بريطانيا
في ظل توقعات سلبية بشأن الطاقة: هل ستنجح الحكومة البريطانية في ملء خزان وقودها؟
نشر
منذ 11 شهرفي
370 مشاهدة
By
Baidaفرضت حالة التراجع الاقتصادي في المملكة المتحدة نفسها على كل ما يتعلق بحاضر ومستقبل قطاع الطاقة، وفي ظل موجات غلاء طاحنة تضرب البريطانيين على كل المستويات، قضت أغلب الأسر أوقاتاً عصيبة بين عنفوان البرد القارس والثلوج المتساقطة من جهة، وارتفاع أسعار الطاقة اللازمة للتدفئة من جهة ثانية، الأمر الذي تكبدت معه كل أسرة متوسطاً شهرياً من النفقات يتجاوز 120 جنيها استرلينياً ما بين الغاز والكهرباء، في حين تكبدت أسر أخر ىمتوسطات أعلى من ذلك بكثير وفق طبيعة مقدمي الخدمات الطاقية.
كتب: محسن حسن
وفي الحقيقة لا ينكر أحد حجم الجهود المبذولة من الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدار العقد الماضي وحتى حكومة ريشي سوناك الحالية، من أجل تذليل التحديات التي تواجه المستهلك جراء ارتفاع فواتير الكهرباء والغاز وباقي المحروقات؛ فعلى سبيل المثال استفاد قرابة الــ 2.5 مليون منزل مملوك لأشخاص من أصحاب الدخل المنخفض وكبار السن من برنامج ( Warm Home Discount) والذي تم تمويله سنويا بما يفوق الــــ 380 مليون جنيه استرليني، وكذلك برنامج( Energy Company Obligation)الخاص بترشيد استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها في المنازل، والممول من الشركات الطاقية بحوالي 650 مليون جنيه استرليني، ومثله برنامج (Green Deal) الذي خدم أكثر من 5 ملايين منزلاً في عموم بريطانيا، وبتمويل قارب الــ 4 مليارات جنيه استرليني، هذا إلى جانب برنامج (Renewable Heat Incentive) الممول حكومياً بـــ 1.3 مليار جنيه استرليني، والهادف إلى تشجيع استخدام أجهزة الطاقة المتجددة.
وكانت الحكومة مؤخراً قد قدمت أيضاً برنامجاً لدعم فواتير الطاقة، لكن للأسف الشديد، معظم هذه البرامج الطارئة وغير المدروسة ــــ رغم كونها قدمت مساعدات مرحلية للمستهلكين العموميين ـــــ لم تستطع إيجاد الحلول المثلى لأزمات الطاقة بين البريطانيين، بل والأكثر من ذلك أنها زادت من عجز ميزانية البلاد؛ فبحسب أحدث تقديرات مكتب الإحصاء الوطني، ارتفعت نسبة اقتراض الحكومة من 5% من بنية الناتج المحلي خلال السنة المالية 2021/2022 إلى 5.5% خلال 2022/2023، وبعد أن كان الاقتراض يبلغ 121 مليار جنيه استرليني، إذا به يقفز إلى 139 ملياراً، في حين يمكن أن يسوء عجز الميزانية إذا استمرت خطط الدعم الحكومي دون إدراك للمخاطر أو وصول للحلول الحاسمة.. فأين الخلل يا ترى؟
تحديات عميقة
عند محاولة تحديد الخلل الحادث في العلاجات والحلول المقدمة لأزمة الطاقة داخل المملكة المتحدة، سنكتشف أننا بصدد مجموعة من التحديات العميقة التي تقف حائلاً دون استطاعة إيجاد حلول جذرية لتلك الأزمة، وهي على النحو التالي:
- تعاني بريطانيا من تزايد مطرد في أعداد المسنين، وهو ما يكبد ميزانيتها العامة سنوياً مبالغ طائلة في الرعاية الاجتماعية الشاملة إلى جانب استنزاف موارد الطاقة؛ وبحسب تقديرات رسمية، يصل عدد المسنين في البلاد ممن تجاوزوا سن الخامسة والستين والخامسة والثمانين إلىأكثر من 13 مليون نسمة، وهو ما يشكل نسبة تقارب ال19% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم أكثر من 68.5 مليون نسمة.
