السعودية
تصريحات كيربي تضع العلاقات الأمريكية السعودية على المحك، والرياض تقلب الطاولة وتضع النقاط فوق الحروف!!
نشر
منذ 10 أشهرفي
568 مشاهدة
By
Baidaبعد تصريحات مفاجئة وغير مسؤولة صدرت عن الإدارة الأمريكية ممثلة في(جون كيربي) المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في السادس من فبراير 2024، حاول خلالها توريط القيادة السعودية في صدام مع الشعوب العربية والإسلامية، عبر قوله بأن المملكة أبدت مراراً وتكراراً للإدارة الأمريكية الحالية بقيادة(جو بايدن)، استعدادها غير المشروط لإبرام صفقة سلام شامل، مباشرة مع إسرائيل بغض النظر عما يجري حالياً في غزة، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة وحاسمة من قبل الرياض تجاه التصريح الأمريكي المجافي للحقائق والمصداقية؛ حيث أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً شديد اللهجة، أوضحت خلاله موقفها الرسمي، ووضعت عبره النقاط فوق الحروف فيما يخص مستقبل المطالب الأمريكية الملحة بضرورة بدء علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، مؤكدة أن الموقف الرسمي السعودي بشأن القضية الفلسطينية، غير قابل للمساومة ومنطق المصلحة بين واشنطن والرياض، وأنه ليس من الوارد مطلقاً أن تتعاطى المملكة مع أي طرح دولي أو إقليمي يأتي على حساب هذه القضية المصيرية الماسة بعموم الشعوب العربية والإسلامية، أو على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في تقرير مصيره داخل دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
وأوضح البيان أن هذا هو الموقف السعودي الثابت والدائم تجاه القضية، ومن ثم، وجهت القيادة السعودية دعوتها الصريحة إلى الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، بضرورة إعلان اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية وبعاصمتها وحدودها المتفق عليهما، وكان البيان السعودي قد شدد على اشتراط إنهاء العدوان الحالي على قطاع غزة، بالتزامن مع انسحاب جميع القوات المعتدية من القطاع، قبل التفكير في إبرام أية صفقات أو علاقات بعيداً عن تحقيق السلام الشامل والعادل للجميع.
كتب: محسن حسن
تخبط أمريكي
وبالعودة إلى تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي(جون كيربي)، فإنه يشكل دليلاً صارخاً على حجم التخبط الأمريكي ضمن سياقات العلاقات الدولية والدبلوماسية، بل ضمن سياق الرؤية الاستراتيجية الدولية لدولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ أن مضمون التصريح وتوقيته وخلفياته وظلاله الدولية والإقليمية في ظل مأساوية الوضع الفلسطيني في قطاع غزة، وفي ظل الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل في حربها على القطاع، و التي خلفت حتى الآن قرابة الـ 30 ألف شهيد، جنباً إلى جنب، مع السجالات الخلافية الشديدة مؤخراً بين الإدارة الأمريكية ومنظمة الدول المصدرة للبترول(أوبك) و(أوبك+)، على خلفية خفض الإنتاج النفطي المدعوم سعودياً، وكذلك في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية، كل هذه الخلفيات والظلال القاتمة على المستوى الدولي والإقليمي، لم تشفع لمجلس الأمن القومي الأمريكي، كي يدقق في تصريحاته ويتدارس تبعاتها وتداعياتها قبل إطلاقها، وهو ما يوضح إلى أي حد أصبحت إدارة الرئيس(بايدن) الراهنة، بعيدة كل البعد عن إدراك الطبائع الحقيقية والميدانية لملامح ومقتضيات المشهد الاستراتيجي العالمي، وإلى أي حد يعجز البيت الأبيض في واشنطن، في إدارة العلاقات الخارجية مع الحلفاء والدول، وبشكل تنتفي معه الحكمة والروية والتأني في إطلاق الأحكام واستباق الاستنتاجات والمخرجات السياسية والأمنية والاستراتيجية والدبلوماسية.
وفي الحقيقة فإن تصريحاً غير مسؤول كهذا، يطرح تساؤلات كثيرة حول المتحكم في إدارة المشهد الأمريكي من داخل البيت الأبيض، وهل الرئيس بايدن لديه القدرة الفعلية على إعلاء المصالح الأمريكية على المستوى العالمي واتخاذ القرارات المناسبة في هذا الإطار؟ وهل تدرك الإدارة الأمريكية الراهنة، إلى أي مدى أصبحت سياسات ومواقف وردود أفعالها، محل انتقاد شبه كوني بين شعوب وأمم العالم؟ وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بكل ما تحمله من تناقضات ومشكلات معقدة بفعل ها الدور الأمريكي المرتبك؟ إنه التخبط الأمريكي وياله من تخبط يدعو للدهشة والتعجب!!
