مدونات
صرخات البريطانيين في وجه التضخم والحكومة: أولوياتنا الأجور والخبز قبل السياسة والحرب
نشر
منذ سنتينفي
1٬224 مشاهدة
By
Fatimaفي ظل التوقعات السلبية الصادرة عن صندوق النقد الدولي بخصوص مستقبل الاقتصاد البريطاني القريب خلال العام الحالي 2023 والتي تنبأ خلالها بتعرضه الراجح للركود عكس باقي اقتصاديات مجموعة الدول السبع الكبرى، كان لا بد لمسؤولي الحكومة البريطانية إدراك خطورة التلاعب بالأولويات القصوى والضرورية للطبقات العاملة وعموم الجماهير في البلاد.
كتب: محسن حسن
وأيضاً كان من المنطقي إرجاء المعارك السياسية الداخلية ومعها معارك الشو الإعلامي الخاصة بترويج الدعم الرسمي البريطاني لأوكرانيا في حربها ضد الروس، خاصة مع تكرار التظاهرات وتعطل مسارات العمل والإنتاج على أكثر من صعيد، ولكن يبدو أن الانشغالات المحتدمة في دوانينج ستريت مقر مجلس العموم البريطاني تغرد خارج السرب، كما أن دوائر صنع القرار لا زالت تحتاج إلى من يصرخ في أذنها بأن أولويات البريطانيين الملحة والراهنة ليست في السياسة الخارجية وموازنات الحروب، بقدر ما هي اقتصاد معيشة وبحث عن تأمين الأقوات وتحسين الأجور، وبالطبع لا يطلب البريطانيون إهمال الجوانب الإنسانية في الأزمة الأوكرانية، لكنهم ينتظرون بالمثل مراعاة جدية من حكومتهم لظروفهم ومعاناتهم المعيشية والإنسانية هم أيضاً.
مؤشرات متراجعة
بالنظر إلى حالة الاقتصاد البريطاني الراهنة، فإن المؤشرات خلال الأشهر الماضية باتت متراجعة وتستمر في تراجعها بشكل مثير للقلق بين الجميع؛ فقد ارتفع حجم التضخم الاقتصادي في البلاد ليصل إلى 11% وهو معدل قياسي لم يحدث منذ أكثر من أربعة عقود، ولم تستطع ثلاث حكومات متتالية خلال أقل من عام، بالتزامن مع تغيير ثلاث رؤساء للخزانة خلال أقل من نصف عام، انتشال هذه المؤشرات المتراجعة من هوتها وانهيارها المستمر، وساهمت القرارات السياسية إلى حد كبير في وضع الاقتصاد الوطني ومعه عموم الطبقات الفقيرة بين فكي كماشة؛ حيث أدى قرار الخروج من الاتحاد الأوربي إلى عرقلة مسارات التجارة البينية مع دول الاتحاد، وإلى خروج المملكة المتحدة من منطقة التجارة الحرة لأوربا، وبالتالي معاناة الأسواق من نقص حاد في السلع والخدمات، في حين أدت سياسات الزعامة البريطانية لدعم أوكرانيا في حربها ضد الروس، إلى تكبيد المالية الإنجليزية أموالاً طائلة من جهتين؛ عسكرية لوجستية، واقتصادية إنسانية؛ ففي عهد جونسون بلغ الإنفاق حوالي 5.8 مليار جنيه استرليني أكثرها مساعدات عسكرية وحاليا تواصل حكومة سوناك نفس النهج بنفقات إنسانية تقدر بــ 220 مليون جنيه استرليني بخلاف قيادتها صندوقاً دولياً مع دول أوربية أخرى بقيمة 520 مليون جنيه استرليني ساهمت وحدها فيه بمبلغ 250 مليون، ومن الواضح أن تلك النفقات ــ المعلن منها والخفي ـــ تتم وفق نوايا طويلة الأجل بالوقوف إلى جوار أوكرانيا مهما كانت الكلفة، وهو ما سيحمّل الاقتصاد البريطاني المزيد من الضغوط المالية التي ستضطر معها الحكومة حتما إلى اللجوء للاقتراض بشكل تاريخي وغير مسبوق، خاصة إذا طال أمد الحرب والتي تبلغ تكلفة الدفاع الشهرية عن أوكرانيا خلالها خمسة مليارات دولار أمريكي أي ما يقارب الأربعة مليارات جنيه استرليني.
