تحدث السياسي الكويتي، والأمين العام الأسبق لدول مجلس التعاون الخليجي، عبد الله بشارة، عن الدبلوماسية النفطية الخليجية، وواقعها ومستقبلها، وذلك على هامش حضوره ندوة الشؤون النفطية في العاصمة البريطانية لندن.
وقال بشارة: “حضرت الندوة التي نظمتها سفارة الكويت في لندن مستفيدة من حضور الشيخ نواف سعود الصباح، من أبرز المتابعين للشؤون النفطية، والذي يتابع منذ مدة ملف النفط الكويتي، والمتواجد في لندن، فدبر سفير الكويت في لندن السفير بدر العوضي ترتيبات للقاء يشرح فيه الزائر الكويتي مرئيات الكويت حول الصخب المثار من الدول الغربية فيه اتهام بفقدان الحساسية الاستراتيجية من قبل دول الخليج النفطية، التي لم تتكيف مع الأجواء المتأثرة عالمياً، والتي أتى بها مسعى روسيا لاغتيال سيادة دولة أوكرانيا مع ضم %20 من أراضيها وإلحاقها بأراضي روسيا.
وتابع: “كانت الندوة مناسبة للتوضيح والإحاطة، مع تحليل بسيط للدبلوماسية النفطية الخليجية، لاسيما أن المشارك معه في المناقشات هو اللورد هاول، وزير الطاقة في وزارة السيدة مارغريت تاتشر، الذي اختلف مع أسلوبها في إدارة الحكم، فاستقال مركزاً على تواجده في مجلس اللوردات”.
وأردف: “المهم أن الزائر الكويتي الشيخ نواف الصباح قدم عرضاً لموقف الكويت، فيه الالتزام بالمبادئ التي تتجسد في الاستراتيجية الخليجية النفطية وأبرزها التعاون مع دول العالم نحو المزيد من الاستثمارات من أجل تأمين مصادر متجددة لتوفير الطاقة للعالم، وأن هذا الالتزام يظل فعالاً ومؤثراً إذا توافر التعاون بين المنتجين الحاليين والمستهلكين الكبار، لاسيما الدول الغربية، وأن الملاحظ أن شركات النفط الكبرى تراجعت في مسار البحث عن بدائل الطاقة اعتماداً على احتمالات زيادة الانتاج من المصادر الخليجية.
وفوق ذلك، فإن الدول المصدرة للطاقة لا تستطيع تجاهل الارتفاعات في الأسعار العالمية في مختلف الصناعات وفي الجديد في مجال التكنولوجيا، فلا مفر من التوازن بين أسعار الطاقة وتكلفة الاستيرادات التي تحصل عليها الدول الغربية”.
تحدث الشيخ نواف الصباح بلغة إنكليزية واضحة عن المسعى الخليجي للبحث المشترك عن منابع جديدة للطاقة تأتي من التعاون في مجالات التكنولوجيا الجديدة بين الطرفين.
وقال السياسي الكويتي: “كان لدى البعض من المتابعين لملف النفط في لندن والدول الغربية الشعور بأن دول الخليج لم تتفاعل مع المستلزمات السياسية للتطورات التي أتت من عدوان روسيا على استقلال أوكرانيا، والذي خلق وحدة موقف عالمي ضد الغزو الروسي، وضد استمراره في ضرب المنشآت المدنية، لاسيما أن روسيا دولة كبرى خصها ميثاق الأمم المتحدة بدور بارز في تأكيد السلم العالمي. والحقيقة أن هذا الشعور يتكاثر مع تطورات الموقف حول أوكرانيا، ومع زيادة ضغط الالتزام على الدول الأوروبية خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا”.
وأضاف: “من الملاحظ أيضاً أن الدول الأوروبية تركز على دول مجلس التعاون المصدرة للطاقة، وتدرك أن مجموعة أوبك تختلف في حجم التزامها بقرارات المنظمة، فهناك دول تريد زيادة الأسعار وتعترض على المزيد من الانتاج، ونرى في ظروف اليوم، فرصة للاستفادة من زيادة الأسعار، وهذه حقيقة ليست من بنات اليوم وإنما هي واقع معروف في التباين في مواقف الدول المصدرة. ومهما كان الدور الذي تلعبه دول النفط الأخرى، فإن العالم، لاسيما الدول الغربية المستهلكة للطاقة، تدرك أن الدور الحيوي في الملف النفطي يظل في أياد خليجية، بسبب قدرتها على الزيادة في الانتاج، وفي المزيد من الاكتشافات مع تطورات التكنولوجيا”.
وكتب السياسي في صحيفة القبس: “في عام 1974 وعلى إثر حرب أكتوبر 1973، دعا الرئيس الجزائري الهواري بومدين، إلى دور اقتصادي عالمي لبحث الوضع الاقتصادي العالمي، مع مساعي دعم اقتصاد الدول النامية لتقريب الفجوة الاقتصادية بين الدول المتقدمة والدول النامية”.
“كانت مناسبة عالمية للدول النامية للتعبير عن الظلم الذي تعيشه آنذاك لعجزها عن تأمين أسواق لتصدير انتاجها بأسعار عادلة، وانعدام الاستثمار الغربي في المشاركة في بناء البنية التحتية لهذه الدول وغياب التكنولوجيا الحديثة عن واقعها، وكنت وقتها مندوب الكويت في الأمم المتحدة، وتابعت الحوارات ممثلاً للكويت في اللجنة المختصة بالطاقة. كانت دول الخليج هي الصوت المعبر عن قلق الدول النامية من احتمالات المستقبل، وبعد جولات من المفاوضات بين دول الخليج والمجموعة الأوروبية سواء داخل مبنى الأمم المتحدة أو في العواصم، برزت خطوط عامة للاتفاق على منهج يتميز بالجدية وبالمسؤولية وبأسلوب واقعي يراعي حقوق المستهلكين وحقوق المنتجين. كانت المملكة العربية السعودية في صدارة الداعين له، في إدراك لدور الطاقة في الاستراتيجية العالمية وبما يلزم جميع الأطراف بمراعاة تبادلية الحقوق وتبادلية الالتزامات”، بحسب تعبيره.
وأضاف: “أعتقد أن تلك الخطوط العامة، والتي برزت من خلال الاتصالات سواء في الأمم المتحدة أو خارجها بين كبار المنتجين وكبار المستهلكين قد وضعت قاعدة التعاون والتفاهم بين الطرفين، وحافظت على خطوط هذه المعادلة منذ السبعينيات من القرن الماضي حتى فبراير عام 2022، مع هجوم روسيا على أوكرانيا، واستمرار التدخل العسكري وما فجره من تبدلات في العلاقات بين الدول، وما أفرزه من تباينات في ضرورات التعويض عن النفط الروسي الذي ضعف دوره مع استمرار الحرب. كان الرد الخليجي على الصيحات المطالبة بزيادة الانتاج أن الحجم المتوافر من الطاقة حالياً يفي بالمطلوب، وأن المستقبل يؤشر إلى زيادة في الانتاج من دول أوبك، التي لن تلتزم السقف الذي تم الاتفاق عليه. ومهما ستكون ظروف المستقبل، فستظل دول الخليج على تواصل مع كبار الدول المستهلكة لتأمين الطاقة وفق قاعدة المصالح التجارية والمنافع الاستراتيجية للطرفين”.