لم يكن عام 2022، عاماً عادياً بالنسبة للمملكة المتحدة، التي شهدت أحداثاً نادرة في تاريخ حكومتها، تمثلت في تولي ثلاث شخصيات منصب رئيس الحكومة، بدءاً من تقديم بوريس جونسون استقالته، ثم لحقته ليز تراس، وحتى وصول ريشي سوناك إلى مقعد رئيس الحكومة.
و أصبح سوناك خامس مسؤول على التوالي من حزب المحافظين يشكل الوزارة، وأول بريطاني من أصول هندية، وأول شخص من أصول غير أوروبية، وأكثر الساسة ثراء في تاريخ بريطانيا، يتولى مهمة تشكيل الحكومة البريطانية.
وتعهد سوناك عقب تعيينه رسمياً للحكومة من قبل الملك تشارلز الثالث في 25 من تشرين الأول، بإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية العميقة، وإعادة بناء الثقة في النظام السياسي.
وبالرغم من ذلك، لم يسلم ريشي سوناك منذ تولي المنصب الجديد، من الانتقادات الواسعة، التي طالت ثروته وثروة عائلته، بالإضافة تشكيل حكومته التي احتفظت بعدد من الوزراء السابقين.
ثروة سوناك
أشارت العديد من التقارير، إلى المفارقة بين الواقع الذي تعيشه بريطانيا، وبين وضع سوناك الذي أصبح أغنى شخص يصل إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا.
كما وجهت المعارضة البريطانية انتقادات ساخرة إلى سوناك بشأن ثروة عائلته الضخمة وحياته المهنية السابقة في صناديق الاستثمار، ملمحة إلى أنه غير معني بأزمة غلاء المعيشة ولا يشعر بها.
وقال المنتقدون: إن سوناك وزير الخزانة السبق البالغ 42 عاماً، “بعيد عن الواقع لدرجة أنه لا يهتم بمخاوف الناس العاديين خلال فترة أزمة اقتصادية متصاعدة.
وكتبت النائبة عن حزب العمال نادية ويتوم على تويتر، “سوناك وزوجته يجلسان على ثروة مقدارها 730 مليون جنيه، وهذا يعادل ضعفي الثروة المقدرة للملك تشارلز الثالث”.
وأضافت “تذكروا ذلك كلما تحدث عن اتخاذ قرارات صعبة ستدفع ثمنها الطبقة العاملة”.
بدوره، قال الزعيم اليساري السابق لحزب العمال المعارض جيريمي كوربن، الذي أصبح الآن عضوا برلمانيا مستقلا، إن سوناك “سيهتم بمصالح 1%” من الشعب.
وأضاف على تويتر “الـ99% سيدفعون مقابل حصولهم على الحماية”.
التشكيل الوزاري
بعد أن تسلم ريشي منصبه الجديد، حافظ على مجموعة من مراكز القوى داخل الحكومة والحزب تتمثل في جيرمي هانت وزيرا للخزانة، الذي كانت عينته ليز تراس على عجل لتهدئة العاصفة المالية الناجمة عن برنامجها الاقتصادي.
وتعرض سوناك إلى موجة من الانتقادات على ضوء إعادته وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، ذات الأصول الهندية إلى المنصب ذاته، علماً بأنها استقالت عقب خمسة أسابيع فحسب من شغلها هذا المنصب في حكومة ليز تراس بعد أن أرسلت وثيقة رسمية من بريدها الإلكتروني الشخصي في انتهاك تقني لقواعد الحكومة.
وتساؤل المغردين عبر تويتر عن أسباب عودة الوزيرة إلى منصب وزير الداخلية، بعد أن استقالت في 19 تشرين الأول 2022، واستبدلها تراس بجرانت شابس، خاصة أن الاستقالة كانت بسبب انتهاك أمني لا يمكن أن يصدر من وزيرة للداخلية والأمن الداخلي! وربط البعض بين أصولها الهندية وأصول سوناك في أن يكون منحازا بشكل عرقي للبريطانيين من أصول هندية.
كوب 27 بمصر
تعرض رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً، الذي استضافت بلاده آخر مؤتمر مناخي للأمم المتحدة العام الماضي، لانتقادات شديدة بعد أن أعلن داونينغ ستريت أنه لن يحضر كوب 27 في مصر.
وعزت متحدثة باسم زعيم حزب المحافظين الخميس غيابه بـ”التزامات ملحة” تتعلق خصوصا بإعداد عرض للميزانية في 17 تشرين الثاني وهو أمر بات موضع ترقب شديد بعد أسابيع عدة من التقلبات المالية في المملكة المتحدة.
كن إد ميليباند، المكلف ملف التغير المناخي داخل المعارضة العمالية، ندد بـ”فشل القيادة الذريع” وقال “واضح أن ما لا يفهمه ريشي سوناك هو أن معالجة أزمة المناخ لا تتعلق فقط بسمعتنا ومكانتنا في الخارج بل (تتعلق) أيضا بإمكانيات خفض الفواتير وبالوظائف وبأمن الطاقة التي يمكن أن تقدمها لنا” هذه المعالجة.
وبعد موجة من الانتقادات، التي طالته تراجع ريشي سوناك بعد أيام من اعتذاره عن قرار عدم الحضور إلى مؤتمر المناخ في مصر.
وغرد سوناك على توتير : ” لا يوجد ازدهار طويل الأمد دون اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، لا يوجد أمن للطاقة دون الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لهذا سأحضر مؤتمر كوب 27 لبناء مستقبل آمن ومستدام.”
تعيين وزير متنمر
اتهمت المعارضة البريطانية على لسان حزب العمال حكومة ريشي سوناك بالفشل بعد استقالة وزير بدون حقيبة بسبب اتهامات له بالتنمر فيما نفى رئيس الوزراء اتهامات المعارضة.
وكان الوزير “كافين ويليامسون” قد استقال بعدما تم نشر رسائله الهاتفية في وسائل اعلام بريطانية وهي رسائل بعثها ويليامسون لبعض الموظفين الحكوميين وصفت بأنها تحمل طابع التهديد والتخويف والتنمر.
وعلى أثر ذلك، أعرب سوناك عن أسفه لإعادة السير غافين ويليامسون إلى الحكومة، بعد استقالته من منصب وزير بعد مزاعم “التنمر”.
وقال رئيس الوزراء إن غافين كان محقا في الاستقالة، مضيفا أن سلوكه “غير مقبول”، وقال سوناك إنه لم يكن على علم “بمخاوف محددة” بشأن سلوكه في منصبين وزاريين سابقين.
لكن زعيم حزب العمال المعارض السير كير ستارمر، اتهم سوناك خلال جس مجلس العموم المعتاد الخاصة بسؤال رئيس الوزراء (PMQs) بالفشل في “الوقوف في وجه المتنمر العادي”
وفي الختام، وعلى الرغم من أن البرنامج الاقتصادي لريشي سوناك لم يظهر أي نتائج بعد على المملكة المتحدة، سواء كانت إيجابا أو سلباً، إلا أن بعض الأصوات الصحفية والمؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ناقشت فكرة عدم نجاح ريشي سوناك، وأن بريطانيا على موعد قريب مع استقالة خامس رئيس حكومة من حزب المحافظين على التوالي ومن ثم الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة قبل موعدها المقرر في يناير 2025.