سياسة
علاقات الرياض – طهران تؤسس لحوار إيراني عربي برعاية سعودية
نشر
منذ سنة واحدةفي
993 مشاهدة
By
Fatimaبعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاق التاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية صينية في العاشر من مارس الماضي، تكشف المؤشرات الإجمالية الراهنة لتداعيات هذا الاتفاق، عن المزيد من الانفتاح والتوافق بين البلدين.
كتب: محسن حسن
فبعد أن بادرت الرياض بإرسال وفد رفيع المستوى برئاسة (ناصر بن عوض آل غنوم) إلى طهران خلال الشهر الثاني من توقيع الاتفاق، لترتيب إجراءات فتح المنافذ الدبلوماسية بين البلدين، قامت إيران بدورها باتخاذ خطوات إيجابية للتدليل على جديتها في تنفيذ بنود الاتفاق، حيث فتحت أوائل شهر يونيو الماضي، كلاً من سفارتها في العاصمة الرياض، و قنصليتها العامة في مدينة جدة، وهو ما ردت عليه المملكة بخطوات مماثلة خلال شهر أغسطس المنقضي، عبر قيامها بفتح قنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية، لتأتي الزيارة التاريخية الأحدث لوزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبد اللهيان) خلال الشهر ذاته، كأول زيارة رسمية لمسؤول إيراني للسعودية منذ العام 2016، فاتحة لآفاق جديدة من مستويات التجاوب المتبادل، والتي يمكن أن تشهدها المرحلة القادمة بين الجانبين.
وقد أظهرت اللقاءات المتبادلة بين (عبد اللهيان) من جهة، وكل من الأمير (محمد بن سلمان) ولي العهد السعودي، و(فيصل بن فرحان)، وزير الخارجية السعودي، من جهة أخرى، مدى الاستعداد الإيجابي الحاضر لدى البلدين، للمضي قدماً في تعزيز العلاقات بينهما؛ فمن جهته، أبدى وزير الخارجية الإيراني رغبة بلاده في توسيع آفاق التعاون والتنسيق مع الجانب السعودي في كافة المجالات، وهو ما رحبت به الرياض، مؤكدة رغبتها المتبادلة في التعاطي الإيجابي مع الجانب الإيراني، من أجل تقوية أواصر الإخاء والاحترام المتبادل، ورفع معدلات الاستقرار الأمني والإقليمي في المنطقة على كل المستويات، و كذلك من أجل بدء مرحلة جديدة من تمتين المصالح المشتركة والتنسيق الثنائي عبر إحياء الاتفاقيات السابقة، ولا سيما في المجالات الاقتصادية والأمنية.
وكانت إيران قد قامت مؤخراً بدعم ترشيح المملكة العربية السعودية لاستضافة المعرض الدولي 2030 والذي يتزامن مع اختتام أهداف رؤية المملكة لذلك العام، فيما يتعلق بتنويع الاقتصاد المحلي وتحريره من الاعتماد الأحادي على الهيدروكربونات كمصدر أساسي للدخل، وهو ما قامت وزارة الخارجية السعودية بتوجيه الشكر عليه للجانب الإيراني. في حين تكشفت الزيارة الإيرانية للرياض، عن وجود نوايا جادة لدى طهران، في بدء حوار إيراني/عربي لإصلاح ذات البين، على أن تقوم المملكة العربية السعودية بلعب دور الوسيط في تحريك هذا الحوار والتمهيد له لدى الأطراف المعنية. ويبدو من مسار الأحداث وتتابعها، أن هذه الوساطة في طريقها لانفراجة قريبة جداً، خاصة بعدما ظهرت دعوات رسمية سعودية، يرحب من خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان بن عبد العزيز)، باستقبال الرئيس الإيراني(إبراهيم رئيسي)، وهي الدعوة التي لاقت ترحيباً شديداً من الرئيس الإيراني؛ حيث سيكون هذا اللقاء هو الأكبر دبلوماسياً على مستوى علاقات البلدين منذ عقود، وتحديداً منذ الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني الأسبق(محمد خاتمي) خلال شهر مايو من عام 1999.
