مقابلات
د. سُنيا مبارك وزيرة الثقافة التونسية الأسبق لأرابيسك لندن: نحتاج إلى حوار حضاري عربي!
نشر
منذ سنة واحدةفي
889 مشاهدة
By
Fatimaتعد الفنانة وأستاذة العلوم السياسية وخبيرة الحوكمة والسياسات الثقافية ووزيرة الثقافة والمحافظة على التراث الأسبق، الباحثة والمحاضرة بالجامعة التونسية الدكتورة (سُنيا مبارك)، واحدة ممن جمعن في جعبتهن خبرات متعددة ومتراكمة على مستوى التماس مع تونس الوطن والمرأة والمجتمع، وتونس الأدب والفن والسياسة، فهي ليست امرأة عابرة، ولكنها ذات قدم راسخة في فنون الطرب والغناء، كما أنها رائدة نسائية، يشار إليها بالبنان في النشاط الحقوقي والإنساني، محلياً وإقليمياً ودولياً.
استطاعت عبر صوتها الرخيم، وفنها الراقي، أن تعبر إلى قلوب مستمعيها شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، حاملة إلى وجدانهم وعقولهم، تراث الفن العربي الأصيل والذوق التونسي الخالد، وقضايا الإنسانية المهمشة، وذلك من خلال عملها الدؤوب، وجهودها الإصلاحية الصادقة، وحضورها الإنساني والفني الطاغي. واليوم، حيث تقف الجمهورية التونسية على مفترق طرق متعرج التحديات والصعوبات على مستويات عدة، حاورتها (أرابيسك لندن) لتستكشف رؤاها العامة والخاصة حول مستقبل تونس السياسي والفني والثقافي، وحول حوار الثقافات وأهميته في تعزيز المواطنة والعيش المشترك، وحول جهودها الحقوقية وأنشطتها الخيرية والإنسانية، كخبيرة متعاونة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإلكسو)، وأيضاً حول ذكرياتها في عالم الفن والغناء بالعاصمة البريطانية (لندن)، فكان هذا الحوار.
حاورها: محسن حسن
* بداية، ما الجديد على مستوى الحراك الفني والحقوقي والسياسي؟
هذه الثلاثية المتمثلة في الحراك الفني والسياسي والحقوقي، هي شغلي الشاغل، وجميعها يفضي بعضها إلى بعض ويعزز بعضها بعضاً؛ ففي قناعاتي الشخصية تشكل الثقافة وجهاً جامعاً مانعاً لإنسانيتنا وقيمنا، ولكل مفردة من مفردات الحياة، سواءً كانت سياسية أو فنية أو حقوقية أو حتى علمية، وخلال مسيرتي كانت الثقافة والفن هما جوهر هويتي التونسية، وأداة احتكاكي الحضاري وحواري مع الآخر، وكان تساؤلي الوجودي متوجهاً دوماً، نحو الإنسان والمواطنة والعيش المشترك، وقد توحدث ثلاثية الفن والحقوق والسياسة فيما أعكف عليه حالياً مما يمكن اعتباره مشروعاً لتعزيز الحوكمة الثقافية في تونس.
* ماذا عن هذه الحوكمة الثقافية؟ وما طبيعة الجهود المبذولة تجاهها؟
نحن في تونس نمر بمخاض كبير منذ الثمانينيات، وقد تم منذ 2014 دسترة الحقوق الثقافية: حرية التعبير، و الضمير، و التنوع الثقافي، والتي وقع اعتمادها أيضا في دستور جوليا 2022، ضمن النظام السياسي في البلاد، ولكن يحتاج الأمر إلى تفعيل هذه الحقوق، وإجلاء الأوجه الإيجابية لتطبيقاتها العملية على أرض الواقع وطنياً وإقليمياً ودولياً؛ فعلى سبيل المثال نحن الآن بصدد الدفاع عن هويتنا العربية وعن لغتنا الضادية في خضم تيارات متلاطمة من الهويات واللغات، ونحتاج إلى تحديد مكاننا ومكانتنا، وإلى بناء استراتيجياتنا الخاصة من أجل حماية تراثنا، ونحن نستحق أن نشغل حيزاً معتبراً من الثقافة العالمية، ومن ثم، فأنا أنشغل بتأليف كتاب عن مفهوم الحوكمة الثقافية، ومرتكزاتها الأساسية عربياً وتونسياً، والتي يأتي على رأسها الاعتراف بالحق الثقافي، واعتماد الثقافة أساساً فاعلاً في البناء السياسي والاستراتيجي للدولة، وذلك بمعناها الشامل؛ العلمي والمعرفي والرقمي، والقانوني الخاص بحقوق الملكية الفكرية، وليس بمعناها الفني فقط؛ ولذلك أنا أعمل بجد من أجل ترجمة الدسترة الثقافية التونسية إلى واقع حقيقي يحصل من خلاله المثقف على حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرقمية والقانونية، كخطوة ضرورية من خطوات ذلك التحديث المنشود، والهادف إلى تحصين الهوية الثقافية العربية الشاملة.
