مدونات
العنف ضد المرأة في بريطانيا.. أرقام مرعبة خلف الستار
نشر
منذ سنتينفي
1٬831 مشاهدة
By
Fatimaيشكل السلوك العنيف الموجه من الرجل ضد المرأة، أحد أكثر التهديدات انتشاراً في دول العالم، وهو سلوك، لا يقتصر على الفئات الفقيرة، وإنما يشمل كافة الشرائح بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو المستوى الثقافي أو الحضاري، وهو ما يؤكد تجذره الذكوري فيما بين الجنسين، ولكن هذا لا ينفي وجود سلوك مضاد، مصدره العنف الصادر من المرأة ضد الرجل، غير أن النسبة الأكبر والأكثر انتشاراً فيما قد يتجاوز الــ 90% تصدر عن الرجل ضد المرأة، وبشكل متنوع من حيث القسوة والزمان والمكان والخصوصية والعمومية، ومن ثم لدينا مستويات من العنف الذي ينجم عنه إيذاء الأنثى جنسياً أو جسدياً أو نفسياً.
كتب: محسن حسن
وفق أحدث البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، يتعرض أكثر من %30 من نساء العالم في حياتهن للاعتداء الجسدي أو الجنسي، في حين يوجد أكثر من 700 مليون حالة عالمية لزواج القاصرات، وأكثر من 200 مليون حادثة عنف ضد فتيات ونساء ترتب عليها تشويه الأعضاء التناسلية، كما أن أكثر من 70% من ضحايا عمليات الإتجار بالبشر، هم من الفتيات والنساء أيضاً.
وبالنظر إلى النطاق الخاص لظاهرة العنف الموجه ضد المرأة في أوروبا بشكل عام، وفي بريطانيا بشكل خاص، يحق لنا طرح العديد من التساؤلات، لعل أهمها: ما حجم الكلفة الاقتصادية للظاهرة؟ وإلى أى حد تؤثر هذه الكلفة في النواتج الاقتصادية؟ وما طبيعة السلوكيات العنيفة الموجهة ضد الأنثى؟ وما الأسباب الكامنة وراء الانتشار الزائد للعنف القائم على النوع بين البريطانين؟ وما السبيل إلى علاج الظاهرة؟
خلف الستار
على خلاف ما ينم عنه مظهر المرأة الأوروبية المغلف بالأناقة والجمال، فهي تعاني من تعدد صور الإيذاء والعنف والتمييز والاضطهاد، بل والقتل أيضاً، فقد كشفت المقابلات الميدانية التي أجرتها الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية (FRA) مع ما يزيد على 40000 (أربعين ألف) امرأة، عن نتائج صادمة أبرزها أن المرأة في أوروبا تتعرض ضمن كافة شرائح انتماءاتها الجنسانية والعمرية والمهنية وضمن حيز تواجدها المناطقي والجغرافي، إلى أشكال من العنف الشامل، ابتداءً بالعنف النفسي ومروراً بالتحرش الجنسي والاغتصاب والإجهاض القسري والعبودية الجنسية، وانتهاءً بالقتل أو الاضطرار للانتحار والتخلص من الحياة، وأن النسبة الأكبر من هذا العنف، تتوجه نحو الفتيات الصغيرات ممن بلغن 15 عاما بحيث تتعرض واحدة من كل 20 منهن للاغتصاب، وواحدة من كل خمس للعنف الجسدي أو الجنسي من الشركاء، في حين تواجه نسبة %43 من النساء لأحد أشكال السيطرة الذكورية والإيذاء النفسي، مقابل %7.7 يتعرضن لمضايقات إلكترونية، وعموماً يتعرض أكثر من 60 مليون امرأة أوروبية أي ما يزيد على ربع النساء في القارة العجوز، لشكل أو أكثر من أشكال العنف الصادر من رجال.