وبالعودة للوراء قليلاً، سنجد أن علاقة إيران بالمنطقة العربية شابها الكثير من التوتر والقلق منذ أوائل عام 1980، على خلفية تدخلها الدائم في شؤون الدول العربية، وأيضاً بسبب التوترات المترتبة منذ سنوات على تداعيات الملف النووي الإيراني والصواريخ الباليستية، وهو ما أبدت معه تلك الدول انزعاجها الشديد، خاصة مع ما أبدته إيران من سلوكيات عدائية تجاه جميع الأطراف عبر قواتها البحرية في مياه الخليج العربي، و هي السلوكيات التي شكلت تهديداً لمصالح العرب في هذا الممر الملاحي الحيوي الذي يتم من خلاله تصدير جزء كبير من المواد الطاقية الإقليمية إلى جميع دول العالم. وكان عام 2016، قد شهد اشتباكات سياسية وخلافات قوية بين العرب و طهران، ترتب عليها قطع العلاقات الدبلوماسية. وهذا التوتر المتبادل الذي استمر عقوداً من الزمن، أبدى وزير الخارجية الإيراني(عبد اللهيان) خلال زيارته للرياض، رغبته ورغبة المسؤولين في بلاده، في أن تعمل الرياض على إصلاحه من خلال دعوتها لحوار مشترك تتحسن عبره العلاقات بين جميع الأطراف، خاصة في ظل هذا الانفتاح الذي تبديه طهران الآن تجاه الكثير من هذه الأطراف؛ وخاصة، قطر والإمارات والكويت والعراق، وكذلك مصر، الأمر الذي يبرهن ـــ وفق تصريحات عبد اللهيان ــــ على وجود تحولات إيجابية لدى إيران تجاه جيرانها، بعد أن أيقنت أن تحقيق أمن المنطقة واستقرارها مرهون بالعمل الجاد على تحسين علاقاتها البينية مع جميع جيرانها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وأن تحقيق هذا الأمن وضمان استمراره، هو أمر غير قابل للتجزئة أو التردد.
ومن خلال رصد ومتابعة التطورات الإيرانية على المستوى الإقليمي والدولي، نستطيع أن نلمح بوادر تغير إيجابي في سلوك طهران السياسي والأمني، خاصة فيما يتعلق بالمصالح التجارية والأمنية لجيرانها الخليجيين، وهو ما يمكن أن نقف على تفاصيله من خلال الآتي:
- في السابق كانت القوات الإيرانية المتمركزة في مضيق هرمز وحوله، تستهدف السفن التجارية الخليجية المحلية والدولية سواء بمضايقتها أو مصادرتها والاستيلاء عليها، كنوع من الانتقام وممارسة الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ومنذ منتصف عام 2019، قامت إيران بتسليح مياه الخليج لبناء نفوذ استراتيجي باستخدام تكتيكات الحرب الهجينة التي فرضت تكاليف عالية على خصومها مع ضمان درجة عالية من التخفي، وكانت تفعل ذلك بواسطة أصولها البحرية المتطورة وأنظمة الأسلحة المتقدمة، إلى جانب الدعم الفني والعسكري للوكلاء في مناطق عديدة من الشرق الأوسط، وربما تجسد أقرب تطبيق لهذا النمط من الاستهداف، في قيام القوات الإيرانية بالاستيلاء على ناقلة نفط إماراتية عابرة من دبي إلى الفجيرة، وهو ما تسبب في إغضاب الإماراتيين كثيراً. بينما الآن، وبعد التوافق مع المملكة العربية السعودية، وفتح أبواب التعاطي الإيجابي مع كافة الأطراف في المنطقة، نستطيع الجزم بوجود انخفاض متدرج ومتصاعد في مستويات هذا الاستهداف؛ حيث قامت طهران مؤخراً بخفض مضايقاتها ومصادراتها الأمنية للسفن التجاربة، وتقوم قواتها حالياً باستثناء كافة السفن المتبادلة بين منشآت الطاقة في دول الخليج العربية، من أية إعاقات أو مصادرات كانت تحدث في السابق، في حين تكتفي باستهداف ناقلات النفط والبضائع السائبة التي ترفع علم دولة ثالثة، ومن بينها السفن التي تكون حمولاتها موجهة إلى الموانيء الأمريكية، وخاصة