محطات وإنجازات تاريخية شهدتها الشراكة والصداقة والعلاقات الثنائية بين دولة الكويت والمملكة المتحدة منذ توقيع اتفاقية «الأنغلو – الكويتية» في العام 1899، والتي مثلت انطلاقة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين الصديقين ودونت عبر تلك العقود والسنوات سجلاً زاخراً في مجالات متعددة للتعاون والشراكة الاستراتيجية.
و إيماناً بأهمية هذا الحدث التاريخي قررت حكومتا البلدين الصديقين اعتبار 2024 «عام الشراكة الكويتية – البريطانية» بموجب الاتفاقية الموقعة في 29 أغسطس 2023 على هامش زيارة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه إلى المملكة المتحدة حينما كان سموه رعاه الله ولياً للعهد.
وبهذا الصدد أكد بيان مشترك صادر عن وزارتي الخارجية الكويتية والبريطانية أن العلاقة الوثيقة والمتجذرة بين البلدين الصديقين نمت بشكل مطرد على مدار 125 عاماً «شهدت خلالها دعماً وتعاوناً مشتركاً لمواجهة مجموعة من التحديات الإقليمية والعالمية وللدفاع عن قيمنا المشتركة وتعزيزها».
وأفاد البيان بأن عام الشراكة «الكويتية – البريطانية» يعتبر فرصة للتأمل في إنجازات السنوات الـ125 الماضية كالعلاقة الاستثمارية التاريخية التي تتجلى بوجود مكتب الاستثمار الكويتي منذ 70 عاماً في العاصمة البريطانية لندن والتعاون للدفاع عن سيادة الكويت ووحدة أراضيها خلال الحرب العراقية الإيرانية «حرب الخليج الأولى».
ولفت إلى سعي الطرفين الكويتي والبريطاني إلى تعزيز التعاون الحالي والمستقبلي من خلال الزيارات والفعاليات والمبادرات رفيعة المستوى مثل التبادلات الثقافية والبرامج التعليمية «إذ تلتزم الحكومتان بمواصلة توسيع وتعميق هذه الصداقة وضمان استمرار نمو العلاقات الخاصة بين الشعبين الصديقين لـ 125 عاماً أخرى».
وأشار البيان المشترك إلى أنه سيتم التركيز على التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والدفاع والأمن السيبراني والتعليم والثقافة والتنمية الدولية مبيناً أن الحوار الاستراتيجي الثاني على مستوى وزراء الخارجية والزيارات رفيعة المستوى الأخرى ستمثل فرصة لتعزيز التعاون في الملفات الدولية الرئيسية وللدفع قدماً بالتعاون حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية التي تدعم أمن وازدهار البلدين كذلك للاستعداد لمواجهة تحديات المستقبل واغتنام الفرص التي تظهر في عالمنا المتغير باستمرار.
وذكر البيان المشترك أن كلا البلدين ينتظران بفارغ الصبر إطلاق نظام تصريح السفر الإلكتروني (ETA) للمواطنين الكويتيين في شهر فبراير المقبل والذي سيؤدي إلى تعزيز العلاقات بين الشعبين من خلال تسهيل السفر إلى المملكة المتحدة أكثر من أي وقت مضى.
وأعرب البيان عن تطلع البلدين إلى البناء على التعاون القائم في مجال الأمن السيبراني والدفاع بما في ذلك عمل المملكة المتحدة للمساعدة في إنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني في الكويت وتعزيز العلاقات طويلة الأمد بين البلدين اللذين يجددان التزامهما بمواصلة تعزيز التعاون لمصلحة شعبيهما الصديقين والعالم أجمع.
ومن جانبه أعرب نائب وزير الخارجية السفير الشيخ جراح جابر الأحمد الصباح عن اعتزاز دولة الكويت بالعلاقات الاستثنائية والتاريخية التي تربطها مع المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال أيرلندا منوهاً بالبيان المشترك الصادر اليوم تدشيناً لعام الشراكة البريطانية احتفالا بمرور 125 عاماً على تأسيس العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأكد الشيخ جراح جابر الأحمد عزم البلدين للبناء على ما تم تحقيقه خلال الـ125 عاماً الماضية بهدف تعزيز أواصر التواصل الرسمية والشعبية بين البلدين الصديقين مشيراً في هذا السياق إلى تطلع الجانبين للفعاليات التي سيتم إطلاقها علاوة على الزيارات رفيعة المستوى التي ستقام على مدار العام.
وقال إن ذلك يأتي تنفيذاً لنتائج زيارة الدولة التاريخية التي قام بها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد إلى العاصمة البريطانية لندن في شهر أغسطس الماضي حينما كان سموه رعاه الله ولياً للعهد.
بدوره، رحب وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون بانطلاق احتفالات ذكرى مرور 125 عاما على الشراكة الكويتية – البريطانية، مستذكرا الخطاب الذي ألقاه في مجلس الأمة الكويتي عام 2011 حين زار الكويت أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء.
وخلال الاستقبال السنوي للسفراء العرب الذي أقامه مجلس حزب المحافظين للشرق الأوسط برعاية سفارة دولة الكويت في المملكة المتحدة، والذي تم خلاله الترحيب بانطلاق احتفالات ذكرى مرور 125 عاما على الشراكة الكويتية – البريطانية، تقدم كاميرون بجزيل الشكر لسفارة دولة الكويت لدى المملكة المتحدة وسفيرها بدر العوضي على رعاية الاستقبال السنوي للسفراء العرب في هذا العام.