* برأيك هل يجب أن تؤثر الجيوسياسية العالمية الجديدة في توجهات المثقف العربي؟
بالطبع، نعم؛ فنحن الآن نشهد نظاماً عالمياً جديداً، لا يقتضي فقط تحديث التوجهات السياسية للمثقف العربي، وإنما يستوجب تحديثاً شاملاً لكيفية توظيف ما نملكه من أدوات حضارية وتراثية وعلمية منهجية في الترويج لثقافتنا العربية المشتركة من جهة، ولهوياتنا المحلية التراثية ضمن سياقها العربي أيضاً من جهة أخرى، ونحن نمتلك الكثير من هذه الأدوات، ولكن يجب أن تكون الانطلاقة من الداخل أولاً، ومن خلال تدشين صناعة ثقافية احترافية ومواكبة للمتغيرات الحداثية والتكنولوجية.
* إلى أي حد يجب أن تشهد المنطقة العربية حواراً حضارياً بين دولها؟
إلى حد كبير، وكبير جداً، فنحن نحتاج عربياً إلى مثل هذا الحوار الحضاري، وبالمناسبة كان هذا أحد المواضيع التي تم إثارتها أثناء مشاركتي كمدربة ومحاضرة في مهمة تدريبية تحت إشراف مكتب اليونسكو للشرق الأوسط في لبنان؛ حيث أوضحت المناقشات أهمية الحوار الحضاري العربي وجوهريته الراهنة، من أجل تذويب حالة الجهل المتبادل فيما يخص التجارب الثقافية المحلية للدول العربية؛ فالتجربة الثقافية التونسية مثلاً من حيث الممارسات الفنية والمقاييس المعرفية المعتمدة للمواطنة والاندماج المجتمعي ومنطلقات العقد الاجتماعي وصولاً إلى المعطيات السياسية وتاريخية الارتباط بين الثقافة والسياسة، غير معلومة للكثير من الشعوب العربية، ومن ثم فنحن بحاجة لحوار حضاري عربي نتبادل من خلاله معارفنا وتجاربنا ولكن وفق أدوات جديدة.
* ما مدى رضاك عما تمر به تونس سياسياً واجتماعياً واقتصادياً هذه الأيام؟
منذ 2010/2011 دخلت تونس معتركا صعباً على مستوى المخاض السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام، وظن البعض أن التغيير السياسي كان كافياً لإدراك التحولات الإيجابية المنشودة من حيث الإصلاح، ولكن الحقيقة تؤكد أن التغيير يجب أن يكون متعدد الأبعاد والمستويات، وليس مجرد ذهاب نظام سياسي ومجيء آخر، ورغم أن تونس شهدت تداولاً للسلطة وتنوعاً كبيراً على مستوى النخب السياسية والحزبية، ولكن المشكلة الأساسية هي أن التوافق السياسي الذي حدث في البلاد لم يرتكز إلى معايير مستدامة وقيم حقيقية للثقافة السياسية تحفظ عليه بقاءه واستقراره؛ إذ كانت مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير وأدبيات الخلاف مع الآخر، مشوشة وضبابية وغير مطروحة بين الفرقاء في تونس، لذا لم ندرك بعدُ جوهر التغيير الحقيقي فيما يتعلق بعلاقة إيجابية متبادلة بين المجتمع والدولة، تساهم في بناء مجتمع متنوع وتضمن حقوق المواطنين. و لكن عموماً الفرصة لا تزال مواتية، ومن الطبيعي أن نشهد حالات مد وجزر خلال مخاضات الانتقال والتحول الديمقراطي.