في الأحوال التي يشتد فيها التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- يؤشر الاستثناء السابق للسفن التجارية والطاقية الخليجية من استراتيجيات الاستهداف الإيرانية والأمنية في الخليج العربي، لمرحلة جديدة على المستوى السياسي والأمني تنتهجها طهران إقليمياً ودولياً، وهذه المرحلة قوامها الراهن هو حرص إيران بشكل ملحوظ على عدم الخلط بين مواجهاتها المشتعلة مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وعلاقاتها الإقليمية مع جيرانها الخليجيين من جهة ثانية؛ ففي حين كانت المواجهات المتبادلة بين واشنطن وطهران في الخليج، تتسبب قبل الآن، في تضمين الأطراف الخليجية وجرها لدائرة الصراع على أيدي القوات الإيرانية، فإن مرحلة الفصل الجديدة في سياسات إيران الدولية والأمنية، أصبحت هي السائدة والغالبة على مواقف طهران البحرية، وبالتالي فلم تعد الخلافات الإيرانية/الأمريكية الساخنة على المستوى الدولي، ترتبط ارتباطاً لازماً بتدهور علاقات الأولى مع دول الخليج العربية كما كان من قبل. ورغم عدم زوال هذا الارتباط بالكلية؛ إذ تظل هذه الدول عرضة لتداعيات أي تصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن ملامح التحول الجديد، أوجدت نمطاً استثنائياً من أنماط التوازن الأمني والاستراتيجي في المنطقة، يمكن البناء عليه لصالح جميع أطرافها، مقابل المزيد من العزلة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع إيجابية التعاطي الأمني لدول الخليج تاريخياً، تجاه استفزازات إيران البحرية السابقةـ، وبشكل متباين مع سلبية التعاطي الأمريكي؛ فرغم وجود تحالف خليجي/أمريكي معروف ومعلن منذ عقود، إلا أن دول الخليج كانت تتبنى دوماً، خيار التعامل الليّن وخفض التصعيد تجاه تلك الاستفزازات، وذلك مقابل إصرار واشنطن على خيار أمني معاكس، لا يزال مستمراً حتى اللحظة، وهو اللجوء إلى نشر قطع جوية وبحرية لحماية السفن التجارية المارة في الخليج، بل والتفكير حالياً في تسليح تلك السفن لردع إيران وزيادة الضغط عليها مع مطالبة دول المنطقة بتطبيق نفس النهج.
- تجني إيران الآن، بعض ثمار تحولها الإيجابي النسبي تجاه الأطراف الخليجية؛ فمقابل قيامها بعدم تعريض المصالح والسفن التجارية الخليجية للمخاطر والمصادرات في الخليج، بدأت تنقشع بعض الشكوك التي كانت متوطنة لدى الدول الساحلية الخليجية، والتي كانت تنظر في السابق إلى مجال الملاحة البحرية والتجارية، على أنه ساحة لتصفية الحسابات فقط، أما الآن، فقد ظهر لجميع تلك الأطراف ـــ بما فيها إيران نفسها ـــ أن شؤون الأمن البحري من الممكن أن تكون مجالاً خصباً للمصالح المشتركة أو على الأقل وسيلة من وسائل التفاعل الدبلوماسي الدافع للتعاون السلمي والتنسيق الاقتصادي والتجاري القابل للتطوير والتحديث. وفي الحقيقة هناك مؤشرات جديدة تؤكد دخول العلاقات الإيرانية/الخليجية في طور التجاوب المتبادل، من ذلك مثلاً ظهور شبه اتفاق ضمني بين جميع الأطراف في المنطقة، على عدم جدوى النهج الأمريكي في حل المشكلات، ويمنحنا انسحاب الإمارات مثلاً في الحادي والثلاثين من مايو الماضي 2023، من القوات البحرية المشتركة التي تقودها واشنطن برفقة ثماني وثلاثين دولة قبالة سواحل شبه الجزيرة العربية، بعض المؤشرات التي توضح إلى أى حد أصبحت أطراف خليجية تنظر إلى عبء التورط مع الولايات المتحدة في نهجها الأمني الأحادي في المنطقة.