أوضاع مزرية
وبإجراء مسح شامل وسريع لمجريات الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بين البريطانيين، سيتبين لنا حجم المعاناة الكبيرة والأوضاع المزرية التي يواجهونها في حياتهم اليومية والأسرية على اختلاف أعمارهم وفئاتهم السنية، وهو ما يمكن رصد بعض ملامحه الدالة من خلال الآتي:
* ببداية الحرب الروسية الأوكرانية واصطفاف الأوربيين ضد روسيا بزعامة بريطانية/أمريكية وفرض عقوبات اقتصادية على بوتين، خسرت السوق البريطانية موارد الطاقة القادمة من روسيا البلد المصدر الأساسي للطاقة في العالم، وبالتالي ارتفعت قيمة فواتير الكهرباء والطاقة ثلاثة أضعاف بين البريطانيين لتصل قيمة الفاتورة الواحدة للأسرة إلى 300 باوند شهرياً محققة نسبة زيادة قدرها 66% تقريبا.
* أدى التضخم الحادث في الاقتصاد إلى تراجع دخل العائلات والأسر بنسبة 8% تقريباً، كما ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 129%، وفي ظل خسارة آلاف الوظائف (حوالي خمسمائة ألف بريطاني فقدوا وظائفهم) ارتفت معدلات البطالة إلى حدود ال 5%، وأصبحت 700 ألف أسرة بريطانية أو يزيد مهددة بالتخلف عن سداد قروضها ومديونياتها العقارية، كما اضطر 25% تقريبا من البريطانيين للاستدانة عبر بطاقاتهم الائتمانية بينما اضطر 25% آخرون إلى بيع بعض ممتلكاتهم للإنفاق على أنفسهم، في حين اضطر الكثير من المتقاعدين عن العمل إلى العودة إلى أعمالهم أو البحث عن أعمال جديدة لمواجهة الأعباء والنفقات، هذا في الوقت الذي فضل فيه أكثر من أربعة ملايين بريطاني التخطيط للهجرة وترك البلاد.
* بسبب ارتباك الوضع المالي البريطاني أصبحت هيئات ومؤسسات كثيرة في البلاد تعاني نقصاً حاداً في النفقات والتمويل، حتى أن المدارس ذاتها باتت تواجه نقصاً في تمويل الوجبات المخصصة للطلاب بسبب موجة الغلاء الفاحش التي تضرب الأسواق والسلع. ووفق تصريحات رسمية يبلغ عدد الصغار الجدد المستحقين للوجبات المدرسية حوالي 300 ألف، في حين تتداول بعض المصادر أرقاماً أعلى بكثير قد تفوق المليون ونصف المليون طفل، وبحسب أحد مسوح السوق البريطانية، فإن معدلات التضخم السلعي وصلت حدوداً قياسية بعد تسارع الأسعار بنسبة زادت على 17% لأكثر من 70 ألف منتج خلال أسابيع معدودة من العام الحالي 2023 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهي الزيادة الأكثر قسوة منذ 2008 بحسب هذا المسح.
* أصبحت الشوارع الإنجليزية تعاني من انتشار أعداد كبيرة من المشردين وممن لا مأوى لهم، بما في ذلك العاصمة البريطانية لندن، والتي تتكبد مجالس بلدياتها ملايين الجنيهات الاسترلينية للإنفاق على إيواء بعضهم، وفي منطقة شرق لندن وحدها ما يقرب من ستة آلاف مشرد تنفق عليهم السلطات المحلية قرابة الستة ملايين جنيه استرليني(7 ملايين دولار تقريبا) لاستضافتهم بشكل مؤقت، وفي ظل تراجع الحالة المعيشية وسوء الأزمة الاقتصادية، فإن الأعداد ستزداد بالنظر لارتفاع قيمة السكن والإيجار وعدم قدرة الكثير من الأسر الفقيرة على دفع تكاليف السكن.