* هل حققت التجربة التونسية نجاحاً ما وفق النتائج الراهنة؟
يمكن القول إن تونس حققت نجاحا نسبيا لا سيما في ترسيخ التعددية و احترام حرية الرأي المخالف، ومهما يقال عن التجربة الانتقالية التونسية في مراحلها السياسية المتعددة، فهي مهمة وفريدة؛ لأن مقومات المجتمع التونسي متفردة، لكن التحديات متعددة لإنجاح المسار الانتقالي؛ فهناك شروخات كبيرة بين النخبة السياسية والمجتمع، أدت إلى حالة من فقدان الثقة في هذه النخبة، وأفضت إلى عدم استقرار سياسي كان من مظاهره حركة التغيير المضطربة للحكومات والمناصب خلال فترات قصيرة، وهو ما ساهم في إهدار الكثير من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية؛ فعلى الرغم من التطور الكبير الحادث في تونس، وعلى الرغم من كون هذه الحقوق مُدسترة ومعترفاً بها من قبل السلطات الحاكمة، إلا أننا لم نلمس لها واقعاً حاضراً ومعاشاً في حياة التونسيين، فحربة التعبير مثلاً مكفولة في تونس، ولكننا لا زلنا نعاني الخلط في مفهوم هذه الحرية، وهذا في رأيي يعود إلى حاجتنا إلى ثورة ثقافية حتى على مستوى المفاهيم المتعلقة بالممارسة السياسية، وهو ما يحتاج إلى وقت لإدراكه وتحقيقه.
* لكن ما الأشياء الأكثر إلحاحاً على مستوى الوضعية التونسية الراهنة؟
هناك إرادة حقيقية في تونس للتغيير، ولكن يجب أن يتم هذا التغيير وفق منظومة القيم والمباديء الإنسانية والحقوقية المتعارف عليها؛ فتغيير العقد الاجتماعي مثلاً يحتاج إلى ضبط العلاقة بين المواطن والمجتمع والدولة، بحيث تكون العلاقة سلسة وانسيابية، ويكون اكتساب المواطنة منطلقاً من احترام القانون وتطبيقه من قبل الجميع بلا استثناء، وهذا يتطلب أن يتصالح التونسيون مع أنفسهم وأن يتحاور الجميع من أجل استقرار تونس ومن أجل الحفاظ على ريادتها وتجربتها وخصوصيتها السياسية والثقافية والحضارية، ولكي تنتقل(دولة القانون) من مجرد شعار إلى واقع ميداني كامل السيادة وفق أدواته وأركانه الأساسية، والتي يأتي في مقدمتها عموم المشاركة المجتمعية والمدنية والمؤسسية، عبر حوكمة تشاركية خلاقة ومبدعة، يجب أن تؤدي خلالها المؤسسات الثقافية دورها في الكشف والإفهام والتوعية.
* شاركتِ مؤخراً في مؤتمر المواطنة العربية بجامعة الكويت.. هل تعاني تونس من أزمة مواطنة؟
في تونس موضوع المواطنة مطروح بقوة في الخطاب السياسي و في الأوساط العلمية و المجتمع المدني منذ سنوات، وقد ازداد الاهتمام به الآن في ظل احتياجنا إلى إطلاق (ثورة في العقليات تؤدي إلى تحقيق المواطنة)، والتحديات لا زالت كثيرة بقدر الفرص. وفي مؤتمر الكويت سعيت إلى رصد التحديات الأساسية التي تواجهها المنطقة، وإلى التذكير بضرورة تفاعل الدول العربية مع مقتضيات الحوكمة الثقافية المستحدثة وضرورياتها وأهمية ربطها ببرامج التنمية المستدامة وربطها كذلك بالجمهور وفقًا لعلاقة جديدة بين الدولة والمجتمع تتجاوز النمط الكلاسيكي للمواطنة الملتصقة بالهوية و الانتماء و الحقوق و الواجبات، إلى نمط تشاركي مدعوم بالمسؤولية والاندماج.
* لكن ما السبيل إلى تفكيك التشرذم السياسي في تونس؟
ما تشهده تونس من تحولات راهنة، يعكس تشابك الثقافات في نهجها الشامل وسلطاتها، ولدى قناعة راسخة بأن هذه التحولات ستنطوي على تجديد النماذج المهيمنة في مجال العمل والممارسات السياسية والثقافية و الشرعية على المستويين الوطني والإقليمي. ولا يجب إغفال السياق الدولي غير المنظم، ودوره في إعادة إنتاج الثقافة وتقديمها كمفهوم جيوستراتيجي، وحتى ثقافي جغرافي، وبالتالي نحن في أمس الحاجة لأن نجعل ثقافة التعليم والمعرفة، أداة للتغيير الاجتماعي والإبداع والابتكار، وأن يمتلك صانع القرار، قناعة بجدوى الثقافة كناقل أساسي للحكم الديمقراطي، خاصة إذا ساندتها مبادئ الحكم القائم على المشاركة والتضامن، وعدم تجزئة حقوق الإنسان، وإنفاذ القانون.