ومن وجهة النظر الدقيقة، فإن ما يحدث من توافق إيراني/خليجي، لم يكن ـــ ولا يجب له أن يكون ـــ نتيجة مغامرات غير محسوبة أو غير مدروسة لأطرافه، فهذا أبعد ما يكون عن الواقع وعن المنطق كذلك؛ فجميع الأطراف أصبحت بعد سنوات طويلة من الجمود، في حاجة ماسة إلى قلب الطاولة على الأوضاع الكلاسيكية المأثورة في السياسة الإقليمية والدولية، ولكن وفق أسس مبنية على تقييم وازن لمعطيات المشهد المحلي والإقليمي والدولي؛ فدول الخليج تدرك ما يعنيه الدخول في صراع مفتوح مع إيران، والأخيرة بدورها تدرك ما يعنيه إقحام المنطقة في حسابات أمنية قد تطيح بأمنها واستقرارها الداخلي، ناهيك عن أمنها الاقتصادي والحدودي مع دول الجوار، وهذا الإدراك المتبادل، كان محفزاً في الحقيقة لدى الجانبين، لكي ينخرطا معاً في مثل هذا التوافق الراهن، والذي ينمو تدريجياً نحو اعتلاء منصات متصاعدة من التلاقي والتجاوب. وحتى نكون واقعيين، فإن بروز العامل الاقتصادي في الحالة الخليجية إيجاباً، وفي الحالة الإيرانية سلباً، كان له الأثر البالغ في تقدم الحالة الراهنة، بالطبع إلى جانب النواحي الأمنية والاستراتيجية؛ فالانشغال الخليجي ببناء اقتصادات قوية وتنافسية، جعله يميل أكثر إلى عوامل التوافق وعدم الصدام، في حين ساهمت أزمات إيران الاقتصادية وأوضاعها الداخلية المتأزمة، وحاجتها إلى إعادة ربط اقتصادها المتعثر بالمجتمع التجاري الإقليمي لتخفيف تأثير العقوبات الأمريكية، في تعزيز ميلها أكثر نحو استرضاء محيطها الإقليمي، بل فيما هو أكثر من مجرد الاسترضاء والتوافق، ونعني هنا، رغبة طهران في طرح مبادرات شبيهة بمقترح الرئيس الإيراني الأسبق(حسن روحاني) عام 2019، والذي قدمه للجمعية العامة للأمم المتحدة، والمسمى(مبادرة هرمز للسلام)، تلك المبادرة التي اقترحت إيران خلالها خطة عمل لبناء ثقة متبادلة، جوهرها صياغة نهج جماعي لإدارة حرية الملاحة في الخليج ومضيق هرمز، وفق جملة من المباديء الأساسية أهمها: حُرمة الحدود الدولية، واحترام السيادة والسلامة الإقليمية، والتسوية السلمية للنزاعات، وهو ما يبدو أن طهران تفكر فيه الآن، ولكن وفق تصور مختلف وآليات أكثر استقلالية.