أزمة غذاء
ووفق الأوضاع السابقة فقد بات من الواضح أن المدن البريطانية جمعاء تعاني أزمة غذاء طاحنة لم تحدث منذ أكثر من 40 عاماً، وذلك إلى الحد الذي حذرت فيه الجمعية البريطانية لحماية المستهلك منذ عدة أشهر من احتمالية قيام ملايين الأسر في البلاد بالتغاضي عن تناول بعض الوجبات بسبب غلاء المعيشة، بل إنها أوضحت صراحة بأن نصف الأسر قامت فعلياً بتخفيض عدد الوجبات اليومية، إضافة إلى تعرض العديد من هذه الأسر وبشكل يومي متكرر إلى الاختيار بين الغذاء أو التدفئة، في حين حذر اتحاد المزارعين البريطاني من وجود شح كبير في بعض المأكولات كالبيض مثلاً وهو ما يعد مؤشراً لتزايد النقص في أغذية كثيرة أخرى كالخبز واللحوم ومنتجات الألبان وغيرها.
ومع استمرار قلة المعروض من الأغذية والسلع إلى جانب ما تشهده البلاد من معوقات حادة في الواردات والإنتاج، اضطرت متاجر ومحلات كثيرة إلى تحديد كميات الفاكهة للعملاء وحتى الخضروات انطبق عليها نفس الشيء بسبب اضطرار مزارعي بريطانيا لاستخدام البيوت الزجاجية محدودة الإنتاج في الزراعة وبالتالي قيام أكثرهم بالتوقف عن زراعة الخضر لارتفاع تكلفة الطاقة وتوقف بعض مصادر الاستيراد، ومن جهة أخرى اضطرت متاجر ومحلات كثيرة لغلق أبوابها بفعل قلة المعروض وشح الواردات؛ حيث وصل عدد المتاجر المغلقة إلى قرابة الـــ 20 ألف متجر وهي حركة الإغلاق الأوسع التي تشهدها بريطانيا منذ خمسة أعوام مضت، وهذا مجملاً معناه أن القوة الشرائية للمستهلك البريطاني ستنخفض بقوة وهو ما يهدد بزيادة حالة الركود التضخمي وبتعقيدها أيضاً.
ومع ارتفاع وتيرة الشح في السلع والأغذية بين البريطانيين سجلت بنوك الطعام في البلاد توافد أكثر من 300 ألف من طالبي الطعام إليها وبنسبة زيادة تقارب ال 50% خلال الأشهر القليلة الماضية قياساً بعام 2022 المنصرم، ولأن هذه البنوك هي الأخرى خاضعة لشح الموارد، فقد بدأ الكثير منها يشكو قرب نفاد المخزون من الأطعمة، خاصة مع تراجع عدد المانحين من جهة وقلة ما يمنحونه قياساً بتقديرات سابقة من ناحية أخرى.
مطالبة واستنزاف
وبتحليل جملة الأوضاع والمؤشرات المتراجعة السابقة، سنجد أن وراءها تأثر الكثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد بشكل سلبي إلى جانب تأثر مماثل لدى قطاعات جزئية أخرى متدرجة من حيث الأهمية، الأمر الذي أقحم مجمل قطاعات الإنتاج الحيوية في دائرة الاستنزاف السلبي للموارد، وهو ما يتضح من خلال الآتي؛
* بالنسبة للقطاع الزراعي وقطاع الأسماك نجد أنهما منذ سنوات عديدة يعانيان من تراجع العمالة فيهما والتي انخفضت إلى ما دون 1% بعد أن كانت تزيد على 20% ومن الواضح أن إقبال البريطانيين على العمل في قطاع الخدمات وبنسبة تقارب الـ 85% أدى إلى إهمال القطاعين المشار إليهما وهو ما شجع الحكومات المتعاقبة على استيراد الأغذية بدلاً من التشجيع على إنتاجها. ويكفي هنا أن نشير إلى أن نقص العمالة في القطاع الزراعي يتسبب في إهدار معدلات قياسية من الأطعمة وإعدامها كنفايات.