ويضاف إلى ما سبق، أن جرائم قتل النساء، تكثر بدرجة مقلقة للغاية على يد أناس مقربين من الضحايا؛ حيث رصدت إحصائيات (يوروستات) ــ الموقع الأعلى تصنيفا في دقة المعلومات عن القارة الأوروبية ــ أن حوادث القتل العمد والاغتصاب والاعتداء الجنسي التي تم رصد بلاغاتها ضمن سياق أحد مسوح الوكالة الأوروبية(FRA)، كان نصف ضحاياها نساء تم الاعتداء عليهن من قبل أحد المقربين من أفراد الأسرة أو من خارجها، وخلال 2020 شهدت بعض الدول الأوروبية أكثر من 1000 حالة قتل كانت الضحية فيها أنثى، ولعل ما شهدته فرنسا مؤخراً من مظاهرات حاشدة بسبب عجز الأجهزة الأمنية عن الحد من انتشار جرائم القتل بحق النساء هناك، يثبت أكثر مما ذهبت إليه الإحصائيات المشار إليها، وتكفي الإشارة هنا، إلى أن جرائم قتل النساء المتزوجات، تزيد في فرنسا بنسبة سنوية ثابتة تفوق ال%19 منذ قرابة العقدين من الزمان، وتحديداً منذ نهاية العام 2005 وحتى العام الحالي 2023؛ فقد تم قتل أكثر من 500 امرأة فرنسية تقريباً خلال هذه الفترة.
كلفة اقتصادية
وتتفق غالبية المصادر المعنية برصد الظواهر السلبية المترتبة على سلوكيات العنف ضد النساء، على أن تنامي هذا النوع من العنف، يؤثر بالسلب على الاقتصاد، وهو ما ذهبت إليه تقديرات 2022/2021 الصادرة عن المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين (EIGE) والتي أشارت إلى تكلفة سنوية باهظة تقارب ال 300 مليار يورو، منها نسبة %15 خسارة في نواتج الاقتصاد المحلي للقارة، مقابل كلفة اقتصادية عامة تتجاوز 350 مليار يورو في العام الواحد، تخص العنف القائم على النوع الاجتماعي بين الأوروبيين، في حين تبلغ تكلفة العنف الإلكتروني ضد المرأة وحده قرابة ال 100 مليار يورو سنويا، على أن كلفة النوع الاجتماعي تلك، يتوقع لها الاستمرار في الزيادة مع استحواذ التجاوزات الخاصة بالمرأة على النسبة الأكبر منها بفعل عوامل كثيرة، لعل أهمها تعاظم سلبية الأنثى في كشف التجاوزات العنيفة الواقعة في حقها من قبل الرجل، إما بسبب الخوف من اللوم أو التعرض للعار الاجتماعي أو نتيجة عدم الثقة في الإجراءات المتبعة من قبل السلطات والأجهزة الأمنية، وبالتالي تُظهر الإحصاءات أن قرابة ال15% فقط من أخطر حوادث العنف ضد المرأة والتي تحدث على يد الزوج أو الشريك، هي التي يتم الإبلاغ عنها، مقابل نسبة تزيد على 10% فيما يتعلق بحوادث تتم على يد غير الشركاء.
وبشيء من التدقيق، سنجد أن الكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة في الحقيقة قد تفوق بكثير غالبية التقديرات الرقمية المعلنة، خاصة إذا وضعنا في الحسبان ما يترتب على هذا العنف من تعطيل القوة الإنتاجية للنساء بالتزامن مع تكبيد الموازنات الوطنية تكاليف أخرى باهظة تتعلق باحتواء العنف صحياً واجتماعياً وقانونياً وشُرطياً.