العجلة والمصلحة
وكعادتها في التعامل مع قضايا المنطقة والعالم، لا تفصل الإدارة الأمريكية الراهنة، وربما إدارات أخرى سابقة، بين مقتضيات الحال وملائمة الأوضاع من جهة، وإلحاح المصلحة الداخلية من جهة أخرى، ولذا فقد أصبح من المعتاد أن يقوم البيت الأبيض بإطلاق الكثير من بالونات الاختبار، تارة عبر إجراء عملي، وتارة أخرى عبر تصريح صحفي، وذلك بهدف استكشاف نوايا الأطراف والمنافسين وغيرهم تجاه القضايا الماسة بالمصالح الأمريكية، وهذه العجلة الأمريكية المتكررة في العقود الأخيرة، عادة ما تكلف الحكومات الأمريكية المتعاقبة ومعها الداخل الأمريكي بكل تأكيد، أثماناً باهظة من الخسائر الدبلوماسية والسياسية والاستراتيجية، والتي منها التهديد الراهن للمصالح المشتركة والعلاقات المتبادلة بين الرياض وواشنطن، وكون هذه العلاقة أصبحت على المحك الآن، بل صارت في مرمى التآكل والانكماش والتراجع، بفعل التعجل الأمريكي عموماً، وبفعل الرغبة في اختبار بالونته المنفوخة بحمى تأمين إسرائيل وجلب المزيد من حلفاء الدبلوماسية إليها على وجه الخصوص، في وقت ترتكب فيه ــ بمساعدة أمريكية منتقدة دولياً ـــ أسوأ جرائم البطش والإبادة بحق الفلسطينيين في غزة.
على أن هذه التركيبة المربكة والمعقدة والملغومة بين التعجل الأمريكي من جهة ومصالح الداخل من جهة ثانية، ربما تتضح من بعض الآراء الخبيرة بواقع الحال الإقليمية والدولية، ومنها رأي محلل الاستخبارات والمخاطر(ريان بول)، والذي أشار خلاله إلى وجود رغبة ملحة لدى إدارة الرئيس بايدن، في بناء تحالف سعودي ــ إسرائيلي يمكن من خلاله تكوين حلف شبيه بــ(حلف شمال الأطلسي) داخل نطاق الشرق الأوسط، بحيث يشكل هذا الحلف حصناً من الدول الصديقة، تكون خلاله واشنطن في القلب، والكرملين وبكين في العراء، وطهران في الأسفل، مع إطلاق شبكة دفاع جوي تغطي المنطقة بشكل متكامل، وهو ما لم تتحمس له الرياض، رغم إلحاح واشنطن، خاصة مع تنصل الحليف الأمريكي من تلبية مطالب الحليف السعودي، بشأن الضمانات الأمنية والاتفاقات الدفاعية وبرنامج المملكة السلمي للطاقة النووية، وهو ما أصيبت في ظله العلاقة المتبادلة بين الجانبين، بحالة من انعدام الثقة، وتباين الأولويات.
إدراك المخاطر
ويبدو من تعاطي الإدارة الأمريكية الراهن مع ملف العلاقات الدبلوماسية المنشودة من قبلها بين الرياض وتل أبيب، أنها لا تزال تغفل أو تتغافل عن ثقل المكانة الدينية والإسلامية للمملكة العربية السعودية، وأنها تمثل الوجهة اليومية والقبلة الدينية لأكثر من مليارى مسلم، يشكلون 25% تقريباً من سكان العالم، وأن هذه المكانة تحتم على القيادة السياسية في المملكة ـــ طوعاً لا كرهاً ــــ مراعاة القضايا الماسة والمصيرية ذات الوجهة الإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ووضع القدس الشرقية التي تمثل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومن ثم، فإن رسوخ وثقل المملكة من الناحية السياسية ومن الناحية الدينية على السواء، يستحيل معهما التجاوب مع المطالب الأمريكية دون تحقيق مكاسب واقعية ملموسة ومرضية على المستويين الرسمي والشعبي بخصوص هذه القضية، وهو ما لخصه البيان السعودي الأخير الذي ردت من خلاله وزارة الخارجية السعودية على التصريحات المتعجلة والمغلوطة لمجلس الأمن القومي الأمريكي، وإلا فما جدوى إطلاق علاقة دبلوماسية مع طرف يأبى التجاوب مع المجتمع الدولي في كل شيء، هل المطلوب هو الدخول في علاقات سلام شامل مفرغة من محتواها ومضامينها؟ أم الدخول في تلك العلاقات من أجل إنصاف العدالة وإقرار السلم والأمن الدوليين؟ في الحقيقة، ووفق ما هو واضح وجلي للعيان، فإن الإدارة الأمريكية تريد علاقات سلام أحادية المصلحة، تنعم فيها واشنطن وتل أبيب بزخم الإنجازات والتوسعات والمكاسب، في حين لا تحصل أطراف أخرى في فلسطين أو السعودية، على أية مكاسب وإنجازات وتوسعات مقابلة، وهو ما تدرك مخاطره وتبعاته ومآلاته القيادة السعودية جيداً.