* بالنسبة للقطاع الصناعي تشير مجمل المؤشرات إلى أنه لا يزال يعاني صعوداً وهبوطاً لكي يصل إلى معدل ثابت من النمو (50 نقطة) ولكنه بصفة عامة وفي ظل ضعف الإنتاج وتراجع الطلبات المتجددة لا يواكب المنشود من ورائه كطموحات تصنيعية وإنتاجية ومساهمة في الناتج المحلي؛ فحجم إسهامه لا يتجاوز 20%، كما أن نموه بطيئ للغاية خلال الأعوام السابقة وذلك بفعل تأثره الذي لا يزال مستمراً بتداعيات كوفيد19 ثم بتداعيات بريكست والحرب الأوكرانية، وحالياً تعاني صناعة السيارات من خسائر ومعوقات كبيرة كما تحتاج الكثير من المنشآت الصناعية إلى الدعم وإلا فإن إغلاقها هو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
* أما بالنسبة لقطاع العقارات البريطاني والذي تقارب قيمته السوقية 300 مليار جنيه استرليني تقريباً وهو من أكثر القطاعات التي تتميز بها بريطانيا في أوروبا، فهو يشهد حالة ارتباك كبيرة هذه الفترة؛ فخلال أشهر معدودة تراجعت أسعار العقارات خلال 2023 بنسبة تفوق ال 2% ويتوقع لها أن تتراجع أكثر لتقترب النسبة من 5% بنهاية العام، وذلك بفعل عوامل كثيرة منها حالة الترقب المخيفة للزيادات في أسعار الفائدة وعدم قدرة البريطانيين على الشراء بفعل سوء الحالة الاقتصادية والمعيشية، الأمر الذي تراجعت معه حركة الاقتراض العقاري بنسبة تفوق الــ 20% خلال العام ذاته، كما تراجع حجم أموالها بمقدار يصل إلى 60 مليار جنيه استرليني بعد هبوطها من 191 مليار تقريباً إلى 131 مليار خلال الفترة من 2021 وحتى 2023، وفي ظل حالة الارتباك هذه يعاني البريطانيون من ارتفاع قيمة إيجارات المنازل، كما تزداد المخاوف من استمرار حالة التراجع في الأسعار لدرجة الوصول إلى معدلات تهدد بانهيار هذا القطاع.
* أدت الإضرابات اليومية للنقابات والهيئات المختلفة في البلاد إلى استنزاف المزيد من الموارد وتعطل الكثير من الأعمال والأنشطة فأكثر من ستة ملايين نقابي بريطاني يخرجون في مظاهرات بشكل متكرر لمطالبة الحكومة بدعم رواتبهم وحل مشكلاتهم المعيشية والاقتصادية وبرفع الأجور بنسبة 10% أو على الأقل 5% لمواجهة معدلات التضخم ومواكبتها، وبرغم مشروعية هذه الحقوق إلا أن تأثيرها سلبي على النشاط الاقتصادي، وقد سبق لإضرابات العام 1984/1985 على يد أكثر من 14 مليون نقابي، أن تسببت في حالة من الشلل المجتمعي التام في بريطانيا، وتعد إضرابات القطاع الصحي من أخطر ما يواجه البريطانيين في الوقت الحالي حيث يترتب عليها وفاة أعداد كبيرة من المرضى، خاصة مع اضطرار الحكومة إسناد بعض مهام طواقم الطواريء والإسعاف لعناصر فاقدة للخبرات من الجيش، وقس على هذا المنوال في قطاع النقل والبريد وقطاعات أخرى.
* ساهمت حالة التزامن المعقدة بين حدوث التضخم وتراجع النمو وزيادة معدلات البطالة في الضغط على الاقتصاد البريطاني وخاصة في القطاعات المالية التي أصبحت مهددة إلى حد كبير بحدوث مشكلات مستقبلية غالباً ما سيساعد على ظهورها التداعيات الناتجة عن ضعف إنتاجية القطاعات الحيوية في البلاد، وفي ظل هذا النهديد سيظل من الراجح استمرار بطء النمو الاقتصادي خلال الام القادم وربما ما بعده أيضاً كما سيكون الأمر مربكا قليلاً فيما يخص معدلات التضخم.