بريطانيا العنيفة
أما إذا ضيقنا نطاق الظاهرة وحصرناها في المجتمع البريطاني، فسوف تبدو البلاد في نظر نسائها جديرة بلقب (بريطانيا العنيفة) نظراً لارتفاع معدلات العنف ضدهن بشكل غير مسبوق، ويمكننا معرفة تداعيات هذا العنف على مجمل الحالة الاقتصادية للمرأة البريطانية من جهة، وعلى الاقتصاد الوطني كله من جهة أخرى، من خلال جملة الحقائق والمؤشرات التالية:
أكثر من 50% من النساء في بريطانيا، يتعرضن للعنف الأسري والمجتمعي، وتتغلب الجرائم الجنسية نوعياً على باقي الجرائم؛ حيث تتعرض واحدة من البريطانيات(بما في ذلك المهاجرات واللاتي ينتمين لأعراق وأصول وافدة) للاعتداء الجنسي والاغتصاب كل عشر دقائق تقريباً، بينما يتم قتل امرأتين أو ثلاثة على الأقل كل أسبوع، في حين يظل أكثر من 90% من جرائم العنف ضد المرأة بدون محاكمات لصعوبة إثباتها، وخلال عام 2017 مثلاً لم تستطع الشرطة اكتشاف 35 جريمة قتل في حق النساء من بين حوالي 140 جريمة تم ارتكابها في ذلك العام، بينما أشارت طبيعة الجرائم المرتكبة حتى بدايات العام 2019 إلى ازدياد المجرمين الشركاء وذوي الصلة بالضحايا؛ فمن بين كل 100 جريمة مرتكبة تبين أن 60 منها تقريبا تم على يد شريك أو جار أو زميل مقرب، وبالإجمال تُرتكب في بريطانيا جرائم عنف منزلي تزيد على 1.1 مليون جريمة سنوياً ولا يتم الإبلاغ عن أكثرها للأسف.
تشكل جرائم الشرطة البريطانية ضد النساء تحدياً صارخاً في وجه المسؤولين الحكوميين والقضائيين في البلاد، والذين وقفوا عاجزين أمام هول تلك الجرائم وتكرارها من قبل عناصر الحماية والتأمين بشرطة سكوتلاند يارد بالعاصمة البريطانية لندن، الأمر الذي اهتزت في ظله ثقة البريطانيات، في الأجهزة الأمنية والشرطية، وخاصة بعد تلك الحادثة الشهيرة والفارقة في الثالث من مارس 2021، عندما تم اختطاف واغتصاب وقتل وحرق مديرة التسويق الثلاثينية (Sarah Everard) على يد أحد الضباط، وهي الحادثة التي أجبرت رئيس الوزراء وقتها (بوريس جونسون) على التصريح بأن الملاحقات القضائية المتعلقة بالعنف ضد النساء في بريطانيا تسير بشكل خاطيء، وبأن القوانين تبدو في ظاهرها صارمة ولكنها في حقيقتها هشة في علاج الظاهرة، ولا تزال الثقة المعدومة في الشرطة سارية، نظراً لظهور جرائم جديدة دفعت الجهات الرسمية إلى فتح تحقيق موسع مع أكثر من 1000 رتبة شرطية رفيعة المستوى، وذلك على خلفية اعتراف أحدهم بارتكاب العشرات من وقائع الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، الأمر الذي لفت الأنظار إلى خطورة الثقافة العدوانية المتأصلة لدى أكثر من 40000 عنصر أمني وشرطي تجاه النساء، والتي تدفعهم للاعتداء عليهن بدلاً من توفير الحماية لهن، وفي ظل إحجام غالبية النساء عن الإبلاغ عن جرائم العنف ضدهن، بلغت حوادث الاغتصاب المبلغ عنها قرابة المليون حالة، تمخضت جميعها عن 1100 إدانة فقط.