المبادرة والحل
ولعل ما قدمته المملكة العربية السعودية في الثامن والعشرين من آذار/مارس عام 2002، فيما يُعرف بــ(مبادرة السلام العربية)، من بنود وتوصيات ومطالب تذلل كافة العقبات في طريق إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وتجنب المنطقة ويلات الصدام والحروب والنزاعات، وتمنح إسرائيل فرصة العيش بسلام مع كافة الحكومات والشعوب العربية والإسلامية في المنطقة، لعل هذه المبادرة، تحمل بين طياتها دليلاً دامغاً على ريادة السعودية في الإسهام بفاعلية في تحقيق ما ترمي إليه الإدارة الأمريكية الراهنة من مطالب وأطروحات تخص علاقات السلام مع تل أبيب، لكنها تؤكد في الوقت ذاته، أن أطروحات السلام ليست مجرد بالونات اختبار فارغة للنوايا والتوجهات، بقدر ما هي سعي حقيقي دؤوب وصادق في اتجاه التنفيذ والتطبيق لتلك الأطروحات؛ فقد شمل نص المبادرة، والذي حازت(أرابيسك لندن) نسخة منه، على مجموعة من البنود الواضحة والحاسمة في حل القضية الفلسطينية، وهي البنود التي كان قد أعلنها ولي العهد السعودي(عبدالله بن عبد العزيز) خلال مؤتمر القمة العربي في الدورة الرابعة عشر في بيروت؛ ووافقه عليها جميع الأطراف العربية، حيث تم التأكيد خلالها نصاً على ما تم إقراره عربياً في القمة الطارئة عام 1996 في القاهرة، من( أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية، يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده إسرائيل)، وقد طالبت الوثيقة إسرائيل بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967، تنفيذاً لقرارى مجلس الأمن 242، 338 المعززين بقرارات مدريد 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة تكون عاصمتها القدس الشرقية، مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقة طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل، واعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا.
نعم ولكن!!
وانطلاقاً من هذه الريادة السعودية في طرح مبادرات السلام الشامل والعادل مع الجانب الإسرائيلي، فإن الإشكالية التي تغيب عن كثيرين، وتضعها القيادة السعودية نصب الأعين، لا تتمثل في فتح علاقة دبلوماسية مع الجانب الإسرائيلي، لأن الحكمة تقول(نعم .. نريد السلام، ولكننا لا نريده سلاماً منقوصاً ومجحفاً)، ولأن طلب السلام مع تل أبيب أمر يمكن أن تستسيغه سياقات كثيرة بما فيها السياقات الدينية والتشريعية الإسلامية، وإنما تتمثل الإشكالية المشار إليها، في فتح علاقة دبلوماسية يمكن توظيفها أمريكياً وإسرائيلياً في ضرب الثوابت العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية التي تحتل مكان الصدارة في قلوب وأفئدة الجماهير العربية والإسلامية داخل المملكة وخارجها؛ ولذلك يتفق البيت السعودي رسمياً وشعبياً بمن فيهم خادم الحرمين الشريفين الملك(سلمان بن عبد العزيز) وولي العهد(محمد بن سلمان) وجميع أولي الأمر بالمملكة، على أن علاقات السلام المجانية، مع بقاء الوضع الفلسطيني على ما هو عليه من التردي والمأساوية، تنطوي على مخاطرة كبيرة قد ينجم عنها خرق للدبلوماسية العربية والإسلامية من قبل إسرائيل، إلى جانب ما تنطوي عليه من هدر للحقوق الفلسطينية أرضاً وشعباً وقضية، خاصة مع تواتر الحكومات اليمينية على السلطة في تل أبيب، وهو ما يجعل من فرص تحقيق السلام الشامل وفق رؤية قانونية عادلة ومباشرة وحقيقية، أمراً صعب المنال.
ومن جهة أخرى، فإن استسهال الإدارة الأمريكية الحالية إمكانية التوافق الدبلوماسي بين الرياض وتل أبيب، مع إصرارها على تسطيح وتمويع أية مكاسب استراتيجية معتبرة لصالح المملكة العربية السعودية، لا يتماشى مطلقاً مع ديناميكية السياسة الدولية و ارتباطاتها وعلاقاتها الخارجية، والتي تنبني أول ما تنبني على تحقيق مصالح متبادلة ووازنة بين الأطراف، كما لا تتماشى أيضاً، مع حجم النضج السياسي والاستراتيجي الذي تتمتع به القيادة السعودية الجديدة، في ظل تعاظم مسؤولياتها وتبعاتها وطموحاتها تجاه قضاياها وقضايا المنطقة.
