لولوة الحمود فنانة تشكيلية سعودية نسقت العديد من المعارض في عدة دول حول العالم، وبيعت أعمالها من قبل دار سوذبيز للمزادات ودار بونهامز للمزادات في لندن، واقتنت أعمالها متاحف مثل متحف جيجو في كوريا ومتحف القارات الخمس في ميونخ بألمانيا ومتحف LACMA في لوس أنجلوس.
تعد الحمود أول امرأة سعودية تحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت مارتن المركزية للفنون في تخصص الفن الإسلامي.
مجلة أرابيسك لندن التقت لولوة وأجرت معها هذا الحوار
درستِ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود في الرياض.. كيف كانت نقطة التحول إلى مجال الفن والتصميم؟
لم أندم يوماً على دراسة علم الاجتماع بالرغم من أن مجال الدراسة لم يكن اختياري، فقد أعطاني عمقاً ورغبة في البحث عموماً، ولكن ظلت رغبتي في المجال الإبداعي تلاحقني وقررت دراسة البكالوريوس مرة أخرى في مجال الفن والتصميم.
وجودي في لندن أعطاني الحرية لدراسة ما أتمناه والإبداع فيه، والفنان قد يتجه لمجالات أخرى بسبب ظروف معينة لكنه لن يكون سعيداً إلا إذا كان صادقاً مع نفسه. أحسست أن هناك شيئاً ما ينقصني وأردت أن أكون متمكنة فيه عن طريق الدراسة وليس الموهبة فقط.
كيف تصفين تجربتك كأول امرأة سعودية تحصل على الماجستير من جامعة سانت مارتن المركزية للفنون؟
عندما تخرجت من الكلية الأمريكية بمرتبة الشرف، اقترحوا علي أن أكمل دراستي في إحدى أهم جامعتين في بريطانيا، وعند بحثي عن الجامعات وجدت أنهم أهم جامعتين في العالم وقدمت فيهما وقُبلت في سانت مارتينز المركزية، ولم تكن رغبتي في الحصول على الماجستير بقدر ما رغبت في البحث عن ما يخص هويتي وثقافتي وخصوصاً الفنون الإسلامية وعلى رأسها الخط العربي.
في ذلك الوقت كانت الجامعة صعبة القبول جداً ولم يكن في مجموعة الطلبة معي أي عربي أو عربية وكانوا يقولون لي إنهم يرون امرأة سعودية لأول مرة في حياتهم.
كان التحدي كبيراً لكوني أم لطفلين في المرحلة الإبتدائية وطلبت أن أدرس بالنظام الجزئي ولم يوافقوا لعدم توفر أساتذة النظام الجزئي واضطررت أن أخوض التحدي في عام ونصف لتقديم البحث النظري والمشروع الفني معاً.
كانت تجربة رائعة ولكن بلا نوم أو راحة، أعطتني هذه التجربة عمقاً في ما أنتجه من أعمال ولم يكن موضوع بحثي سهلاَ بسبب قلة المراجع.
ما هي الفلسفة التي تعمدين إلى إظهارها في أعمالك؟
أعمالي تعبر عما أؤمن به وعن صلتي بالواحد الأحد، تعبر عن موقعي في هذا الكون وعن صلة الكون ببعضه، وبالرغم من أن لكل منا خبرات قد تكون سعيدة أو حزينة في هذه الحياة قد تكون مادة للتعبير الفني إلا أني آثرت أن أعبر عن ما هو أسمى وهو إيماني بخالق الكون وتتبع عظمته من خلال الخلق وما يحتويه من إعجاز.
هناك الكثير للتفكر به قد نلهى عنه بسبب انشغالنا في الحياة اليومية وأعمالي هي دعوة للتوقف والتأمل.
يظهر من خلال أعمالك اهتمامك باللغة العربية، ما هي الأشياء التي لفتتك بها وكيف تعملين على تطويرها والتعبير عنها في أعمالك؟
اللغة العربية ثروة لا نهاية لها وبحر لا ينضب ومن معانيها يستوحي الفنان لغة صورية تتبلور في العمل الفني، فن الخط العربي مثلاً ترجمة لجمال اللغة بشكل مباشر ولكن الخطاط يصبح فناناً عندما يغير في الهيكل الهندسي للحروف والكلمات ليصنع منها لوحة فنية.
الفنان لا يقف عند حد معين يستمر في البحث والتجربة للوصول لما هو جديد، من خلال بحثي في تطور الكتابة العربية عبر الزمان والمكان، ألهمني ذلك بتطوير لغة خاصة بي تجمع بين الأشكال الهندسية والكتابة مستفيدة من علوم أخرى كعلم الرياضيات مثلاً.
كيف تساهم هوية الإنسان وبيئته في التعبير عن نفسه من خلال الفن؟
الفن الصادق هو الذي يعبر عن واقع الفنان وإلا اصبح مستعاراً وسطحياً، قد يكون البعد عن الوطن وثقافته سبباً في الحنين والرغبة في فهمها أكثر، كانت هناك فترة أهملنا فيها ثقافتنا ولم نفهمها أو نتعمق بها، وقد يكون هذا ما دعاني لمحاولة فهم ذلك الإرث القريب البعيد.