- هناك نقص شديد في المخزون الاستراتيجي للكهرباءخلال آخر ثلاث سنوات في بريطانيا، ومستويات الاحتياطي الكهربي لا تضمن الصمود أمام احتياجات المستهلكين الطارئة، ويتسبب توقف بعض محطات إنتاج الكهرباء عن العمل في تقليص الإنتاج وتفاقم الأزمة، وخلال 2021 تخلفت ثمانية من المحطات عن المنظومة وفقاً لما أعلنته وزارة الطاقة البريطانية، وبالتالي زادت أسعار استهلاك الكهرباء زيادات قياسية؛ حيث ارتفعت متوسطات الأسعار من 14 بنساً للكيلووات إلى أكثر من 40 بنساً، ولا تزال الزيادات مستمرة نتيجة ارتفاع الطلب وزيادة نسبة المستهلكين.
- تنتج بريطانيا أكثر من 45 مليار متر مكعب تقريبا من الغاز سنويا، ومن خلاله يتم توليد ما يزيد على 40% من الكهرباء، ولأنها تعتمد على استيراد ما يصل إلى 40% من الغاز من دول أخرى فقد أدت الزيادة في أسعار الغاز الطبيعي الذي تحتاجه محطات إنتاج الكهرباء من جهة، وارتفاع نسبة استهلاكه في التدفئة خلال الشتاء من جهة ثانية، وتقليص الإمدادت القادمة من أوروبا من جهة ثالثة، وتراجع نسبة إنتاج بحر الشمال من جهة رابعة، إلى تراجع حصص إنتاج الغاز والكهرباء معاً، وبالتالي إلى تراجع الإنتاج الطاقي في العديد من القطاعات ذات الصلة.
- تواجه العديد من مشاريع الطاقة المستدامة في المملكة المتحدة معوقات تمويلية وقانونية كثيرة، وهناك فجوة قائمة بخصوص التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة؛ حيث لا تزال تعتمد بريطانيا بنسبة 80% على الطاقة الأحفورية مقابل 20% على الطاقة المتجددة، وذلك رغم الميزات التي تقدمها الأخيرة في حل مشاكل الكهرباء مثلاً؛ إذ أن 25% من إنتاج الكهرباء تنتجه البلاد من طاقتى الشمس والماء، بينما تنتج 20% أخرى من طاقة الرياح وحدها، وبالمقابل، فإن حصة إنتاج الكهرباء من الفحم مثلاً، لم تتجاز نسبة 5% على مدار سنوات عديدة مؤخراً، ورغم أن البلاد تنتج ما يقارب الـــ 2 مليون طن من الفحم سنوياً، إلا أن مستقبل هذا المصدر الطاقي مهدد بالتجميد خلال السنوات القادمة، خاصة مع إغلاق العديد من المحطات المعتمدة عليه، وأيضاً في ظل خطة حكومية تهدف إلى إنتاج الكهرباء بنسبة 100% من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة خلال عقدين ونصف من الآن وتحديداً بحلول 2050.
- لا تزال المملكة المتحدة تعتمد خططاً بطيئة ومتكاسلة في توظيف الطاقة النووية في مجال إنتاج الكهرباء، فهي لا تملك سوى 15 مفاعلاً نوويا تساهم جميعها بقدر ضئيل من إنتاج الكهرباء لا يتجاوز 20%، كما أن الشركة التي تدير هذه المفاعلات ليست وطنية بريطانية، وإنما هي شركة (EDF Energy) الفرنسبة، ما يعني وجود تقصير بريطاني في إعداد الكوادر القادرة على إدارة وتشغيل هذه المحطات، والتي يمكنها مع الدعم والمساندة وزيادة عددها أن تحقق اكتفاءً ذاتياً مستقبلياً من الكهرباء للبريطانيين لأكثر من ستة عقود قادمة.
- بخروجها من الاتحاد الأوروبي فقدت بريطانيا العديد من أوجه وبرامج التمويل المخصص لدعم الطاقة في مدنها،وتكفي الإشارة هنا إلى بريطانيا حصلت من صندوقى الطاقة والاستثمار الأوربيين ومعهما برنامج الاتحاد الأوروبي للتنمية الإقليمية على أكثر من 11 مليار يورو لدعم مشاريع الكفاءة الطاقية، كما حصلت من برنامجى(Horizon)و(Interreg) على ما يقرب من 690 مليون يورو لدعم أبحاث الطاقة والتنمية الطاقية في البيئات الفقيرة، هذا إلى جانب برامج تمويل أخرى خسرتها بخروجها من الاتحاد الأوروبي، وأدت خسارتها إما إلى التورط في الاقتراض أو تعثر برامج الإنتاج الطاقي.