الضارة النافعة
وباسترجاع التصريح الأمريكي المفاجيء حول استعداد المملكة للتعاطي الدبلوماسي مع إسرائيل دون قيد أو شرط، ورغم كون هذا التصريح جانبه الصواب في كل شيء تقريباً، إلا أنه يظل موصوفاً بالمثل القائل(رب ضارة نافعة)، وذلك لأنه لفت انظار القيادة السعودية بقوة، إلى أهمية إفراغ بالونات اختبار الولايات المتحدة الأمريكية المتكررة، وخاصة فيما يتعلق بهذه المسألة، كما أتاحت هذه التصريحات فيما أتاحت، إجهاز الرياض على البقية الباقية من تعنت الإدارة الأمريكية الراهنة تجاه الكثير من المطالب السعودية، وذلك من خلال الخروج من حيز التلميح والإشارة، إلى حيز التصريح والعبارة الواضحة فيما يخص تفنيد استنتاجات واشنطن بشأن فهمها حقيقة الموقف السعودي تجاه المطالب الأمريكية، ومن جهة أخرى، أتاح الخطأ الأمريكي الساذج على لسان(جون كيرببي)، خروج المملكة العربية السعودية من نطاق عدم اليقين المسيطر على مخيلة وأذهان الشعوب العربية والإسلامية، تجاه حقيقة الموقف السعودي من المطالب الأمريكية والإسرائيلية، خاصة مع عدم تكافؤ ردود الفعل العربية والإسلامية مع مأساوية الحرب الطاحنة في غزة، ليأتي رد الفعل السعودي الأخير عبر بيان وزارة الخارجية، مصححاً للظنون، ومطيباً للخواطر، ومحققاً للتوازن الاستراتيجي المطلوب ضمن سياق زمني حرج ومتأزم على مستوى المشاعر والمواجيد العربية المتألمة لما يتعرض له المستضعفون في فلسطين والقطاع المنكوب في غزة.
ويضاف إلى ما سبق، ما حققه رد الفعل السعودي، من إنصاف كبير ومتوقع لمسار القضية الفلسطينية، وحرمة الدفاع عن القدس الشرقية، في وقت ظن فيه كثيرون على مستوى السياسة والاستراتيجية، أن المستقبل ليس في صالح القضية ولا في صالح أبنائها، حيث أعاد البيان السعودي، زخم القضية إلى الواجهة، بشكل وازن ومدروس، ومواكب لثقل المملكة كوجهة حاضنة لقضايا الإسلام والمسلمين. وأخيراً، تفوقت(الضارة النافعة) في هذا السياق، عندما عززت من استقلالية المملكة في اتخاذ القرارات الحاسمة، وضبط بوصلة العنجهية الأمريكية في التعامل مع مطالبها، وترويض مسارات جديدة لتحقيق تلك المطالب، عبر التلميح بوجود بدائل معلومة، لا يفرض أصحابها منطقهم المتسلط على منطق ومصالح الآخرين.
ماذا في المستقبل؟
وأخيراً، لابد من طرح هذا السؤال فيما يخص العلاقات المتبادلة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تجب الإشارة إلى أن السمة الإجمالية والثابتة لهذه العلاقة، هو كونها علاقة مصالح، وعلاقات المصالح ضمن سياقات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، لا تعرف القطيعة الدائمة أو الانصهار الدائم، ومن ثم، ستظل علاقة واشنطن بالرياض قائمة وفاعلة في العديد من الصعد والمستويات المحلية والإقليمية والدولية، كما ستظل مثار مد وجزر في مستويات أخرى موازية، ولكن تتبقى نقطة في غاية الأهمية هنا، هي أن التماهي في الميول والأهداف والمصالح بين تل أبيب وواشنطن، سيظل يلقي بظلاله السلبية الدائمة على علاقات الرياض/واشنطن، خاصة إذا ظلت القضية الفلسطينية بلا حل جذري وحقيقي، ولذا، فعلى الجميع إدراك هذه الحقيقة، والعمل على تسريع وتيرة الحلول المستدامة للصراع العربي الإسرائيلي، حتى يمكن أن تنفتح العلاقات السعودية/الأمريكية على مستويات عميقة ومستقرة من الشراكة الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، وهو ما يجب على إدارة الرئيس بايدن استيعابه وإدراكه، قبل فوات الأوان، وإلا، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين، ستدخل في نطاق السكون والتلاشي حتى قدوم إدارة أمريكية جديدة تستطيع إنعاشها.