شهدت الإمارات العربية المتحدة فيضانات غير مسبوقة في تاريخها، حيث هطلت أمطار غزيرة تعادل حجم الأمطار التي تهطل في لندن خلال خمسة أشهر.
حكومة الإمارات والتخطيط بعيد المدى
حكومة الإمارات وعلى الرغم من هول المشاهد القادمة في دبي وأبو ظبي والشارقة، إلا أنها كانت حاضرة ومنذ اللحظة الأولى في التصدي لهذه الفيضانات التي لم تشهدها منذ عقود وتحديداً منذ 1949.
وذلك من خلال استجابة كشفت التخطيط بعيد المدى والممنهج لكل مفاصل الحياة في الإمارات، ومنها الكوارث الطبيعية.
فالفيضانات، وإن لم تحصل كل عام، إلا أن الإجراءات الاحترازية والتعامل باحترافية كبيرة، كشف ماهية هذا العمل على مدى سنوات.
فخلال 12 ساعة فقط تم استعادة جميع الخدمات والأمور اللوجستية في كل أنحاء الإمارات، وهذا ما أشار إليه نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم بعد نجاح المؤسسات والهيئات الإمارتية في التصدي للفيضانات: “الأزمات تظهر معادن الدول والمجتمعات”.
دور كبير للتصدي للفيضانات
التصدي للفيضانات وإدارة العمل بين مفاصل الدولة المختلفة، وضمان استمرار عملها، كشف الدور العملاق الذي اضطلعت به الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في التنسيق بين مختلف الجهات، بداية من التحذير من حالة عدم الاستقرار الجوي، وما أعقبها من إجراءات لوجستية على الأرض كان لها الدور الأكبر في عدم وقوع أي ضحية خلال الفيضانات.
فتحولت الدراسة عن بعد حفاظاً على سلامة الطلاب والمدرسين، وتم إعلان الاستنفار الكامل في المؤسسات الحكومية، وتفعيل خطط الطوارئ وتعزيز الكوادر البشرية في غرف العمليات.
وليس انتهاءً عند شركات الطاقة وتوزيعها، بل كانت الإمارات بطواقمها في الدفاع المدني ومنظومات الإسعاف على أهبة الاستعداد.
اقرأ أيضًا: المملكة العربية السعودية على موعد مع أمطار وسيول وانقطاع في التيار الكهربائي
عمليات الإنقاذ والإغاثة
التعامل مع الحالة الجوية والفيضانات التي وقعت في مدن الإمارات كشف حجم العمليات التي نفذتها فرق الإنقاذ والإغاثة المكلفة بتعامل مع آثار التي خلفها المنخفض الجوي، حيث نجح “الإسعاف الوطني” بالحرس الوطني في دولة الإمارات مثلاً في تلبية 1426 بلاغاً تلقاها من مختلف أنحاء الإمارات الشمالية تطلبت استجابات فورية من طواقمه.
مسجلاً ارتفاعاً بلغ 91% في عدد البلاغات المستلمة مقارنةً بمتوسط الأيام العادية، في حين استقبل مول دبي آلاف السياح وضيوف الإمارات والمواطنين الذي التجئوا إليه خوفاً من الفيضانات.
كما نفذ المركز الوطني للبحث والإنقاذ بالحرس الوطني وبالتنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية والشركاء الإستراتيجيين، 136 عملية بحث وإنقاذ وإجلاء طبي تضمنت 65 عملية إخلاء طبي، و71 عملية تنسيق بحث وإنقاذ، حيث تم إجلاء المحاصرين إلى مكان آمن، ونقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي الرعاية الطبية، فيما سجلت لقطة إنسانية عندما قام شرطي إماراتي بإنقاذ قطة متشبثة بإحدى السيارات.
اقرأ أيضًا: تطبيق أنواء: معرفة حالة الطقس للسعوديين بتقنيات تفاعلية عالمية ودقيقة
استنفار الإمارات الكامل خلال الفيضان
منذ اللحظة الأولى للفيضانات التي ضربت الإمارات أعلنت القيادة الإماراتية الاستنفار الكامل حيث أكد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن سلامة المواطنين والمقيمين وأمنهم تأتي على رأس أولويات حكومة الإمارات.