* ما نصيحتك المباشرة للرئيس قيس سعيد؟
بصفة عامة، أنا من الذين يعتقدون أن الثورة الحقيقية هي ثورة العقليات والممارسات التي تساهم في صنع وتعزيز المواطنة، وأعني هنا ثورة ثقافية شاملة تكون أساساً للقيم المشتركة التي تضع المواطن في قلب اهتمامات الدولة. وهذا هو الأساس والمنظور الذي يمكن من خلاله تجديد العقد الاجتماعي. ومن جهة أخري، فرئيس الجمهورية، الأستاذ (قيس سعيد) سيطلق قريبا مجلسا أعلى للتربية و أرى أن هذا المشروع إيجابي و جوهري في مجتمعنا ، و أتمنى أن يتم إدراج الثقافة مع التربية، وتشريك أكبر عدد ممكن من المختصين حتى يكون بمثابة الميثاق المجتمعي الجديد لجميع التونسيين.
* ما الذي تمخضت عنه تجربتك كوزيرة للثقافة في تونس؟
قامت تجربتي كوزيرة للثقافة على عدة محاور ذات نهج عملي براغماتي، حرصت على تنفيذها من خلال اعتماد الحوكمة والتضامن كأساس منهجي لعمل الوزارة، وتمثلت في تعزيز التعاون بين الوزارات؛ حيث تم عمل بروتوكولات مشتركة مع وزارات التربية والتعليم والشباب والتعليم العالي والعدل والدفاع والبيئة وغيرها. إلى جانب دعم التعاون الدولي، لا سيما مع اليونسكو والمفوضية الأوروبية، وكان ذلك من خلال برنامج Med Culture، وبرنامج دعم القطاع الثقافي في تونس. بالإضافة لإنشاء مجاميع استشارية من جميع الفاعلين في القطاعين العام والخاص، وعلى وجه الخصوص في مجالات الكتاب والسينما والموسيقى والفنون البصرية وغيرها. وكان من نتائج ذلك ظهور مشروع إنشاء مدارس ثقافية في المناطق المحرومة، ومشروع قانون تعزيز مكانة الفنانين. وتعميم الحقوق الثقافية في السجون. وبصفة عامة، انصب اهتمامي على النهوض بالدبلوماسية الثقافية الجذابة والمتنوعة عبر مفردات التراث العلمي وتبادل الخبرات. وأيضاً على اعتماد نهج ثقافي وازن لمكافحة التطرف والعنف.
* من وجهة نظرك ما مدى أهمية تعميم ومنح الحقوق الثقافية للسجناء؟
أعتقد أنه من الضروري تعزيز الحقوق الثقافية في سجون العالم؛ فلدينا إحصائيات دولية تُظهر وتؤكد أن مشاعر الإقصاء والأفكار الأصولية المتطرفة آخذة في الازدياد، خاصة في السجون، ولذلك كان لابد من علاج مثل هذا الخلل، ففي تونس على سبيل المثال، أنشأنا مكتبات في جميع السجون، وتم منح السجناء الفرصة لمواصلة دراساتهم التخصصية وخوضهم للامتحانات، كما تم إفساح الفرصة لهم لإظهار مواهبهم وإبداعاتهم الشخصية والذاتية من خلال أنشطة وورش التمثيل والمسرح والعديد من الأنشطة الفكرية والفنية الأخرى، وهذا مهم للغاية في الحقيقة، إذا كنا نريد محاربة الأصولية والتطرف إلى جانب تعزيز الاندماج وحماية السجناء الشباب على وجه الخصوص من أية عوامل وضغوطات استثنائية تطيح بآمالهم في تعديل وإصلاح ذواتهم، ومن ثم العودة مجدداً بروح إيجابية للانخراط المنتج في المجتمع.
* لماذا طالبت بأن تكون وزارة الثقافة وزارة سيادية في الدولة التونسية؟
لأن ما تعانيه المجتمعات العربية ومن بينها المجتمع التونسي، مرده في الأساس، عدم تمكين الثقافة من تطوير الممارسات السياسية وتوجيهها، أو حتى بنائها ابتدءً، ولكي يتم ذلك، لابد وأن تتمتع وزارات الثقافة في العالم العربي وفي تونس، بما تتمتع به الوزارات السيادية الأخرى كوزارات الداخلية والدفاع وغيرها؛ فإذا كانت هذه الأخيرة تدافع عن الأرض، فإن الثقافة تدافع عن وعي وعقل وفكر وسلامة من يدير الأرض ويمتلكها، ويجب اليقين بأن الثقافة هي من تدير السلاح، كما أنها في حد ذاتها سلاح يتفوق كثيراً على المدفع والطائرة، لأنها وسيلة الدفاع عن الهوية، ناهيك عن كون عناصرها ومفرداتها المختلفة تشكل صناعة واعدة تدعم الاقتصادات الوطنية والتنمية، ولدينا في تونس استراتيجية منذ 2016 تهدف إلى النهوض بالصناعة الثقافية وجعلها أولوية قصوى، وأرجو أن تُفعل هذه الاستراتيجية، وأن ننجح في حشد مثقفينا في جميع التخصصات للتأثير بأفكارهم في مهمة تجديد النماذج السياسية والثقافية داخل مجتمعاتنا.