شهدت السنوات الخمس الأخيرة في بريطانيا، ارتفاع معدلات العنف المؤدي إلى القتل ضد المرأة، ومثلت الفترة البينية من مارس 2018 وحتى الشهر ذاته من 2019، طفرة في تلك المعدلات؛ بحيث زاد قتل النساء في كل من انجلترا/ويلز بنسبة قاربت ال10.5% قياساً بمعدلات أقل على مدار أكثر من عقد مضى على هذا التاريخ، ومن الواضح أن حالة الإغلاق التي تعرضت لها بريطانيا جراء مواجهة تفشي كوفيد19، ساهمت بشكل كبير في تفاقم ومضاعفة جرائم العنف ضد المرأة داخل نطاق الأسرة، إلى الدرجة التي وصلت خلالها نسب الزيادة في تلك الجرائم إلى أكثر من 60% قياساً بتقديرات ما قبل الجائحة، حتى أنه لم يمر عشرون يوماً بعد قرار الإغلاق في البلاد، إلا وأفضت الاعتداءات المنزلية عن مقتل أكثر من 13 امرأة، وبصفة عامة، تتزايد أعداد المعنفات أسرياً في بريطانيا؛ فبحسب مكتب الإحصاء الوطني 2020 وقع أكثر من 1.5 مليون امرأة تحت تأثير اعتداءات منزلية عنيفة من قبل الرجال، وكانت الفترة من الربع الأول من 2020 وحتى الربع ذاته من 2021 قد شهدت قيام رجال بقتل أكثر من 100 امرأة في حوادث متفرقة، ولا تزال الجرائم مستمرة ومتكررة؛ حيث تصل بنا إحصاءات المكتب ذاته إلى ارتفاع بنسبة تفوق ال7.5% في جرائم العنف ضد النساء خلال مارس 2022 وبواقع 911 ألف جريمة تقريباً مقارنة بإحصاءات عام سابق.
أشارت دراسات رسمية قديمة في بريطانيا تعود للعام 2004، إلى أن التقديرات الواقعية للخسائر الاقتصادية المترتبة على ارتفاع معدلات العنف ضد النساء، تُقدر بحواليي 25 مليار استرليني تتكبدها موازنة البلاد العامة سنوياً؛ منها ما يزيد على 15 مليار كل عام بسبب العنف القائم على العواطف والإنسانيات، مقابل ثلاثة أو أربعة مليارات سنوية أخرى نتيجة الإصابات المادية، ومثلها تقريباً فيما يخص أعباء التقاضي والرعاية الصحية والعلاجية، ولو سلمنا بثبات هذه التقديرات منذ صدورها وحتى الآن، فإنه يمكن الجزم بتكلفة مالية قدرها 475 مليار جنيه استرليني تقريباً، تكبدها الاقتصاد البريطاني جراء العنف ضد المرأة خلال أقل من عقدين من الزمان، ولكن بالنظر إلى تعقيدات قضايا العنف وتماسها مع قطاعات حيوية وإنتاجية عديدةـ، قد تكون الخسائر أضعاف أضعاف ما تم ذكره؛ إذ يمنحنا تقرير (التكاليف الاقتصادية والاجتماعية للعنف المنزلي) الصادر في يناير 2019 تحت إشراف وزارة الداخلية والحكومة البريطانية، تقديرات أخرى تصل إلى 66 مليار جنيه استرليني خلال عام 2017 وحده في انجلترا/ويلز، منها 47 مليار تكلفة الأضرار الجسدية والعاطفية، مقابل 14 مليار خسائر في أوقات العمل والإنتاج، ووفق هذا التقدير، تكون كلفة العنف المنزلي البريطاني خلال ست سنوات فقط من مارس 2017 وحتى مارس 2023 هي 396 مليار جنيه استرليني بافتراض تقدير ثابت هو 66 مليار سنويا.
معاناة قسرية
وسواء أكان الأمر متعلقاً بالنساء الأوروبيات عموماً، أو بالمرأة فوق الأراضي البريطانية على وجه الخصوص، فسنجد أن أحد المسببات الرئيسية في ارتفاع معدلات الجرائم ضدهن، يعود بالأساس إلى دائرة المعاناة القسرية التي يرزحن تحتها في ظل ضيق الخيارات والبدائل المتاحة للنجاة بالنفس والجسد من التعرض للإيذاء أو القتل؛ فعلى سبيل المثال؛ يضطر عشرات الآلاف من فاقدي المأوى والمشردات والمهاجرات غير الشرعيات إلى التغاضي عن شكاية المعتدين عليهن من الرجال، حتى لا يتعرضن للطرد أو الترحيل أو الانفصال عن أطفالهن، كما تضطر الظروف الاقتصادية الكثيرات منهن ومن غيرهن من البريطانيات إلى الاستسلام لسيطرة الشريك المعتدي والعنيف، خشية التعرض لظروف أشد قسوة في ظل عدم امتلاك المال اللازم لتوفير مأوى بديل أو مصدر آخر للإنفاق الخاص والمستقل بعيداً عن سلطة الشركاء العنيفين ومعتادي الإجرام.