موجهاً الجهات المعنية بسرعة العمل على دراسة حالة البنية التحتية في مختلف مناطق الدولة وحصر الأضرار التي سببتها الأمطار الغزيرة القياسية التي شهدتها البلاد وتقديم الدعم اللازم إلى جميع الأسر المتضررة من آثار الأمطار في مختلف مناطق الدولة، وبنقل الأسر المتضررة إلى مواقع آمنة، والأمر لم يتوقف عند حدوث الفيضانات بل تعداه إلى متابعة آثاره من حيث التوجيه بإعادة دراسة البنية التحتية وسد جميع الثغرات التي حصلت.
كما قام المسؤولون الإماراتيون على اختلاف مستوياتهم بمتابعة أمور المواطنين في المناطق والأماكن التي تم إنقاذهم إليها، ما عكس حرصاً كبيراً على سلامتهم ومتابعة شؤونهم حتى يعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
ولذلك كان لافتاً المستوى الكبير الذي أظهرته المؤسسات الإماراتية في التعامل مع آثار الفيضانات فلم تنقطع الكهرباء والماء والاتصالات، ولم تتأثر لا البنية التحتية أو الفوقية.
إلا أن الشوارع والساحات تأثرت من حجم المياه الكبير الذي ارتفع عن منسوبه الطبيعي، ما سبب تعطلاً جزئياً وارتباكاً للحركة في بعض مدن دولة الإمارات، في حين أن المطارات قامت بجدولة رحلاتها خلال 12 ساعة كما حصل في مطار دبي، بينما عادت الحياة بعد 24 ساعة كما كانت.
اقرأ أيضًا: التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات في ميزان المصالح المشتركة والأمن الخليجي.. الرأي والرأي الآخر!!
النقطة الأهم
أما النقطة الأكثر إشراقاً خلال التعامل مع الفيضانات، كان التضامن المجتمعي في الذي عكس الوعي المترسخ ضمن السكان، وهذا ظهر جليًا من خلال المبادرات الفردية لدعم الجهود الحكومية في إزالة العقبات وتسهيل عمليات تصريف المياه.
فقد أبدت شركات تطوير عقاري في إمارة دبي مثلاً، بالتنسيق مع دائرة الأراضي والأملاك، التزامها بتقديم خدمات للقاطنين المتضررين من المنخفض الجوي.
وتتضمن الخدمات التي ستقدمها هذه الشركات توفير سكن، وتقديم المواد الغذائية، وخدمات تعقيم ضد الحشرات، والخدمات الأمنية للأبنية السكنية.
بالإضافة إلى تسهيل عودة السكان لوحداتهم العقارية، وتوفير خدمات التنظيف الداخلية، ومتابعة أي أضرار وقعت ضمن فترة التأمين والمساعدة على تقييم الأخطار والأضرار داخل الوحدات العقارية.
فيما أعلنت جمعية الشارقة التعاونية، تقديم صناديق غذائية للأسر والمجتمعات المتضرّرة وتزويدهم بالمواد الغذائية الأساسية.
اقرأ أيضًا: تحالف بريكس الاقتصادي وتطلعات المملكة العربية السعودية.. الرهانات الصعبة والحلول البديلة!!
الإمارات ومعادن الرجال
ختاماً، يقول المثل الدارج أن الأزمات تظهر معادن الرجال، وفي الأزمة الجوية الفيضانية التي تعرضت لها الإمارات العربية المتحدة، ظهرت الدولة المتكاملة والمتعاضدة المتكافلة، التي استطاعت بفضل قيادتها الحكيمة وتفاني أبنائها وعشق المقيمين فيها وزوارها، إبراز صورة الدولة العصرية المتقدمة المتطورة القادرة على تجاوز المحن والأزمات بساعات وليس أيام، وأن النموذج الإماراتي بات نموذجاً عالمياً في بناء الدولة وقيادتها.