وما يثار في الكواليس، يشير إلى وجود رغبة إيرانية ليس في إعادة طرح هذا المقترح على وجه التحديد، ولكن في الاستفادة من فكرته وتطويره وإلباسه ثوباً جديداً، بعيداً عن وصاية المجتمع الدولي، وتماشياً مع ما تتيحه حالة التوافق الإيراني/الخليجي الراهنة، وهو ما أوضحه صراحة قائد البحرية الإيرانية، الأدميرال(شهرام إيراني) عندما أعلن عن نية القيادة الإيرانية تدشين تحالف بحري ثُماني مكون من: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والعراق وباكستان والهند، ومعهم إيران، بهدف تأمين طرق الشحن الحيوية في شمال غرب المحيط الهندي. ورغم أن البعض يرى أن إيران طرحت اقتراح التحالف البحري فقط، كمحاولة لاختبار ردود أفعال جيرانها، ومن ثم صياغة خيارات سياسية وفقا لذلك، وأن نوايا طهران على المدى الطويل لا تزال غامضة، إلا أنه بالنظر إلى ما شهدته الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني للرياض، من ترحيب المملكة العربية السعودية بالتعاون مع إيران في مهمة تأمين الخليج وتحويله إلى بيئة بحرية آمنة للملاحة والسفن والتجارة، ثم قيام (حرس الحدود الإيراني) ـــ فور هذه الزيارة ــــ بتوقيع اتفاقية لتعزيز التنسيق البحري ومكافحة الإرهاب وحماية طرق التجارة الإقليمية، بشكل ثنائي مع (وكالة الأمن البحري الباكستانية)، وذلك بعد أيام قليلة من انسحاب الإمارات من القوات البحرية الأمريكية المشتركة، بالنظر إلى هذه التراتبية مجتمعة، نستطيع الجزم بوجود مفاجآت سارة قادمة في منطقة الخليج، ربما ستكون أكثر إثارة وقوة من زلزال التوقيع الثنائي بين الرياض وطهران في مارس الماضي.
وبنظرة فاحصة لطبيعة مجريات الحدث الإيراني سياسياً واقتصادياً وأمنياً، تبدو مجموعة ضغوط دافعة ومحفزة للنظام في طهران، نحو تعزيز حالة التوافق الحالية مع الأطراف الخليجية؛ فالرئيس الحالي(إبراهيم رئيسي) يحاول بكل ما أوتي من قوة، أن يخفف تلك الضغوط، أولاً من خلال إعادة صياغة العلاقات الخارجية الإيرانية مع دول الجوار الإقليمي، وثانياً عبر توثيق التحالفات مع روسيا والصين باعتبارهما من أهم الدول المشتركة مع إيران في عداء الغرب وانتقاده، وثالثاً من خلال قيام النظام الإيراني بإظهار أن بلاده مرحب بها داخل النظام الإقليمي، وأن حالة العزلة المفروضة على طهران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت في مهب الريح.
والحاصل ختاماً، أننا بصدد تحولات إيجابية راجحة في سياسات إيران ونهجها في التعاطي مع محيطها الإقليمي على وجه الخصوص، ورغم أنه من السابق لأوانه، الجزم بصدق هذه التحولات، نظراً لبراعة إيران التاريخية في قلب الطاولة وتمزيق الأوراق، إلا أن جميع الأطراف في المنطقة ـــ ومعهم الحق في ذلك ـــ يرغبون في تنحية المخاوف والظنون، وفي فتح الباب أمام طهران لتثبت، ليس جديتها ومصداقيتها فقط في المضي قدماً نحو واقع آمن وجديد ومستقر مع جميع الأطرف، وإنما لتثبت عمق هذه الجدية والمصداقية، عبر انخراط متين في تلاحم إقليمي، يضمن استدامة الأمن في الخليج، ويحافظ على المصالح المشتركة مع الجيران، ويذيب الفجوات الخلافية حول القضايا العالقة.
وحتى تثبت إيران ذلك، ستظل مواقفها وسلوكياتها العدائية الماضية، محل اختبار راهن ومستمر من قبل الجميع، ظاهراً وباطناً، وليس في المقدور لدى المتعاملين معها سوى القيام بذلك؛ فنحن لا نزال في أول الطريق، وأول الغيث قطرة، وقد ارتوينا جميعاً في المنطقة بهذه القطرة، وسعدنا بها، لكننا ننتظر الغيث لا القطر فقط، لأن طموحاتنا حبلى بآمال البناء والإعمار وتعزيز الأمن والسلم وخدمة المجتمعات المحلية التي عانت مراراً وتكراراً من ويلات الحروب وآلام الفقد؛ لذا فعلينا التمسك بالفرص، ومنح النوايا الحسنة بقدرها وضروراتها، وعلى الممنوح أن يثبت جدارته وصدقه في تلقي المنح.