نموذج يعكس تجربة إنسانية فريدة ومتميزة، تمزج بين مكوّنات مختلفة يضيف كل منها للآخر. النائب فؤاد مخزومي، هو رجل أعمال من الطراز الرفيع، وشخصية سياسية بارزة في الأوساط اللبنانية والشرق الأوسط، وله باع طويل في العمل الخيري والتطوعي، يُعرَف عنه حبه لبيروت وعشقه لتراب لبنان، مجلة “أرابيسك لندن” فازت بهذا اللقاء معه.
صنعت
إمبراطورية كبيرة في عالم الأعمال رغم أنك لم ترث تركة كبيرة، كما أنك لست من ذوي
السلطة في لبنان.. نحن متشوقون لتخبرنا قصتك؟
نشأت في أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة، وكان والدي – رحمه الله – يعمل موظفاً في القطاع العام، وكان يبذل كل ما في وسعه لتلبية الاحتياجات المعيشية لأسرتنا التي تتكون من سبعة أفراد، تشمل والدتي وأخوتي وجدّايَ. بعد تخرجي دخلت في مرحلة جديدة من حياتي، ففي عام 1975، كان عليّ السفر خارج لبنان بسبب الحرب المشتعلة حينها، وكنت كبقية المقيمين في لبنان ممّن سعوا لمستقبل أفضل في منطقة الخليج العربي. وبفضل حسّ المغامرة وروح المبادرة، كان النجاح حليفي. ومن هنا كانت البداية التي يعود إليها الفضل فيما أنا عليه الآن، ولكن ذلك لا ينفي وجود الكثير من المصاعب الكبيرة التي تغلبت عليها. ومن المهم أيضاً أن أذكر الدور العظيم الذي لعبته زوجتي العزيزة مي في تقديم الحب والدعم والتفهم ولأبنائي أيضاً دور كبير في ذلك.
نجحت
شركتكم المتخصصة في صناعة الأنابيب بالتواجد في خمسين دولة حول العالم.. ما هي
العوامل التي ساعدتكم في تحقيق هذا النجاح الكبير؟
النجاح في مجال صناعة الأنابيب يرتكز إلى فكرة بسيطة وهي “إنشاء الروابط”، فكما يتزايد عدد سكان العالم باستمرار، تتزايد أيضاً الحاجة للطاقة والمياه حيث تظهر الأسواق المتعطشة للطاقة الجديدة كل يوم، والأسواق الموجودة تعيد تعريف نفسها بشكل دائم وفقاً للتغييرات الجيوسياسية. فالدول المتجاورة تتحول من أعداء إلى أصدقاء أو ربما العكس، ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف الروابط بين الدول في مجال الطاقة بحيث يتم إعادة توجيهها أو إنشاء روابط جديدة. وهنا يأتي دور مجموعة المستقبل لصناعة الأنابيب في ربط هؤلاء الأصدقاء الجدد. تتواجد مجموعتنا اليوم في أربع قارات، حيث يظهر وجودها بقوة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية وآسيا. كما أن شركتنا توظف شبكة واسعة من العمال في مصانعنا حول العالم، تشمل الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر ومصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وهولندا وإسبانيا والهند والمغرب وإندونسيا، فضلاً عن 20 مكتباً في المملكة المتحدة وفرنسا وسنغافورة وباكستان وكوريا، حيث يعمل في هذه المكاتب حوالي 3300 شخص. إن مجموعة المستقبل لصناعة الأنابيب هي حجر الزاوية لمجموعة كبيرة من الشركات تسمى مجموعة المستقبل، والتي تتنوع أنشطتها في عدد من القطاعات غير الصناعية.
لماذا
أصريتم على الاستثمار في بيروت في البداية رغم وجود تحديات داخلية عديدة ورغم الفرص
المتواجدة في دول أخرى؟
أعتبر نفسي واحداً من العديد من رجال الأعمال الذين يحبون بلادهم ويكرسون كل مواردهم لخدمة أهلهم في الوطن. في عام 1992، وبعد أن حققت إنجازات واضحة في رحلتي المهنية، قررت العمل في لبنان على الصعيدين الاستثماري والخيري. وفي ذات الوقت أنشأت شركة أمن المستقبل، وهي توفر خدمات الحماية الإلكترونية والبشرية، كما أنها توفر 1000 وظيفة مخصصة للمواطنين اللبنانيين. وفي عام 1993، أنشأت شركة المستقبل لصناعة الأنابيب في عكار، تلك المنطقة المحرومة للغاية من الخدمات في لبنان، إذ كنا نصنع أحدث الأنابيب المركبة والمستخدمة في كافة التطبيقات الحديثة، إلا أنه لسوء الحظ ولأسباب سياسية، لم تحصل الشركة على عقود كافية داخل لبنان. فبعد أن تحملت تكاليف الشركة على نفقتي الخاصة لسنوات عديدة، اضطررت إلى إغلاقها. وأنشأت أيضاً مؤسسة مخزومي، وحزب الحوار الوطني ومنتدى الحوار الوطني، وجمعية بيروتيات، وأصبحت عضواً في مجلس النواب، كل ذلك من أجل تحقيق هدف واحد هو “التغيير”. أنا مؤمن بلبنان وبالشباب وحلمي أن أرى الأطفال الصغار يكبرون في بيروت مدينة آبائنا وأجدادنا.