حلول خبيرة
وبما أننا نفتش في الحقيقة عن حلول عاجلة ومناسبة للمشكلات الطارئة والأصيلة أيضاً للاقتصاد البريطاني واقتصاديات الأسر البريطانية على وجه الخصوص؛ فإنه يكون من المناسب هنا استعراض أهم ما حصلنا عليه من حلول خبيرة لهذا الوضع الاقتصادي المتأزم، والتي تلخصت في ضرورة اتخاذ مجموعة الإجراءات التالية:
* التوجه الفوري نحو تدشين جهود صادقة وحثيثة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول العالم لوقف الحرب في أوكرانيا، وعلى الحكومة البريطانية تحديداً إدراك مخاطر استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي على اقتصادها من جهة وعلى أمنها القومي من جهة أخرى(خاصة بعد تعرض احتياطي مخزونها من الذخيرة للنفاد).
* التخلي السياسي لمتشددي حزب المحافظين عن حدة المضي قدماً في إكمال إجراءات الخروج من الاتحاد الأوربي، بالتزامن مع محاولة إيجاد صيغ اقتصادية متوازنة تُبقي على حالة التعاطي الاقتصادي والتجاري والصناعي مع دول الاتحاد أملاً في إمكانية العودة مجدداً لمنطقة التجارة الحرة الأوربية. وتفعيل حركة التبادل التجاري والاقتصادي مع هذه الدول؛ إذ أن ما يزيد على 49% من صادرات بريطانيا كان يتم توجيهها لأوروبا في حين كانت نسبة تقارب الــ 55% من وارداتها تأتي من هناك أيضاً، ولهذا يجب الإبقاء على حجم تعاون اقتصادي وتجاري فاعل بين الجانبين وبالتأكيد ستكون بريطانيا هي المستفيد الأكبر من هذا التعاون.
* فتح الباب أمام الجاليات المهاجرة إلى بريطانيا والمستقرة فيها بالفعل للعمل في القطاع الزراعي وإصدار تشريعات سريعة وجدية ومحفزة تمكنهم من الانخراط الفاعل للعمل في هذا القطاع حتى يمكن مواجهة النقص الحاد في العمالة وتوفير ملايين الأطنان من الفواكه والخضروات والمحاصيل التي يتم إلقاؤها بشكل متكرر في مكبات النفايات وبالتالي المحافظة على أمن بريطانيا الغذائي، وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية تسهيل الإجراءات أمام العمالة المؤقتة من غير البريطانيين؛ فبحسب اتحاد المزارعين في بريطانيا تسببت اشتراطات وزارة الداخلية اصطحاب العمال جوازاتهم وبطاقات عملهم مع طلباتهم للتأشيرة، في ترك العمل ومغادرة البلاد.
* مراجعة السياسات الاقتصادية المتبعة وإصلاح الخلل اللاحق بها وخاصة فيما يتعلق بالاعتماد(فقط) على استيراد السلع والأغذية بدلاً من التركيز على إنتاجها محلياً، خاصة وأن جميع الأسواق العالمية الآن تعاني نقصا حادا في السلع والأغذية، وهذا سيتطلب تعزيز القطاع الزراعي تعزيزاً شاملاً وليس فقط من حيث العمالة، كما سيتطلب تعزيز القطاع الصناعي وإحياء مشروعاته العملاقة جنباً إلى جنب مع إحداث التوازن مع القطاع السياحي وقطاع الخدمات وتحرير المركزية المالية من جغرافيتها الطبقية والمناطقية والعمل على إيجاد حزم من الدعم الدوري والمتكرر للمزارعين وكبار المنتجين فيما يخص احتياجاتهم من الأسمدة والأعلاف والطاقة حتى يتم تشجيعهم على الاستمرار في الإنتاج وتأمين الغذاء.
* اتخاذ قرارات فورية وتبني حملة فاعلة لمواجهة تفشي أنفلوانزا الطيور والتي بلغت معدلات غير مسبوقة في بريطانيا هذه الفترة؛ حيث تسبب انتشارها في إعدام أعداد هائلة من الدجاج كان من الممكن أن تساعد في الحد من أزمات الغذاء المتلاحقة بين البريطانيين وخاصة فيما يتعلق بالشح في اعداد البيض.
