكدًا أن حكومته “ستواصل حماية البرامج الحيوية، خاصة في مناطق النزاعات الأكثر حدة”
انتقادات حادة من المنظمات الإنسانية
وصفت منظمات الإغاثة القرار بأنه “قصير النظر ومدمر”، وحذّرت من تأثيره على نفوذ بريطانيا العالمي وعلى حياة الملايين الذين يعتمدون على المساعدات.
وقالت روملي غرينهيل (Romilly Greenhill)، الرئيسة التنفيذية لمنظمة “بوند” التي تمثل مجموعة من المؤسسات الإنسانية، إن “خفض ميزانية المساعدات البريطانية لتمويل الإنفاق الدفاعي قرار متهور”.
من جهتها، وصفت منظمة “أكشن إيد (ActionAid)”، القرار بأنه “خيار سياسي قد تكون له عواقب وخيمة” على المتضررين من الأزمات الإنسانية، مثل سكان غزة وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوكرانيا.
أما ديفيد ميليباند (David Miliband)، وزير الخارجية البريطاني السابق ورئيس منظمة “اللجنة الدولية للإنقاذ”، فقد اعتبر أن القرار “ضربة قاسية لسمعة بريطانيا كقوة إنسانية عالمية”.
بريطانيا في المرتبة الخامسة عالميًا في المساعدات
يُذكر أن بريطانيا كانت خامس أكبر دولة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم، إذ قدمت أكثر من 18 مليار يورو في عام 2023، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
لكن مع هذا القرار، ستتراجع المساهمة البريطانية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، ما دفع نيك ديردن (Nick Duerden)، مدير حملة “العدالة العالمية الآن”، إلى القول: “لإرضاء ترامب، سيخفض ستارمر المساعدات إلى أدنى مستوى لها منذ جيل. إنه يوم عار على بريطانيا”.
اقرأ أيضاً: سيموت مئات الأطفال والنساء في إفريقيا.. هذه آثار خفض بريطانيا لمساعداتها الخارجية!
أبعاد سياسية ودولية للقرار
قرار خفض المساعدات جاء بالتزامن مع لقاء ستارمر بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع، حيث ناقشا محادثات وقف إطلاق النار في أوكرانيا وقضايا أخرى.
وفي مؤتمر صحفي عقب الاجتماع، ألمح ترامب إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري سريع مع بريطانيا، ما قد يساعدها في تجنب التعريفات الجمركية الأمريكية المحتملة.
كما دعا ستارمر أكثر من عشرة قادة أوروبيين إلى قمة ستُعقد يوم الأحد لمناقشة الوضع في أوكرانيا والأمن الدولي، والتقى بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في داونينغ ستريت قبل القمة، لتعزيز التنسيق بين الحلفاء بشأن الحرب مع روسيا.
هل سيؤثر القرار على مكانة بريطانيا الدولية؟
يطرح قرار خفض المساعدات الخارجية تساؤلات حول دور بريطانيا المستقبلي في الساحة الدولية، ففي حين يرى مؤيدو القرار أنه ضروري لتعزيز القدرات الدفاعية، يحذر معارضوه من أنه قد يقوض نفوذ لندن، خاصة في المناطق التي تعتمد على دعمها.
يبقى أن نرى كيف ستتعامل حكومة ستارمر مع الانتقادات الداخلية والخارجية، وهل سيتمكن من تحقيق توازن بين الأمن القومي والمسؤولية الإنسانية.