عقدة الاستيراد
وبتسليط الضوء على مصادر حصول المملكة المتحدة على ما يمكن به تشغيل قطاعاتها الحيوية وملء خزانات وقودها بالطاقة، فسنجد أن الاستيراد الخارجي يهيمن على تلك المصادر؛ فهي تستورد النفط الخام من السعودية وروسيا والنرويج، وتستورد الغاز الطبيعي من قطر وبلجيكا وهولندا، بينما تستورد الفحم من استراليا والولايات المتحدة وروسيا وجنوب أفريقيا، وفي ظل اعتمادها على النفط والغاز بنسبة تفوق الــ 70% تتكبد سنوياً مبالغ باهظة لاستيرادهما قد تزيد على 50 مليار جنيه استرليني، إلى جانب تكاليف أخرى موازية تخص المعالجة والتكرير.
ويزيد من الإشكاليات المحيطة بعقدة الاستيراد الطاقي هذه، أمران؛
الأول هو تراجع استثمارات قطاعى النفط والغاز منذ ثلاث سنوات إلى مستويات دنيا لم تحدث على مدار عقدين ماضيين تقريبا؛ حيث سجلت تلك الاستثمارات تراجعاً قارب الــ 25% عام 2020، قياساً بعام 2019، وبقيمة مالية متواضعة تبلغ 12 مليار جنيه استرليني فقط تقريبا بالتزامن مع تعثر الصيانة الخاصة بالبنية التحتية لمنظومة صناعة النفط وقلة عدد الآبار النفطية المستحدثة، وهو ما أدى إلى تراجع غير مسبوق في الإنتاج لم تشهده البلاد على مدار عشرين عاماً.
والأمر الثاني هو عشوائية الإجراءات الحكومية في معالجة أزمات الطاقة المتكررة، وهي الإجراءات التي ترتب عليها في بعض الأحيان، إفلاس الشركات النفطية وخروجها من منظومة الصناعة والخدمات الطاقية؛ ومثال ذلك ما حدث عندما تسبب نظام تثبيت أسعار الطاقة وفواتير المستهلكين الذي طبقته الحكومة عام 2021، في استنفاد هوامش الربح لدى مزودي الخدمات الطاقية، وهو الإجراء الذي تمخض عن إفلاس قرابة الــ30 شركة وخروجها من منظومة المرافق العامة البريطانية.
بين نارين
ومن جهة أخرى، فقد أفرز الوضع الاقتصادي المربك الذي تمر به بريطانيا جراء جائحة كوفيد19 وصفقة بريكست ثم الحرب الروسية الأوكرانية، حالة تردد حكومي مزعجة تركت آثارها السلبية على مستهلكي الطاقة من البريطانيين وكذلك على قطاعات الإنتاج والتشغيل المختلفة؛ فعندما قامت الحكومة خلال 2017 بإعلان الاستراتيجية الصناعية، وبدء العمل على تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتم إغلاق منشأة تخزين الغاز الخام في بحر الشمال، أسقط في يدها بعد ذلك خلال سنوات قليلة؛ لأنها وجدت أن المضي قدماً في تنفيذ تلك الاستراتيجية يضر إضراراً بالغاً بحاجة المستهلكين من الطاقة، بل ويسلب البريطانيين مئات الآلاف من وظائفهم ويهدد منظومات الإنتاج؛ فعلى سبيل المثال أدت بعض القيود الحكومية المفروضة على تراخيص واستكشاف النفط والغاز في بحر الشمال إلى تكبيد الميزانية أموالاً طائلة في استيراد النفط والغاز لتعويض نقص الإنتاج الحادث بفعل تلك القيود، وتكفي الإشارة هنا إلى أن عشوائية الإجراءات المتخذة بشأن الانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، أصبح يهدد حصص الإنتاج القادمة من بحر الشمال والتي تزيد على أكثر من 1.5 مليون برميل نفطي، ويمكنها تغطية ما يزيد على 65% من الاستهلاك المحلي، إلى جانب ما ترتب على تلك العشوائية فعلياً خلال 2021/2022 من تجميد مشروعات مستقبلية كانت جديرة بإنجاز طاقة إنتاجية قوامها أكثر من 650 مليون برميل.
