رياضة
تحذير شديد للرياضيين من أنظمة الريجيم البريطانية القائمة على التعرق.. قد تؤدي إلى الوفاة!
نشر
منذ سنة واحدةفي
945 مشاهدة
By
Fatimaتحتل علاقة الإنسان بالغذاء أهمية قصوى، لما لها من ارتباط كبير بأسباب الصحة والمرض أو الحياة والموت، فما يتناوله البشري من طعام عبر أساليب وطرق ومقادير مختلفة، إما أن يساهم في تعزيز صحته وقدرته على البذل والعطاء والعمل، أو أنه على العكس من ذلك، يؤدي إلى إقحامه في المعاناة والعجز والمرض، ومن هنا تأتي ضرورة اعتماد الممارسات الغذائية اليومية على ما يعرف بــ (النظام الغذائي السليم) والذي يضبط آليات التعامل مع العادات الغذائية بطريقة داعمة للصحة العامة. وهذا في مقابل (الأنظمة الغذائية السيئة)، والتي ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية وبعض أنواع السرطان ومرض السكري من النوع الثاني، إلى غير ذلك من أمراض؛ حيث تؤكد الإحصاءات المعنية برصد تداعيات النظم الغذائية، أن حالة وفاة واحدة من كل خمس حالات على مستوى العالم، سببها نظام غذائي سيء وغير صحي.
كتب: محسن حسن
الغذاء البريطاني
وبحسب تقديرات أولية سابقة لمعهد ماكينزي العالمي، فإن الأمراض المزمنة الناجمة عن النظم الغذائية الخاطئة، تكبد الموازنة العامة للمملكة المتحدة، ما يزيد على ستة مليارات دولار سنوياً، يتم إنفاقها على الخدمات الصحية الوطنية، أي ما يقارب 9% من حجم الإنفاق السنوي، في حين تؤكد التقديرات ذاتها، وجود خسائر اقتصادية أخرى، متولدة عن تلك النظم الغذائية غير الصحية، وهي تزيد على 50 مليار دولار سنويا، وتشكل 3% من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا، ووفق تقرير مسح النظم الغذائية الوطني، يعاني البريطانيون من انخفاض فيتامين(د) ونقص الحديد، خاصة لدى الشرائح والفئات الضعيفة بدنياً، في حين تفيد التقارير الصادرة عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أن أكثر من 55% من نساء المملكة المتحدة، وأكثر من 60% من رجالها، يعانون من السمنة وزيادة الوزن، وهذه الإحصائيات جميعها، تثير نقاشات متنوعة حول ملامح النظام الغذائي البريطاني، بل إن شئنا الدقة، فإنها تثير تساؤلات حول أضرار هذا النظام؛ فعلى سبيل المثال، يتوقع الخبراء أنه في ظل التوجهات الغذائية الراهنة للبريطانيين، ستضطر البلاد خلال الثلاثين عاماً القادمة، إلى إنتاج أطعمة أكثر مما تم إنتاجه خلال التاريخ البريطاني كله، مصحوبة بآثار ضارة على البيئة الطبيعية والصحية؛ فالقطاع الزراعي مثلاً، يستخدم أكثر من 68% من مجمل عمليات سحب المياه العذبة، ويساهم في فقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة، إلى جانب قيامه بإنتاج حوالي ثلث الانبعاثات الإجمالية لغازات الاحتباس الحراري.
خلل إنتاجي
ترتبط أضرار النظام الغذائي العام في بريطانيا، بقضية صحية مهمة وخطيرة، ألا وهي ممارسات التخسيس المختلفة التي يقبل عليها العديد من الشرائح المجتمعية وعلى رأسها شريحة البدناء الراغبين في خفض الوزن وتقليل المعاناة من الأحمال الزائدة، وشريحة الرياضيين المهمومين دوماً بتحقيق المعايير اللازمة للأداء الرياضي الفائق والممتاز، وشريحة الفتيات والسيدات الراغبات في الحفاظ على المقاييس الجمالية للأنوثة والخفة والرشاقة. وهنا يجب لفت الانتباه إلى أن هذا الارتباط المشار إليه بين أضرار النظام الغذائي من جهة، وممارسات خفض الوزن من جهة ثانية، يؤكد ويكشف ملامح الخلل الغذائي العام في منظومة إنتاج الطعام البريطانية؛ فهناك تناقض كبير جداً، بين ما تنتجه المملكة المتحدة غذائياً، وما يجب أن يتناوله عامة الشرائح الاجتماعية من أجل الصحة؛ حيث تنتج البلاد مقادير مبالغ فيها من الحبوب والسكريات والدهون، مقابل إنتاج حصص غير كافية من الفواكه والخضروات، وهو ما يترتب عليه طغيان المقادير المبالغ في إنتاجها على منظومة التصنيع الغذائي، وبالتالي انتشار منتجات رخيصة وغير صحية تعمل على توجيه النمط الغذائي للبريطانيين نحو العشوائية وفقدان المعايير الصحية للغذاء والاندفاع المفرط في الاستهلاك.
