رحلة البحث عن الشغف لا تنتهي، بدءاً من عالم الصحافة المضطرب إلى ميدان الكتابة الإبداعية، وليس انتهاءً بعدسة السينما. رحلة مفعمة بالتجارب المثيرة أشعلتها شرارة شغف قادته ليخوض غمار الفن كمخرج وكاتب سيناريو!
أرابيسك لندن تشرفت باستضافة المخرج أنمار السيد في حوار حصري ليحدثنا عن رحلته الغنية من الصحافة للسينما.
حاورته: فاطمة عمراني
بدايةَ، بمفرداتك الخاصة من هو أنمار السيد؟
أنمار السيد هو ببساطة “باحث عن الشغف”، في مشوار البحث عن الذات كل يوم تكتشف شيئاً في نفسك قد يدفعك للأمام، وفي النهاية أنت من يقرر مسار الاتجاه وشكله.
أنمار السيد هو كيان بحث مطولاَ عن شغفه، حاول كل يوم أن يكتشف نفسه، وفي البداية عثر على غريب لا يشبهه في عالم الصحافة المضطرب، نظر نحوه باستغراب ثم دقق في تفاصيل وجهه.. تراجع عدة خطوات للوراء ثم استدار نحو عدسة الكاميرا تاركاً أسئلة معلقة بلا أجوبة في مستقبل مبهم.
درست الصحافة والإعلام ثم مارست العمل الإعلامي، حدثنا عن هذه المرحلة؟
درست الإعلام ومارست العمل الإعلامي لأكثر من 14 عاماً، تدرجت في العديد من المسميات الوظيفية في العديد من الوسائل الإعلامية، لكنني مع كل خطوة كنت أخطوها كان يتعاظم يقيني بأن الصحافة لا يمكن أن تروي شغفي.
يحيط بالعمل الإعلامي الكثير من القيود المتشعبة بين السياسات التحريرية للوسيلة التي يعمل بها الصحفي، إلى قوانين الرقابة، وليس انتهاءً بطبيعة العمل الإعلامي التي تقتضي بالضرورة نقل الواقع بأمانة. لذلك يمكنني أن أقول أن عملي في الإعلام كان تجربة غنية بالنسبة لي وضعتني على بداية مسيرة مهنية حافلة، وساهم بصياغة تجاربي وتشكيل خبراتي، لكنني لم أجد في الصحافة الشغف الذي أبحث عنه.
ما هو المنعطف الذي نقلك إلى عالم السينما؟
ببساطة كانت “كاميرا”!
طالعتني بها واجهة أحد المتاجر المتخصصة بمبيع معدات التصوير، وتأملتها كثيراً خلال محاكمة عقلية سريعة دفعتني لاقتنائها، فيما فكرت: ما الذي يمنع الصحفي من تعلم فنون التصوير الفوتوغرافي؟ ووجدت هذه الكاميرا وسيلة إضافية لصقل مهاراتي في المجال الإعلامي.
لم ألبث أن وقعت بحب عدسة الكاميرا، وتتالت المرات التي ضغطت فيها زر التصوير لأوثق لحظة ما، وفي مرحلة لاحقة لم أعد أكتف بتوثيق صورة، كنت أمام حاجة ملحة لتوثيق مشهد، لذلك تعمقت في دراسة التصوير، وفي الحقيقة كان الملجأ الحقيقي لي لأحقق شغفي.
لديك تجارب في مجال الكتابة، حدثنا عنها؟
الكتابة عملية معقدة وخطرة، وكأنك حين تمسك القلم تدخل معملاً كيميائياً حساساً، كلمة واحدة ليست في مكانها ستنفجر بك وتحولك إلى شظايا وغبار، فتتلاشى كأنك لم تكن! ببساطة أرى أن الكتابة قد تأخذك للقبر ليعيش غيرك، وقد تأخذك للحياة لتعيش برفقتها!
تجاربي في الكتابة الإبداعية اقتصرت على خواطر ونصوص شخصية لم أنشرها، فمشاركة الأفكار مع الآخرين مسؤولية عظيمة وكما أقول دائماً معرفتك الكتابة لا تعني أبداً أن خطك جميل، وحتى إن امتلكت خطاً جميلاً فلا يعني ذلك قدرتك على التعبير، وإن امتلكت التعبير فلا يعني أبداً أن تكون ذكياً ولماحاً، وإن كنت ذكياً ولماحاً لا يعني أنك ستنجو من كل ما سبق لأن خطؤك سيكون بألف وحينها ستتمنى لو أنك لم تعرف الكتابة!