والمحصلة هي أن الحكومة البريطانية الحالية بين نارين؛ نار الاستغناء عن الوقود الأحفوري بما يترتب عليه من تداعيات طاقية قاسية، ونار الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة والتي تحتاج إلى وقت طويل وتمويل أطول لكي تحقق فاعليتها في الداخل البريطاني، وبين هاتين النارين تشتعل نار ثالثة هي نار الأسعار الطاقية التي يكتوي بها المستهلك المحلي ومعه الشركات التي تقدم له الخدمة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن أن تُخرج الحكومة البريطانية نقسها وشعبها من هذه الوضعية الحرجة لأزمة الطاقة الحالية وفي المستقبل أيضاً؟
الوضع الراهن
وفي الحقيقة لابد قبل التفتيش في الحلول المتاحة لأزمة الطاقة، أن نضع النقاط فوق الحروف بخصوص حقيقة الوضع البريطاني الراهن، وما يرتبط به من مسارات حتمية غالباً ما سيكون لها الغلبة في توجيه مجمل الخطط والاستراتيجيات الخاصة بالطاقة في المملكة المتحدة، وهو ما يمكن رصده في النقاط التالية:
- التحديات في مجال الطاقة تشمل العالم أجمع، ولكن مما تتأثر به المنظومة الطاقية خصيصاً في بريطانيا، عدة متغيرات أساسية يأتي في مقدمتها شيخوخة السكان، وتغير المناخ، والتطور المذهل والمتوقع لأنماط ووسائل النقل، إلى جانب التداعيات المخيفة والصادمة للذكاء الاصطناعي.
- المملكة المتحدة تمر بمرحة انتقالية حرجة في مواجهة التزاماتها الدولية فيما يخص المناخ والبيئة، وهي أول دولة ألزمت نفسها باتفاقية باريس للمناخ، كما أن قانونها المحلي يلزمها منذ عام 1990 بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 80% بحلول عام 2050؛ ومن ثم ستستمر خطة إيقاف بيع السيارات والمركبات العاملة بالبنزين والديزل حتى نهايتها في 2040، كما سيتم إغلاق جميع محطات الطاقة العاملة بالفحم بحلول عام 2025.
- ستظل داونينج ستريت مجبرة على التأرجح الطاقي بين خطط التقليل من الانبعاثات الكربونية من جهة، والاعتماد على الوقود الأحفوري من جهة أخرى، فهي لن تستطيع الاستغناء القاطع عن الغاز أو البنزين؛ لأن الحاجة إليهما ماسة لتوفير طاقة آمنة بأسعار معقولة، وأيضاً للحفاظ على سلاسل التوريد والتنقلات الداخلية ودعم الاقتصاد، ولأن قطاع الصناعة النفطية يساهم سنوياً في توظيف عشرات الآلاف بشكل مباشر في عموم بريطانيا(أكثر من 160000 وظيفة في القطاع وسلاسل التوريدات ذات الصلة خلال 2019 وحدها)، كما أنه يرفد المالية العامة بالمليارات عير عائدات الضرائب، وهو ما يساعد في تمويل الخدمات العامة، وتطوير استثمارات الطاقة النظيفة.
الحلول المتاحة
وفي ضوء ما تم عرضه من تفاصيل الوضع المتأزم للطاقة، لا شك أن الخيارات والبدائل المطروحة أمام الحكومة البريطانية أغلبها محفوف بتحديات المرحلة؛ سواء ما يتعلق بأعباء وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، أو باضطراب الوضع الاقتصادي العام، أو حتى بحالة فقدان التوازن الخططي بشأن إدارة ملف الطاقة ضمن زحمة الأولويات التي تهيمن على اهتمامات المسؤولين في دوانينج ستريت، ولكن لا شك أن هناك جملة من الحلول المتاحة التي يمكن من خلالها أن تستحوذ هذه الحكومة على ما يعينها على ملء خزان وقودها، وهذه الحلول هي:
1- السعي الجاد والحثيث نحو إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي سيتيح إيقافها تحرير الاقتصاد البريطاني من تبعاتها المالية والتمويلية، وأيضاً تحرير الحكومة ذاتها من الانشغال بالسياسة الخارجية عن سياسات إدارة ملف الطاقة الداخلي، وبحسبة بسيطة فإن انتهاء الحرب سيوفر أكثر من 300 مليون جنيه استرليني يمكن تخصيصها لإصلاح البنية الطاقية والكهربائية المتردية.