استجابات قاتلة
وبالنظر إلى الصورة الكاملة لأوضاع المرأة البريطانية، يتضح مدى القصور البالغ والشامل فيما يخص مواجهة وتقدير خطورة جرائم الاعتداء عليها وقتلها؛ فعلى مستوى الاستجابة الأمنية لاستغاثاتها وقيامها بطلب النجدة والمساعدة عبر الرقم الخاص بالأوضاع الطارئة(999) تؤكد بعض الروايات الموثقة للضحايا أن تلك الاستجابة لم تكن على قدر الاستغاثة والحدث والمخاطر، بل إن الكثير من الاستجابات كانت كارثية بحيث أدى الإهمال في الرد وتوقيت الوصول إلى منح الفرصة للجاني كي يتم جريمته واعتداءه، وهو ما يحدث بالتزامن مع معاناة الدوائر القضائية الأوروبية والبريطانية خصوصاً، من شيوع الكثير من الأحكام الهزيلة في حق جرائم القتل الصارخة التي تعرضت لها نساء؛ ففي مقابل القتل والطعن والتمثيل بجثث الضحايا، تأتي الأحكام والعقوبات مخففة وقابلة للعفو المشروط بقضاء عدة سنوات خلف القضبان.
وفيما يخص الاستجابات الرسمية لدعوات النساء البريطانيات بضرورة العمل على تمكينهن اقتصادياً لتحريرهن من التسلط المالي والأبوي للرجل، فإنها هي الأخرى أشبه باستجابات الأمن والقضاء، قد تساهم في تكريس المزيد من القيود وليس التحرر منها، ولنا أن نتخيل كيف أن شريحة كبيرة جداً من الفتيات البالغات لم تنصفهن الاستجابات الرسمية لذوي السلطة من الذكور في إقرار قانون يُلزم المجتمع والحكومة بتوفير منتجات الدورة الشهرية بشكل مجاني لرفع المعاناة الاقتصادية الدائمة عنهن كما حدث في اسكتلندا، ومن المؤسف حقاً، أن تتواطأ الذكورية المهيمنة في أروقة المحاكم والمؤسسات القضائية البريطانية، على عدم توفير الخصوصية والحماية للإناث أثناء جلسات التقاضي، ناهيك عن التساهل في الكشف عن أماكن اللجوء الخاصة بالضحايا واللاجئات رغم قانونية إخفائها.