ما
الدافع للدخول في المعترك السياسي اللبناني المليء بالصراعات والانقسامات؟
لقد حان وقت التغيير ووضع الأساس للشباب حتى يحظوا ببلد آمن يضمن لهم مستقبل مشرق ومثمر. كما أن هذا التغيير سيجذب الاستثمارات، إذ أن بإمكانه تغيير نظرة الدول الأجنبية لنا لأنه سيعيد لبنان نموذجاً للتعايش وصورة للتنوع. أؤمن أننا يجب أن نتخلص من النظام الطائفي حتى نبني دولة حديثة، في ظل الترهل في مؤسسات الدولة بسبب المحاصصات الطائفية. أنا كمسلم، سأحرص أن يكون لديّ رئيس مسيحي لأن هذا ما يميز لبنان، لكنني لا أؤيد انتخابي على أساس طائفتي، وذلك لأنني أدرك أننا بحاجة ماسة لأن نتخلى عن النظام الطائفي.
أنشأتم
حزب الحوار الوطني ونجحتم في دخول البرلمان في انتخابات هذا العام.. ماذا حققتم
وما هي أقصى آمالكم؟
عندما أسست حزب الحوار الوطني، كان في ذهني هدف واحد وهو التعامل مع الأمور الهامة الحالية التي تؤثر على المواطنين حتى نحد من التهميش الذي يتعرض له أبناء لبنان على صعيدَي الاقتصاد والسياسة. بصفتي عضو في البرلمان، سأسعى للالتزام بالبنود العشرة في العقد الذي أبرمته مع أهلي في بيروت. كما سأعمل على تحقيق البرنامج الانتخابي للائحة “لبنان حرازان”. نحن نشن حرباً ضد الفساد، أعلم أنها لن تكون سهلة، لكنني جاهز للمعركة.
بيروتي
التربية ولبناني الأصل.. كيف تعمق داخلكم هذا النوع الفريد من الحب والانتماء
لوطنك؟
بيروت تتمتع بمكان فريد في قلبي. فيها نشأت وترعرعت وتعلمت، والدي وكل من أحبهم ولدوا على هذه الأرض. وكذلك الأجداد استشهدوا لأجلها وعمي فؤاد مخزومي الذي أحمل اسمه هو من ضمن هؤلاء الشهداء. أعلم أن بيروت تحتاج جهوداً لا خطابات وشعارات، فالمواطنون في بيروت يستحقون بذل الجهد من أجل تغيير الواقع القاسي الذي يعيشونه. أهل بيروت يستحقون حياة كريمة وفرص عمل واستثمارات وغيرها. لذلك، أتعهد العمل على استعادة تراث بيروت كأرض تاريخية ومنبع للثقافة والمعرفة، فهي مدينة التجارة والتواصل والتنوع والحوار. أعلم أن الرحلة شاقة وطويلة، لكن استعادة بيروت لدورها الريادي هو ما نطمح إليه. في الوقت عينه، لا أدعي بأنني أستطيع إصلاح كل شيء، لكن بدون شك أستطيع المساهمة في استعادة بيروت لدورها الريادي.
تلعب
دوراً ناشطاً في المجتمع المدني اللبناني.. كيف ساعدتك شخصيتك المنفتحة على الجميع
في تحقيق هذه المساحة من الحوار البنّاء؟ وكيف ينعكس هذا الدور على أعمالك ودورك السياسي
الجديد؟
أجل، أعتبر نفسي ناشطاً ومنفتحاً، إذ أحرص على زيارة مختلف الأحزاب السياسية لأنني أقف على مسافة واحدة من الجميع. فالخبرة التي اكتسبتها خلال عشرين عاماً في مؤسسة مخزومي ساعدت كثيراً على تعزيز علاقاتي مع أهلي في بيروت واللبنانيين بشكل عام وذلك من خلال ما نقدمه من خدمات تنموية واجتماعية. أشير أيضاً هنا أن بيت البحر مفتوح للمواطنين للوقوف على آرائهم والاستماع إلى هواجسهم.