أهمل العالم العربي الإسلامي الحديث الإرث الثقافي والعلمي العظيم الذي تركه المسلمون واعتمد على استيراد العلم بمعظمه من الخارج مما تسبب بإشكاليات في مسألة الهوية، ليس دور الفنان هو أن يتراجع ويعيش في إطار الماضي بل أن يستوحي منه ويقدم الجديد كي لا تتوقف عجلة التطور وهذا ما يجب على الإنسان عمله بشكل عام والفنان بشكل خاص.
كيف يمكن تشجيع المجتمع على الاهتمام بفنون الخط العربي بالتوازي مع الاهتمام بالفنون الأخرى؟
بعدة طرق وأهمها استخدام كل ما هو حديث لتعزيز مكانة هذا الفن، هناك حسابات على انستغرام مثلًا متخصصة بنقل كل ما يتعلق بالمهارة والإبداع بفن الخط، يجب أن يصل هذا الفن للناس وأن لا ننتظر أن يبحث عنه الناس.
لابد ـن يكون هذا الفن ضرورة لأي مجال للفن أو التصميم فهو يجمع بين التناسق والجمال والهندسة. ليس الهدف أن يكون الجميع خطاطين بل أن يكون هذا الفن مدعاة لإنتاج التناسق والجمال في أي من المجالات الفنية الإبداعية الأخرى.
كفنانة عربية تمثلين الفن العربي في المحافل الدولية.. ما هي الرسائل التي تعملين على إيصالها؟
رسالتي هي فني، وفني يحمل معاني سامية كثيرة منها الدعوة للتأمل بأنفسنا وبما حولنا.
في المحافل الدولية أنا فخورة بأني امرأة مسلمة عربية سعودية واثقة بالمحتوى الذي تقدمه وفخورة ببلدها وقيمها وثقافتها، الفنان سفير غير رسمي لثقافته وبلاده ولا مكان للأنا والأنانية عندما تُعرف كفنان أو فنانة من بلد وثقافة ما.
ما هي الأشياء التي ترغبين بأن توفرها المملكة العربية السعودية للفنانين في الوقت الحالي؟
نحن بلا شك في الاتجاه الصحيح ونحو جميع ما نتمناه كفنانين سعوديين، أتمنى أن يبقى الفن رسالة سامية مدعوم بمؤسسات حكومية.
ما نحتاجه هو بناء البنية التحتية للفن والثقافة فنحن من الدول النادرة وقد تكون الوحيدة التي تتميز بإنتاج فني ثري بدون قاعدة مؤسساتية كما هو متعارف عليه.
نحتاج إلى الاستثمار في الطاقة البشرية بكل ما يتعلق بالفن والثقافة بما فيها الدراسات النقدية وتاريخ الفن والأرشفة والإدارة وغير ذلك فهذا بدوره دعم للفن والفنانين.
ما هي الصعوبات التي تواجه المرأة بشكل عام والسعودية بشكل خاص خلال تواجدها في محافل دولية؟
التحدي الأساسي هو الإعلام الغربي وما يروجه من فكر خاطئ عن المرأة، فمهما تصل المرأة السعودية لنجاحات، يظل السؤال السلبي عن المرأة ويتناسون كل الإيجابيات ويسلطون على السلبيات.
ما هي اللحظة الأكثر جمالاً من وجهة نظرك خلال عملك على لوحة ما؟
عندما أصل للرضى النفسي بنهاية العمل وأتوقف وأتأملها وعندها يتحول التعب إلى سعادة. أحياناً كثيرة أجري تغييراً في اللوحة لم يكن بالبال أثناء العمل وعندها أشعر بسعادة لوصولي لتلك الفكرة. أنا لا أتقيد بالخطة لإنتاج العمل وكثيراً ما أقوم بتغييرات جذرية وأسعد كثيراً بذلك التغيير.
إلامَ تسعين خلال الفترة المقبلة؟ ما هي الأحلام التي تنتظرين تحقيقها؟
أسعى لكل ما هو جديد ومبهر بالنسبة لي كفنانة وأستمر بأن أترك إرثاً يستفيد منه من يأتي من بعدي ويعرف الثقافات الأخرى برقي ثقافتنا.
أصبح لي مؤسسة فنية فردية أتمنى أن تحقق أهدافها بدعم الفنانين الحقيقيين المبدعين وإعطائهم فرصة لمشاركة العالم بما لديهم ونشر فنهم.
ما هي رسالتك للنساء بشكل عام والفنانات منهنّ بشكل خاص؟
المرأة والأم هي رمز التضحية للأفضل وبرأيي هذا يتطلب قوة وأنا مؤمنة بقوة المرأة وإصرارها للوصول لما تريده مهما كانت التحديات.
المرأة ليست ضعيفة بل كائن قوي بتحملها وقدرتها على الوصول لأهدافها، رسالتي للنساء هي أن القوة لا تعني أن نتخلى عن أنوثتنا وجمال صفاتنا كنساء عربيا، أقول للفنانات بأنكم ثروة مجتمعاتكم، استثمروا بأنفسكم وبفنكم ولا تيأسوا أو تحبطوا فالقادم أجمل.