أنت مقبل على إخراج مسلسلك التلفزيوني الأول، حدثنا عنه؟
في الواقع أصبحنا على بضع خطوات من تصوير مسلسل black coffee الذي تدور قصته في 10 حلقات، وهو قصة مثيرة عن التمرد والخلاص بعد نهاية العالم حيث تكافح مجموعة من الناجين لكشف الحقيقة واستعادة مستقبلهم من جماعة استبدادية سرية في عالم تغير إلى الأبد بسبب كارثة. ويركز المسلسل اهتمامه على تطور الشخصيات واستكشافه لمواضيع القوة والطموح والحب والشك والخيانة لديها في مواجهة الشدائد. بشكل عام، فإن الجمع بين الرهانات العالية في تقديم القصة البصرية والتشويق والحبكة والصراع والحركة يجعل من Black Coffee من الأشياء التي تثير إعجاب المشاهدين من محبي الدراما ومسلسلات الحركة والخيال العلمي. يدير العمل بصفة المنتج المنفذ شركة ملك ميديا برودكشين التي يديرها الأستاذ ثائر عبد العزيز الحاجي ويسعدني أن أوجه له من خلال منصتكم كل التحية والمحبة والتقدير. وفيما يتعلق بالسيناريو والحوار فقد شكلنا أنا والكاتبة الروائية السورية ليلى سرور ورشة كتابة وهي كاتبة تتميز بحسها الإبداعي الكبير وسبق لنا التعاون مع بعضنا في عمل فني مشترك، إن طموحنا يركز على تقديم قصة ترقى إلى تقدير الجمهور وأحترام ذوقه وعقله.
ما صعوبات الخوض في مجال صناعة السينما في الوطن العربي؟
لا شك أن السينما العربية تعرضت إلى متاعب وصعوبات، ما زالت أثارها قائمة حتى اليوم، برغم المحاولات الجادة والجريئة من بلدان عربية مختلفة، إلا أن الإنتاج السينمائي العربي ظل بعيداً عن مفهوم الصناعة بسبب ضعف التمويل لهذا القطاع بالدرجة الأولى، وتحكم المنتج في العمل، وأيضاً استهداف جمهور ذو قاعدة جماهيرية محدودة كتوجيه السينما العربية للمشاهد العربي فقط.
من جهة أخرى أيضاً، يعيش المبدعون في مجال السينما العربية أزمة متعددة الجوانب، رغم ما يتفق النقاد عليه من أنهم يمثلون التيار الأقرب إلى الواقع وإلى هموم المواطن العربي، وتؤكد تجارب معظم هؤلاء المبدعين على قدر ما يواجهونه خلالها من عقبات وجود تيار سينمائي محترم ينتج ما يعرفه البعض بالسينما الجديدة أو المستقلة وهي سينما تقع خارج نطاق ما يعرف بالسينما التجارية المهيمنة على سوق العرض في العالم العربي.
هل تؤمن بدور السينما في تغيير الواقع؟ وهل تفضل تقديم الواقع من خلال الإعلام أم السينما؟
نعم، بالتأكيد أؤمن بدور السينما في تغيير الواقع، وهناك العديد من الإنتاجات السينمائية أحدثت تغييرات كبيرة في المجتمع، لكن بطبيعة الحال لا يشترط للسينما أن تقوم بذلك، ولا يشترط لها أيضاً أن تمثل الواقع ومثال على ذلك أفلام الخيال العلمي البعيدة كل البعد عن الواقع. ربما يكفي أنها تقدم أسقاطاتها التي تحاكي الواقع وتسعى إلى معالجتها .
لكل من الإعلام والسينما أوجه مختلفة، فالإعلام يقدم الواقع بطريقته وأدواته، أما السينما فهي فن مختلف تماماً له أدواته الخاصة أيضاً.
أطلقت منصة “سينمايكي” وهي أول بودكاست سينمائي، حدثنا عنها أكثر؟
بالتعاون مع صديقي سامي أبو لوح المبدع في مجال الساوند ديزاين والتوزيع أطلقنا منصة سينمايكي والتي كانت منصة إبداعية جديدة في عالم المحتوى العربي الصوتي، استهدفنا بالدرجة الأولى أن يعيش الجمهور القصة بكافة تفاصيلها لكن بخياله! في “سينمايكي” لم نستهدف منافسة الصورة إطلاقاً إنما تحديها بخيال الجمهور.
كانت تجربة مميزة أضافت لي على كافة الأصعدة، ومع أني لم أجني أية أرباح مادية إلا أنني كسبت خبرات وتجارب مميزة وساهمت كغيرها من التجارب بشكل كبير في تكوين “أنمار السيد” اليوم.
ما نصيحتك للمخرجين الشباب؟
لست مؤهلاً لإسداء النصائح فأنا في بداية مشواري المهني، ومع ذلك أقول لكل باحث عن الشغف كن نفسك فقط! أقول لكل من امتلك حلماً أن يبحث عن شغفه ويكون ذاته فقط.. لا يستنسخ آراء وأفكار وتجارب الآخرين، أقول لكل باحث عن الشغف كن نفسك وستنجح.. ببساطة كثيرون لديهم أفكار، القليل منهم من يطبقها، والبعض ينجح، والنخبة تستمر، والاستثنائية تتفوق. ومن سار على الدرب وصل.