أنشأت
مع زوجتك مؤسسة مخزومي للأعمال الخيرية.. لماذا تحرصون على القيام بهذا الدور وكيف
يدور العمل داخل المؤسسة؟
أنشأت مؤسسة مخزومي التي ترأسها وتديرها زوجتي العزيزة مي في العام 1997 بهدف تمكين ومساعدة الشباب اللبناني في بناء حياة كريمة بعد ظروف الحرب القاسية. وذلك من خلال توفير التدريب المهني والرعاية الصحية والقروض الصغيرة والمشاريع التنموية. وبفضل قيادةمي وإخلاصها للعمل الخيري، نجحت المؤسسة منذ إنشائها ومن خلال برامجها المتنوعة في تقديم 2.5 مليون خدمة في إطار السعي لخدمة الشعب اللبناني ومساعدتهم في اكتساب مهارات جديدة. وقد توصلت المؤسسة إلى اتفاق مع المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة، لتصبح وحدة الإغاثة فيها شريكة للمفوضية في الاستجابة لمتطلبات الفئات الأكثر حاجة في لبنان. وذلك بالشراكة مع اليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونسكو، والاتحاد الأوروبي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وتسعى المؤسسة لتطوير المجتمع اللبناني على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، كما تعمل على تعزيز الموارد البشرية لمواجهة التحديات المستقبلية. هي تهدف أيضاً إلى نشر الشعور بالمسؤولية وحب المعرفة والاعتماد على الذات.
على
صعيد الأعمال.. ما هي الاتفاقيات التي تستعدون لإبرامها في ضوء خططكم للتوسع
بأوروبا؟
نحن نبحث في مسألة التوسع في أوروبا وأميركا اللاتينية، وما نعمل عليه الآن هو دراسة مع المسؤولين الماليين لمعرفة أنسب الأماكن للاستثمار.
كيف
تحب أن يذكرك الناس وما الذي سيخلد مسيرتك المليئة بالعطاءات؟
الرجل الذي سعى نحو التغيير. فالتغيير هو هدفي الأول في كل ما أقوم به لأنني أؤمن بضرورة أن تنعم الأجيال المقبلة بالحب والسلام. سأظل أعمل مع زوجتي مي على دعم حرية الأديان والتسامح حتى نوفر مستقبلاً أفضل لأولادنا وأحفادنا في لبنان والعالم أجمع.
كيف
تقيّم الأزمات التي يمر بها الشرق الأوسط، وما هي أسباب الفوضى في المنطقة
العربية، وما هو السبيل للخروج من هذا المأزق؟
خريطة المنطقة العربية السياسية تغيرت بشكل جذري بعد أحداث 2011، فبعد عقود طويلة من السياسات العقيمة والسلطوية المتجذرة، خاضت تونس ومصر واليمن وسوريا تجربة قاسية بهدف إنشاء مجتمعات تقوم على القانون ومساءلة الحكومات. وقد كان لهذه الأحداث تأثيرات عالمية وتبعها تغيير في ميزان العلاقات بالشرق الأوسط. أعتقد أن المنطقة بحاجة إلى المزيد من القطاعات الخاصة الديناميكية لتوليد الوظائف. لقد ظهر الكثير من المشاكل بسبب الفساد والمحسوبية التي رافقت عملية تحرير الاقتصاد بما يتنافى مع مبدأ الانفتاح الاقتصادي. إن مفتاح الاهتمام الجيو-اقتصادي هو دعم نوعية أفضل للحوكمة الاقتصادية بأدوار متوازنة لكل من الدولة والسوق حتى يتم تجنب الديناميكيات التي شوهت القطاعين لمدة طويلة. الاتحاد الأوروبي يجب أن يأخذ زمام المبادرة لدفع المنطقة إلى إدارة قطاعات أخرى غير قطاع الطاقة الذي ساهم في إحداث اختلالات اقتصادية وسياسية لمدة طويلة.
هل
تلتزم جميع الأحزاب اللبنانية سياسة النأي بالنفس؟
لسوء الحظ، معظم السياسيين في لبنان منهمكون في النزاعات الإقليمية لاسيما في سوريا. وأنا أدعم وبشدة تحييد لبنان عن الأزمة السورية. ومع ذلك، فلبنان يجب أن يكون شريكاً أساسياً في إعادة إعمار سوريا.
كيف
تنظر إلى مستقبل لندن كمركز تجاري بعد البريكزيت؟
أقمت في المملكة المتحدة لمدة طويلة، ورزقت بابنتي هناك. كما أن ابني رامي، الذي وافته المنية في 2011 عاش والتحق بالجامعة في لندن. أعتبر ان لدي واجب تجاه بريطانيا وأتمنى أن تتخطى البريكزيت دون أية أضرار. فبرأيي لا يوجددولة في أوروبا يمكنها أن تلعب دور بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
مجلة “أرابيسك لندن” تحظى بحوار فريد معك ونود أن تخبرنا كجمهور عربي في بريطانيا من خلال تجربتكم كيف يمكن تحقيق معادلة الحفاظ على الهوية العربية والانتماء للوطن مع الانفتاح على الشعوب والثقافات الأخرى؟
يمكننا تحقيق هذه المعادلة من خلال تطبيق مبدأ المساواة بعيداً عن التحامل والأحكام المسبقة، وعندما يدعم بعضنا بعضاً من أجل حياة كريمة لنا جميعاً.