* ما الدور الذي يمكن أن تلعبه مدرسة الزيتونة التونسية في تحجيم انضمام الشباب التونسي لتنظيم داعش الإرهابي؟
مدرسة الزيتونة في تونس من أعرق المدارس المتخصصة في الشريعة وأصول الدين، مثلها مثل الأزهر في مصر، تساهم في تعميم المنهج الوسطي والتطبيق المعتدل للتعاليم الدينية التي هي مركوزة في نفوسنا، وتحتاج دوماً إلى رعاية من قبل رجال الدين المعتدلين، وخاصة بالنسبة للفئات الشابة التي تُحاط الآن بالعديد من المصادر الفكرية والأيديولوجية المشبوهة والقائمة على لي عنق النصوص الشرعية من أجل أغراض خاصة؛ لذا تحتل مدرسة الزيتونة ومثيلاتها في عالمنا العربي والإسلامي أهمية خاصة في كافة المقاربات الفكرية والدينية والتربوية الهادفة إلى حماية الشباب من الجنوح والتطرف والعنف والانغلاق المفاهيمي والإنساني.
* كفنانة ومطربة ما الذي ترينه مشتركاً بين النمط الموسيقي الإنجليزي والنمط الشرقي؟ ومن يكون على رأس قائمة استماعك من مطربي ومطربات المملكة المتحدة؟
هناك بالطبع اختلاف بين الموسيقى الشرقية والغربية من ناحية الأصول والخصوصيات المقامية والإيقاعية، ولكنني شغوفة جداً بالاستماع إلى تجارب الموسيقى الأنجلوساكسونية مثل تجربة(جون لينون) والتي أعتبرها من التجارب الرائدة باعتبار ما لهذا الفنان من مرجعيات فنية وموسيقية معنية بقضايا السلام والتعايش الإنساني، وأنا عاشقة لمثل هذه التجارب الداعية إلى الحوار مع الآخر، أيضاً أحب صوت(فريدي ميركوري) كثيراً، وأعتبره من الأصوات المقتدرة، أيضاً لفتت نظري في السنوات الأخيرة تجربة الفنان (سامي يوسف) لما لها من خصوصية في المزج والتلاحم المبدع بين أنماط شرقية وغربية من الموسيقى، وفي النهاية الموسيقى مهما كانت أصولها، فهي لغة تعايش وتواصل كونية، كما هي عند غير الموسيقيين حتى أمثال (ابن خلدون) و (مصطفى العقاد) وغيرهما، وهي عند الموسيقيين أمثال (محمد عبد الوهاب) غذاء للروح؛ وهي عندي ضرورة للحياة وللحوار وللفرح كذلك.
* في الختام، ماذا عن زياراتك وذكرياتك الفنية بالمملكة المتحدة؟
في عام 2015 قدمت عرضاً غنائياً أندلسياً في مسرح Southbank Centre بالعاصمة الإنجليزية لندن، وتحديداً بالــ Queenelisabethall، وشهد هذا العرض قيامي بتقديم مجموعة من النماذج الموسيقية التونسية من إنتاجي الخاص، ومن كلمات وأغنيات لشعراء وفنانين عرب وغربيين كبار أمثال (أبو القاسم الشابي)، و(نزار قباني)، و(الهادي الجويني)، والشاعر الإسباني (فيديريكو غارثيا لوركا) وآخرين غيرهم، وفي الحقيقة كانت التجربة جميلة جداً، خاصة وأن هذا النشاط الموسيقي الغنائي،كان في إطار تنظيم رسمي لتبادل ثقافي بين الدولة التونسية والدولة الإنجليزية، وضمن جهود التعريف والتنوع الثقافي والحضاري بين الدولتين، وكانت سعادتي غامرة بما حققه العرض من نجاح كبير، في ظل تنوع الجمهور و حضور أكثر من ثلاثين جنسية مختلفة، وهي من الذكريات التي لا أنساها مطلقاً، وإن شاء الله نحظى بعرض آخر أكثر نجاحاً وحضوراً في القريب.