وأكد على علاقات الصداقة التاريخية التي تربط بريطانيا بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكل دول الشرق الاوسط قائلا: إننا تمكنا «من تعزيز علاقاتنا مع دول الخليج في مجالات التجارة والدفاع ويتعين عمل المزيد وأعتقد أن مجلس حزب المحافظين للشرق الأوسط يؤدي دورا محوريا في جمع السياسيين البريطانيين مع قياديين من المنطقة».
من ناحيته صرح وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا والأمم المتحدة والممثل الخاص لرئيس الوزراء المعني بمنع العنف الجنسي في حالات النزاع اللورد طارق أحمد من ويمبلدون بأنه «يسعدني أن نحتفل بمرور 125 عاماً على الشراكة الكويتية – البريطانية».
وأعرب اللورد أحمد عن اعتزاز المملكة المتحدة بروابطها الوثيقة مع الكويت وأنها «متحمسة للفرصة التي يقدمها هذا العام الخاص للتأمل في تاريخنا المشترك وتعزيز التعاون المستقبلي في مجموعة من المجالات».
وقال إنه على المستوى الشخصي «فإنني أتطلع بشدة إلى زيارة الكويت الشهر المقبل بغرض الرئاسة المشتركة لمجموعة التوجيه المشتركة العشرين بين الكويت والمملكة المتحدة إلى جانب صديقي العزيز نائب وزير الخارجية الكويتي الشيخ جراح جابر الأحمد الصباح والمشاركة في المزيد من الفعاليات والمبادرات الـ (125) طوال عام 2024 ولدي ثقة تامة في أن علاقاتنا الاستثنائية ستستمر في النمو لقرن وربع قرن آخرين وما بعدهما».
ثمار العلاقات الكويتية البريطانية
تمثل الشراكة بين الكويت وبريطانيا ثماراً عديدة للبلدين الصديقين في مختلف المجالات.
ففي المجال الاقتصادي والتجاري، تبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين حوالي 2.5 مليار جنيه إسترليني، وتسعى بريطانيا لمضاعفتها إلى 4 مليارات كما تستثمر الكويت في العديد من المشاريع البريطانية الكبرى، مثل مطار هيثرو ومحطة لندن للطاقة النووية ومشروع السكك الحديدية السريعة.
في المجال الدفاعي والأمني، تتعاون البلدين في مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية، وتدعمان الجهود الرامية إلى حل الأزمات والنزاعات في المنطقة، وتشاركان في التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة.
وفي المجال الثقافي والتعليمي، تتمتع الكويت بمكانة خاصة في قلب البريطانيين، حيث تعتبر الكويت أول دولة عربية تنضم إلى برنامج البعثات الدراسية البريطانية (Chevening)، وتضم أكثر من 7000 طالب كويتي يدرسون في الجامعات البريطانية كما تتبادل البلدين الخبرات والمعارف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار والفنون والرياضة .
و تجسدت روابط الصداقة التاريخية بين البلدين الصديقين حتى شملت المجال الإنساني والتسامح الديني إذ افتتحت أربعة مراكز إسلامية في بريطانيا في مارس من العام الماضي بدعم سخي من محسني دولة الكويت وساهمت فيها الأمانة العامة للأوقاف الكويتية.
والمراكز الإسلامية التي تم افتتاحها هي مسجد شيفلد بمدينة شيفلد ومركز البيان في مدينة برادفورد ومركز الأمل في مدينة ليستر ومركز عبدالله المطوع في مدينة سوانزي فيما تهدف المراكز إلى المساهمة في ترسيخ القيم الإسلامية لدى مسلمي المملكة المتحدة.
ويسعى البلدان لتدشين حوارات استراتيجية عديدة ووضع خريطة طريق لمستقبل أكثر إشراقا للعلاقات الوثيقة بينهما استكمالا للمسيرة التاريخية من التعاون والعمل المشترك وترجمة للتطلعات الثنائية الطموحة وتحقيقا للرؤية المشتركة لقيادتي البلدين الصديقين نحو آفاق ومستقبل أرحب يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين .
وتلك المحطات والإنجازات تبقى شاهدا على أن العلاقات بين البلدين الصديقين على مدار أكثر من 13 عقدا كانت وستبقى راسخة متميزة ونموذجا فريدا في العلاقات بين الدول في ظل عالم متغير وتحديات كبيرة في شتى المجالات.
و إن الشراكة البريطانية الكويتية هي مثال حي على العلاقات الثنائية القوية والمتينة، التي تقوم على الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك والتعاون المثمر.
وفي الذكرى الـ125 لهذه الشراكة، تجدد الحكومتان والشعبان الصديقان التزامهما بمواصلة تطوير وتنمية هذه العلاقة في مختلف المجالات، والعمل سوياً من أجل تحقيق السلام والأمن والازدهار للمنطقة والعالم.
وتمثل هذه الشراكة أيضاً فرصة للتبادل الثقافي والتعليمي بين الشعبين، ولتعزيز فرص العمل والاستثمار بين القطاعين العام والخاص في البلدين، ولتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، ولدعم القضايا الإنسانية والخيرية في العالم.