* الإسراع في تقديم حزمة مساعدات مالية عاجلة للفئات الاجتماعية الأكثر حاجة وفقراً حيث إنه إذا كانت الطبقة المتوسطة لديها الاستطاعة لتحمل أعباء الحالة الاقتصادية والمعيشية المتأزمة حالياً، فإن الطبقات الفقيرة والتي يصل عددها لأكثر من 20 مليون بريطاني لا يمكنها الصمود دون الاعتماد على معونات نظام الرعاية الاجتماعية؛ لذا يجب دعم هذه المنظومة لتهدئة الشارع وتقليل حجم المعاناة، وبالفعل كانت الحكومة خلال 2022 قد قدمت دعماً اجتماعياً بقيمة 320 جنيهاً استرلينياً لكل فرد، لكن يجب عدم توقف هذه الحزم من الدعم كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
* إشراك رجال الأعمال وكافة أثرياء ومشاهير بريطانيا في خطة عمل داعمة لتمويل المؤسسات والهيئات والمنافذ الأهلية العاملة في احتواء الحاجات الضرورية والأساسية للطبقات الفقيرة في البلاد كبنوك الطعام وغيرها، وهذا الدور إذا أُحسن توظيفه واستخدامه فسوف يساهم في رفع نسبة لا بأس بها من معاناة الأسر الأكثر عوزاً وحاجة للرعاية والدعم، كما أنه سيكون فرصة جيدة للطبقات الغنية أن تتعرف عن قرب على احتياجات الطبقات الأدنى داخل المجتمع البريطاني وربما يفضي هذا إلى ظهور مشروعات أعمال رائدة في وسائل وطرق وخطط الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي مستقبلاً.
بارقة أمل
وحتى لا تكون الصورة قاتمة تماماً، لا بد من الاعتراف بوجود محاولات تحسينية تبذلها الحكومة الحالية بزعامة ريشي سوناك والتي تحاول تثبيت أسعار الطاقة في الأسواق ودعم الأسر الأولى بالرعاية من خلال بعض المخصصات المالية من حين لآخر، إلى جانب العمل على إيجاد صيغ أكثر عدالة فيما يخص برامج الدعم، وما يعد بارقة أمل في هذا الإطار وجود توقعات إيجابية تناقلتها مصادر عديدة عن غرفة التجارة البريطانية، بأن الانكماش الاقتصادي سيحقق معدلات أقل مما كان متوقعاً خلال العام الحالي 2023، وبأن النمو السلبي للاقتصاد لن يستمر طويلاً، وإنما سيشهد النصف الثاني من هذا العام انتعاشاً بنسبة 0.2%، كما أن معدلات التضخم ستتراجع هي الأخرى إلى ما دون الــ 2% بحلول العام القادم 2024 بالتزامن مع تحقق نمو إيجابي عند حدود الــ 0.6%، ومن الجدير بالذكر أن ثمة مؤشرات جديدة صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية تفيد بنمو الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا بنسبة 0.3% على خلفية تراجع الإضرابات.
ومن جهة أخرى، فإن الاتفاق الأخير والأحدث الذي توصلت إليه حكومة ريشي سوناك فيما يخص بروتوكول أيرلندا الشمالية والاتحاد الأوروبي، والمعروف بــ(سياق وندسور) سيذلل الكثير من العقبات التجارية والاقتصادية بما في ذلك أزمة الغذاء القاسية بين البريطانيين، وسيخفف كثيراً من حدة التوتر في علاقات لندن بأوروبا، بل وسيدفع باتجاه تعزيز أواصر الشراكة المتبادلة بين الجانبين رغم بريكست، وقد نلمح في القريب تحسناً ما في استعادة بعض الوظائف التي خسرها البريطانيون جراء هذا الخروج، لكن بصفة عامة، ستكون إيجابيات أو سلبيات الاقتصاد مرهونة بطريقة التعاطي الرسمي للحكومة مع الوضع الاقتصادي العام ومع التداعيات الجديدة للحرب الأوكرانية الروسية، والتي كبدت الاقتصادات العالمية والدولية خلال عامها الأول أكثر من 1.5 تريليون دولار أمريكي، سيضاف إليها تريليون دولار أخرى حال استمرارها لنهاية العام الحالي بحسب تحليلات المعهد الألماني للاقتصاد (IW).