ريجيم التعرق
وبتركيز الضوء أكثر على أضرار النظم الغذائية المتبعة ضمن ممارسات التخسيس وخفض الوزن، باعتبارها من أخطر الأضرار الجديرة بلفت أنظار الجميع إليها، سنجد أنفسنا في مواجهة الكثير من أساليب الحميات القاتلة والمميتة، لكننا سنستفيض أكثر في الحديث عن أسلوب له علاقة مباشرة بالحالة الغذائية، وهو خطير وواسع الانتشار بين الرياضيات والرياضيين، ومعهم أغلب الباحثين عن الرشاقة وتقليص الوزن، وقد تسبب مؤخراً في وقوع حالات وفاة، وهو يُعرف بـــ(ريجيم التعرق)، ويعتمد إما على توظيف خاصية التعرق الطبيعية في الجسم، أو على تعريض الجسم إلى موجات حرارية متفاوتة المستويات، من أجل الحصول على درجات حرق سريعة للسعرات الغذائية والدهون، وبالتالي التمكن من تحقيق نتائج ملموسة وسريعة.
ويجب الإشارة بداية، إلى وجود عدة فوائد للتعرق الطبيعي أو التعرق الرياضي المقنن للجسد، منها على سبيل المثال، ما يقوم به من خفض حرارة الجسم وترطيبه، إلى جانب تسهيل عمليات التنشيط الخاصة بالدورة الدموية، وبالتالي الحفاظ على درجة إيجابية من الحيوية لأعضاء الجسم المختلفة، هذا إلى جانب ما يعمل عليه التعرق من تحسين نوعي في النواحي الجمالية للجسد والوجه والبشرة عموماً؛ وذلك بسبب تجدد الخلايا وانتظام الحصول على الأكسجين النقي بفعل تلك الحيوية، ولكن للأسف الشديد، دوما ما يلتفت الجميع إلى تلك الإيجابيات، في حين ينسون مجموعة كبيرة من المخاطر التي يمكن أن يسببها الإسراف في تطبيق هذا الأسلوب، واعتماده كأسلوب قاس في التنحيف أو التدريب أو الممارسة العضلية والجسمانية؛ إذ أن من بين أكثر النتائج كارثية عند الإسراف في نظم التنحيف عبر التعرق، تعريض الجسم إلى الجفاف وفقدان وزنه من الماء، الأمر المؤدي إلى جملة من الأعراض الخطيرة كالشعور بتباطؤ أو تسارع النبض، والمعاناة من الدوار والتشنج، وربما من احتباس البول لفترات طويلة، وصولاً إلى الإرهاق الشديد وفقدان الوعي بشكل مفاجيء؛ ولذلك ينصح الأطباء دوماً كل من لديه أعراض ما يسمى بــ(فرط التعرق) بضرورة الإسراع في زيارة الطبيب لتوقيع الكشف الطبي ومعرفة طبيعة الأضرار المحتملة التي يمكن أن يسببها التعرق المفرط والمتكرر، وخاصة في حالات ارتفاع درجة حرارة الجسم، والشعور بارتفاع النبض وضيق التنفس وبعض الآلام في منطقة الصدر والرئتين.