مطالبات وحلول
وعند استعراض الثغرات الحادثة في بنية التخطيط الحكومي الرامي إلى الحد من ظاهرة العنف الرجالي الموجه ضد المرأة في بريطانيا، نجد أنها تتضمن مطالبات وحلولاً مشروعة وبديهية كان يجب تلبيتها وتحقيقها منذ عقود، ولكن أدى التقصير والتهاون من جهة، وكون المطالبات تخص المرأة (المهمشة) من جهة أخرى، إلى الإرجاء والتسويف، رغم معاناة البريطانيات من العنف والإيذاء والقتل، ومعاناة الاقتصاد من تبعات هذا التهاون والتقصير. وتتجسد أهم المطالب المشار إليها في الآتي:
العمل على علاج الفجوة السلوكية والأخلاقية والمنهجية المتعلقة بطريقة تعاطي عناصر وأفراد الشرطة مع كل ما يتعلق بالمرأة، ابتداءً بكيفية بذل الجهود الإيجابية اللازمة لتعديل النظرة الشرطية المتدنية لجنس النساء، مروراً بطرق وتوقيت التحرك للإغاثة والإنقاذ وتلبية النداءات والبلاغات وقرارات الإحالة لدائرة الادعاء العام الملكية، وانتهاءً بعدم التغافل عن تنقية الأجهزة الأمنية من العناصر المحملة بالعداء والعنصرية والكراهية تجاه الأنثى، جنباً إلى جنب، مع التخلص الفوري من العناصر المتورطة في جرائم العنف والإيذاء والقتل في حق المرأة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تتوسع الشرطة البريطانية في توظيف عدد أكبر من النساء ضمن طواقمها؟ فلا تزال نسبة توظيف النساء لا تصل حدود ال30%، مع العلم أن زيادة هذه النسبة قد يساعد كثيراً في تجنب مساويء العنصرية والكراهية الموجهة من الشرطة ضد النساء في البلاد.
الإسراع في اتخاذ قرار بتخصيص سجلات أمنية وشرطية وقضائية لمعتادي العنف والإيذاء ومرتكبي الجرائم في حق الفتيات الصغيرات والنساء عموماً، وهو ما سيعمل على تسهيل إحكام السيطرة على مرتكبي هذه النوعية من الجرائم والسلوكيات العنيفة، ويساعد على إيجاد وسيلة ضغط أمنية عليهم من خلال إشعارهم وإشعار غيرهم بخطورة إيذاء الأنثى أو التعرض لها، ومن جهة أخرى تعمل مثل هذه السجلات على سرعة استصدار تقارير موثوقة عن كل ما يخص ظاهرة العنف ضد المرأة وبالتالي التمكن من إيجاد الحلول والعلاجات لها ولتداعياتها الاقتصادية المتنامية.
العمل على إيجاد صياغة جديدة لمنهجيات التعاطي الجنائي مع قضايا العنف ضد النساء، بحيث يتم تعديل الآليات والإجراءات الجنائية غير العادلة، والتي غالباً ما تشكل عائقاً منيعاً أمام أي امرأة معتدى عليها حتى تستطيع إثبات حدوث الاعتداء للشرطة، فقد يتطلب الأمر من الضحية وجود أكثر من شاهدين على حادثة الاعتداء حتى توافق الشرطة على تسجيل الحالة والاستماع لصاحبتها، وفي واقع الحال، فإن الكثير من الإجراءات المنهجية الخاصة بالتعاطي مع أوجه العنف المعلن وغير المعلن ضد النساء في بريطانيا، يفتقد العدالة الجنائية، بل قد يساهم بشكل غير مباشر في تسهيل ارتكاب جرائم أو الزج بالمرأة صغيرة أو كبيرة في طريق الراغبين في النيل منها والاعتداء عليها، وهو ما يستوجب إعادة النظر والصياغة بكل تأكيد.
المبادرة باتخاذ التشريعات والقوانين والإجراءات اللازمة لتمكين المرأة اقتصادياً ومالياً في بريطانيا، فجميع الشواهد والتحليلات تؤكد ارتباط الحالة الاقتصادية للمرأة بظاهرة الاعتداء عليها وإيذائها من قبل الرجل، وأنه كلما حصلت على استقلاليتها المالية فإن ذلك يحد كثيراً من تعرضها للتسلط الذكوري والاستضعاف، ولا يجب أن ننسى ارتباط حالة المرأة الاقتصادية في العالم عموماً وفي بريطانياً خصوصاً بظاهرة استقطاب الأنثى للانضمام لجماعات العنف السياسي وفرق الاشتباك المسلح ومحترفي الاتجار بالبشر والجنس وغير ذلك من أنشطة مشبوهة يكون العامل الاقتصادي عاملاً مشتركاً في حدوثها، وهو ما يستوجب الوقوف وراء دعم قانون عادل للمساواة بين الجنسين في المملكة المتحدة.