2- التخلي عن الحلول العشوائية والجزئية، والإسراع في اعتماد خطة إنقاذ متكاملة تسير فيها جميع مراحل العلاج بشكل متوازٍ؛ فعلى مستوى التحول من الأحفورية إلى المتجددة ينبغي البدء بالاستثمار في تقنيات الأخيرة مع تهيئة القوانين والتشريعات اللازمة لذلك، حنباً إلى جنب مع تطوير البنية التحتية للمنظومة الطاقية وتوعية المستهلكين بآليات التعامل الإيجابي مع التقنيات الحديثة العاملة على ترشيد الاستهلاك، ولابد أن تعمل الحكومة على امتلاك تكنولوجيا التخزين الفائق للطاقة الكهربائية والمتجددة خلال أوقات الذروة الإنتاجية، للاستفادة بها وقت الحاجة، خاصة مع ما سيشهده منتصف العقد القادم، من شيوع هذه التكنولوجيا بحيث ستزداد السعة التخزينية للطاقة في العالم بنسبة تزيد على 55% وبواقع 275 جيجاوات خلال 2026، وفقاً لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة(IEA).
3- توسيع دائرة الاهتمام الرسمي والحكومي بالقطاع الزراعي، وخاصة بالمحاصيل المساعدة على إنتاج الوقود الحيوي المستخدم على نطاق واسع في تشغيل المركبات والسفن والطائرات وغيرها، مثل البنجر والذرة واللفت والكانولا والشمندر السكري ومحاصيل أخرى، يمكن من خلالها إنتاج وقود حيوي كالإيثانول والديزل والبيوغاز وبأقل التكاليف، وبالأساس تعد المملكة المتحدة من أكبر منتجي هذه النوعية من الوقود، ففي 2019 أنتجت 2.7 مليار لتر، وفي 2020 أنتجت 2.8 مليار لتر، ومعدلات الإنتاج في تزايد مطرد حتى 2023، ولكن تحتاج منظومة الطاقة بشدة إلى رفع نسبة الوقود الحيوي ضمن الوقود التقليدي إلى ما فوق الــ 10% ولن يمكن تحقيق ذلك دون العمل الجاد على امتلاك التكنولوجيا المعالجة لإنتاج السكر من الشمندر، إلى جانب حل المشكلات البيئية المحيطة بهذا الأمر، وهنا تجب الإشارة إلى أن إنتاج الوقود الحيوي من النفايات الزراعية يتيح فرصاً واعدة للوصول إلى تلك النسبة.
4- التوظيف الجيد لطاقة الرياح، فالمملكة المتحدة هي أكبر منتجي الرياح البحرية على المستوى الدولي، وبسعة إنتاجية تقارب الـــ 8 جيجاوات، وبإمكانها استغلال ذلك للحصول على مخزون من الكهرباء يزيد على 35 جيجاوات، ولكن ذلك مرهون بتطوير هذه التكنولوجيا والتوسع فيها، بدلاً من إنفاق تكاليف باهظة على حلول غير مستدامة، ورغم أن استثمارات المملكة المتحدة في طاقة الرياح زادت على 12 مليار جنيه استرليني خلال 2020، وهو ما ساهم في ثبات أكثر من 6 جيجاوات من الطاقة الريحية خلال 2021 بنسبة زيادة فاقت الــ80% قياساً بفترات سابقةـ إلا أنه يمكن الحصول على نتائج أكثر إيجابية من خلال توسيع دائرة الاستفادة من طاقة الرياح عبر السواحل الإنجليزية، على غرار مشروع توريس العملاق في شمال شرق اسكتلندا.