حالة Bilbey
وفي أحد تقاريرها الصادمة حول بعض التطبيقات الرياضية الخاطئة لأسلوب فقدان الوزن من خلال التعرق، مع ربط ذلك بنوعية الطعام الذي يتم تناوله، ذكرت (شبكة المركز الوطني لاضطرابات الطعام) في بريطانيا ـــــــ إحدى الهيئات المتخصصة الكبرى في مجالها عالميا ـــــــ مثالاً صارخاً في هذا الإطار، وذلك من خلال توصيفها حالة لاعب الملاكمة الصغير(Ed Bilbey)؛ ففي تناولها لهذه الحالة، ذكرت الشبكة ما يفيد بأن بعض الألعاب الرياضية، ومنها الملاكمة، يمكنها أن تؤدي إلى(اضطراب غذائي) لدى الرياضيين من الرجال والرياضيات من النساء، ثم تحدثت عن حالة هذا الملاكم الشاب، والبالغ من العمر سبعة عشر عاماً، والذي اضطرته رغبته في مواصلة المنافسة في نفس فئة وزنه (وزن الوسط) إلى تطبيق أسلوب قاس في خفض الوزن؛ حيث كان يتعمد يومياً الاستحمام بالماء الساخن، ثم ينام في طبقات من الملابس والألحفة، وكان يمارس تدريباته الرياضية ملفوفاً في أكياس القمامة السوداء، إمعاناً في تعريض جسده للتعرق المؤدي إلى خفض الوزن، وحدث أنه في صبيحة يوم المباراة، اقتصر في إفطاره على تناول بعض البيض فقط، ولم يتناول أية أطعمة أخرى، وفي نهاية اليوم انخرط في مباراته وهو على هذه الوضعية، وبعد فترة قصيرة من انتهاء الملاكمة، لم يكد يخرج من الحلبة حتى سقط منهاراً وفارق الحياة، ليأتي تقرير الطب الشرعي مؤكداً أن التدريبات المكثفة، والفقدان السريع للوزن من خلال التعرّق، أدياً إلى حالة من الجفاف الشديد أودت بحياته. وقد أوضحت الشبكة البريطانية، خطورة الحمية المعتمدة على التعرق، في إفقاد الجسم مجموعة من أهم المعادن المساعدة على حرق الطاقة و حماية القلب من الخفقان السلبي، إلى جانب إيضاح آخر يؤكد أن (حمية التعرق) حتى وإن لم تؤد إلى الموت، إلا أنها تُفضي في النهاية إلى نتائج عكسية؛ حيث يسترد الجسم ما فقده من الوزن بمنتهى السهولة، نظراً لتحول هذا الجسم إلى آلة لصنع وإفراز الدهون؛ لذا فقد حذرت الشبكة، جميع المدربين والرياضيين، وعلى رأسهم رياضيي لعبة الملاكمة، من مخاطر فرض أوزان معينة على أجسام المتنافسين في هذه اللعبة، وكذلك في غيرها من الألعاب الرياضية الأخرى.
كونور والكلوميفين
ولم تقتصر تحذيرات الشبكة البريطانية، على تذكير الرياضيين وغيرهم، بخطورة التنحيف من خلال التعرق، وإنما أشارت في تقريرها أيضاً، إلى أن الكثير من هؤلاء، يغفلون أو يتغافلون عن خطورة بعض ما يتناولونه من أجل خفض الوزن أو الحفاظ على النحافة، وخاصة ما يتعلق بتناول العقاقير الذائع انتشارها في الأسواق البعيدة عن الرقابة الدوائية، وفي هذا السياق، ضربت الشبكة مثالاً بلاعب ملاكمة آخر من لاعبي الصفوة يدعى( Conor Benn)، والذي اضطرته إحدى مبارياته المهمة إلى عدم التدقيق فيما يتناوله من عقاقير، مندفعاً برغبة عارمة في خفض الوزن وإزالة الدهون وترقية العضلات، فكان أن تناول عقاراً يسمى (كلوميفين clomiphene)، يستخدم في الأساس لتعزيز الخصوبة لدى النساء، لكنه يساعد الذكور على خسارة الدهون وبناء الكتلة العضلية، إلى جانب منح ميزات أخرى في النشاط والقوة، وبعيداً عن تجميد المباراة لمخالفة تناول عقار محظور، فإن (كونور بن) كان يتبع حمية قاسية بحيث كان وزنه وهو في سن الثالثة والثلاثين، أقل مما كان عليه وهو في سن الثامنة عشر. وهو ما يمثل خفضاً للوزن محفوفاً بالمخاطر.
وصايا الدكتور Afshin
وما أشارت إليه التقارير السابقة للشبكة، من تنبيه خطير حول علاقة الرياضيين بالأنظمة الغذائية، وما يترتب عليها من بعض النتائج الكارثية على حيواتهم ومصائرهم ومستقبلهم الرياضي، هو في حقيقته مسجل ومتضمن في العديد من الدراسات الغذائية المتخصصة؛ ففي نتائج أبحاثه الخاصة بتأثير الوجبات الغذائية الكارثي والمفضي إلى الموت، توصل الدكتور(Ashkan Afshin) المحاضر بالمعهد الأمريكي للقياسات الصحية والتقييم Institute for Health Metrics and Evaluation، إلى أن أسباب الوفاة الشائعة بين الرياضيين وغيرهم من عموم الناس، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنوعية ما يتناولونه من أطعمة ووجبات مختلفة؛ فجميع الأمراض على تماس وثيق بطبيعة الوجبات ونوع الغذاء؛ حيث ذكر الدكتور، أن ضحايا فقدان الحياة بسبب سوء الغذاء في العالم، يفوقون نظراءهم الراحلين بسبب التدخين، وأن التوازن في تحسين نوعية الأطعمة، يمكنه أن يساهم في الحفاظ على حياة واحد من كل خمسة حالات وفاة مبكرة على مستوى العالم، مشيراً إلى أن الإفراط في تناول ملح الطعام بالتزامن مع قلة الإقبال على الخضروات والفواكه، يعد سبباً رئيسياً في نصف حالات الوفاة، وأيضاً يعد سبباً في الكثير من حالات الإعاقة المرتبطة بالنظام الغذائي عالمياً؛ فعلى سبيل المثال، تسببت الأنظمة الغذائية السيئة في وفاة ما يقرب من 11 مليون حالة خلال عام 2017 وحده. وكان من أبرز ما توصلت إليه النتائج البحثية المتعلقة بتداعيات النظم الغذائية للدكتور(Afshin) جملة الوصايا التالية:
ضرورة اهتمام الرياضيين وعموم الناس، بتحسين الأنظمة الغذائية والترويج للخيارات الصحية في تناول الغذاء، بدلاً من الاكتفاء بتقديم إرشادات تقليدية هدفها إقناع الناس بالتقليل من السكريات والأملاح والدهون.
ضرورة الحذر من إغفال التوازن الغذائي؛ بمعنى عدم الانحياز لنوعيات من الأغذية على حساب نوعيات أخرى مهمة وأساسية في النظام الغذائي؛ إذ أن البعض عندما يقومون بالتبديل بين الأطعمة المختلفة يركزون في استهلاك بعضها مقابل إهمال البعض الآخر، وهو أمر يجب الحذر منه.
الملح يعد الأخطر غذائياً من بين جميع العناصر الغذائية، إلى جانب اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة وكذلك المشروبات السكرية؛ لذا يجب الحذر من الإسراف في هذه العناصر، مع ضرورة الإكثار من الفواكه والمكسرات والبذور والحبوب الكاملة والخضروات والمأكولات البحرية المحتوية على أحماض أوميجا 3 الدهنية، والحليب وجميع الأطعمة الغنية بالألياف.
ضرورة استبدال اللحوم الحمرا بالمصادر النباتية الآمنة للبروتين، وذلك للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية، حيث يمكن الاعتماد والتركيز على بدائل مثل فول الصويا والفاصولياء وغيرها من العناصر الغذائية النباتية المماثلة.
ضرورة ملحة
وفي الختام، لابد من الإشارة إلى أن المتغيرات العالمية والمحلية في الطلب على الغذاء وتوجيه أنماط العادات الغذائية في المملكة المتحدة، يضع عبئا كبيراً على أنظمة الرعاية الصحية والبيئية، ويؤشر لاحتمالات اضطراب صحية قوية في المستقبل، الأمر الذي يتطلب مواجهة رسمية وحكومية سريعة لتحديات النظام الغذائي الحالي في البلادـ، والذي يعد ضرورة ملحة من أجل إحداث التحول المطلوب للشعب الإنجليزي، نحو الاستدامة الصحية والغذائية، وهو ما يمكن الوصول إليه من خلال فهم الارتباطات البينية المحركة للتفاعل بين القطاع الزراعي والقطاعات ذات الصلة، كقطاعات التخزين والتجهيز والتصنيع والتوزيع والبيع بالتجزئة وغيرها، وذلك من أجل تحديد أنظمة غذائية صحية مستدامة، وقابلة للتسويق، ومقبولة ثقافيا، وفق المتطلبات الغذائية لمختلف شرائح المجتمع البريطاني. وعلى أية حال، يجب أن يدرك الرياضيون وجميع المهتمين باللياقة البدنية وممارسة اللعبات المختلفة، أهمية مراعاة التوازن في تنفيذ الحميات بصفة عامة، وحمية التعرق بصفة خاصة.