5- نطبيق أنماط جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية بطرق أقل تكلفة وأكثر إنتاجية، وعلى رأس تلك الأنماط؛ إنتاج وتوليد الكهرباء بواسطة السوائل الغنية بالمعادن، وهي تقنية مناسبة للعديد من المواقع في بريطانيا، ويمكن من خلالها التخزين والتوليد الكهربي عبر مرتفعات أقل بكثير جداً من تلك التي تشترطها محطات الطاقة الكهرومائية العملاقة، وهناك أيضاً تقنية التوليد من خلال طاقة الجاذبية عبر روافع الأوزان الثقيلة ذات الــ 15 ألف طن، وإلى جانب هاتين التقنيتين، توجد تقنية ثالثة تعتمد على تخزين الطاقة الحرارية عبر السيليكون أو الملح المصهور بدرجة حرارة تزيد على 550 درجة مئوية، ووقت الحاجة يتم توظيف هذه الطاقة الحرارية في تشغيل توربينات توليد كهربي، يمكنها إمداد أكثر من 70000 منزل بالكهرباء خلال الليل، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقنية مستدامة، كما أن وحداتها التوليدية قابلة للتدوير بعد أكثر من خمسة عشر عاماً، وهناك العديد من التقنيات الأخرى كتقنية التخزين الكهربي عبر الهيدروجين الأخضر، وتقنية تبريد وتخزين الهواء، ومن ثم تحويله إلى غاز واستخدامه لتشغيل مولدات الطاقة الكهربائية، وكل هذه التقنيات وغيرها، يجب العمل بجد على توظيفها لحل مشكلة الكهرباء في بريطانيا.
6- عدم إغفال خطط التعافي الاقتصادي التي تحتاجها بريطانيا، وإدارك حجم الآثار الإيجابية الممكنة التي يمكن أن تعكسها تلك الخطط على قطاع الطاقة؛ فعلى سبيل المثال يجب تعزيز الصادارت والخبرات الطاقية وتبادل أوجه الاستثمار الدولي فيها بشكل يخدم الشركات البريطانية العاملة في صناعة النفط والغاز خارج الحدود؛ وذلك مثلاً على غرار مشروع (Offshore Cape Three Points) لدعم الطاقة الحرارية في غانا والذي تم بدعم من تمويل الصادرات البريطانية وباستثمارات بلغت 400 مليون دولار أمريكي، وهناك مشروع دعم مصفاة(سيترا) البحرينية باستثمارات زادت على 500 مليون جنيه استرليني، ومثل هذه المشروعات وغيرها في السنغال وموريتانيا والسواحل الشرقية لأفريقيا، من شأنها إنعاش الاقتصاد البريطاني وفتح سلاسل إمداد جديدة للطاقة ستساهم بكل تأكيد في عدم الاعتمادية البريطانية على سلاسل الإمداد التقليدية للنفط والغاز من روسيا والشرق الأوسط، وستعمل على تعزيز الأمن الطاقي وزيادة إسهام الصادرات في الناتج المحلي إلى ما فوق الــ40%، كما ستفتح آفاقاً جديدة أمام الشركات البريطانية لاستخراج الهيدروكربونات.
7- قيام الحكومة البريطانية بإحداث توازن فعال وحكيم بين الالتزام بمسار(صفر كربون)، وتلبية حاجات البريطانيين الضرورية من الكهرباء والطاقة من خلال عمليات النفط والغاز الاستخراجية في بحر الشمال، ولا يجب أبداً أن يتعارض هذان المساران؛ لأن استئناف منح التراخيص لشركات التنقيب مجدداً، ستكون نتائجه اقتصادياً أقل تكلفة وبيئياً أقل ضرراً مما لو تم الاستيراد من الخارج، كما أن مخرجات الشمال الأحفورية ستعزز أمن الطاقة لبريطانيا وستوفر عشرات الآلاف من الوظائف للبريطانيين، وفي كل الأحوال ستفي دوانينج ستريت بوعودها الخاصة باتفاقية المناخ، خاصة وأن منظومة الصناعة النفطية لدبها مسار ملزم بتقليص انبعاثات المنابع بنسبة 50% بحلول 2030، لذا فعلى مسئولي الطاقة مواصلة اكتشاف المزيد من مناطق الهيدروكربونات في بحر الشمال دون خوف أو تردد.
خلاصة
الحكومة البريطانية تستطيع ملء خزانات وقودها، لكن ليس من خلال التورط مجدداً في سياسات اقتصادية بعيدة عن الواقعية، وإنما عبر خطط متوازنة وحلول متعاضدة يساند بعضها بعضاً من أجل الخروج المتدرج من أزمات عنق الزجاجة التي فرضتها مستجدات الأوضاع داخلياً وخارجياً، على أن إنعاش قطاع الطاقة ومعه إنعاش الاقتصاد البريطاني ككل، سيظل كلاهما مرهوناً بمآلات الحرب الروسية الأوكرانية وبتداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى حين.