في ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، تقف بريطانيا على عتبة جديدة تسعى من خلالها إلى إعادة صياغة علاقاتها التجارية.
ومن جديد، توجه أنظارها نحو منطقة الخليج، وتطلق محادثاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، لتفتح باباً على فرص جديدة في ظل واقع عالمي معقد.
وتبدو هذه المفاوضات ليست مجرد خطوة نحو تعزيز التجارة، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تحديد ملامح العلاقات الاقتصادية الدولية لبريطانيا في عصر ما بعد “بريكست”.
اقرأ أيضاً: بريكست المتهم الأول بتراجع الاقتصاد البريطاني.. فما هي أكثر القطاعات تأثراً؟
فقد أظهرت المعطيات الأخيرة أن بريطانيا تعتزم قريباً بدء محادثات حول اتفاقية تجارة حرة جديدة مع ست دول خليجية، في خطوة تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية مع دول خارج الاتحاد الأوروبي.
وستبدأ هذه المحادثات في العاصمة السعودية الرياض، حيث ستجتمع وزيرة التجارة البريطانية “آن-ماري تريفيليان” (Anne-Marie Trevelyan) مع ممثلين عن مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، عمان، الكويت، والبحرين.
وفي حديثها حول الأمر، أعربت “تريفيليان” عن حماستها لفتح أسواق جديدة أمام الشركات البريطانية، كبيرة كانت أم صغيرة، ودعم أكثر من 10000 شركة صغيرة ومتوسطة الحجم تقوم حالياً بتصدير منتجاتها إلى المنطقة.
وتتوقع بريطانيا أن تساهم الاتفاقية المحتملة مع دول الخليج في خفض أو إزالة الرسوم الجمركية على الصادرات الغذائية والمشروبات البريطانية إلى المنطقة، والتي بلغت قيمتها 625 مليون جنيه إسترليني العام الماضي.
اقرأ أيضاً: قطاع الموانيء البريطاني قوة اقتصادية محفوفة بمخاطر المرحلة وشراسة المنافسين.. ماذا عن موانيء الخليج؟
ورغم كون احتياطيات النفط والغاز كبيرة في الخليج، فهي لن تكون جزءاً من هذه الاتفاقية، بل فقط سيكون تصنيع المعدات وسلاسل التوريد المرتبطة بها ضمن المحادثات.
إذ تأمل وزارة التجارة البريطانية أن تساعد هذه المحادثات دول الخليج في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد الكبير على النفط، مع السعي لإزالة الرسوم الجمركية على منتجات مثل أجزاء توربينات الرياح البريطانية وغيرها.
ومع بدء هذه المحادثات، ستكون الجولة الرابعة التي تطلقها بريطانيا هذا العام بعد مفاوضات سابقة مع الهند وكندا والمكسيك، حيث تسعى لندن إلى إبرام اتفاقيات جديدة تعزز مكانتها التجارية بعد “بريكست”.
اقرا أيضاً: التجارب النووية البريطانية الحقيقة المخفية ومطالبات بالاعتراف والتعويض
يذكر أن العلاقات بين بريطانيا ودول الخليج تعود إلى القرن التاسع عشر، عندما سعت الإمبراطورية البريطانية إلى تأمين مصالحها في المنطقة من خلال مجموعة من الاتفاقيات مع الشيوخ المحليين.
ففي عام 1820، وُقعت “المعاهدة العامة للسلام” مع شيوخ الساحل المتصالح (الإمارات العربية المتحدة حالياً)، ما وضع الأساس لعلاقات بريطانية طويلة الأمد في الخليج.
لاحقاً لذلك، شكلت معاهدة “الحماية” لعام 1899 بين بريطانيا والكويت نقطة تحول أخرى، إذ أصبحت بريطانيا القوة الحامية للكويت، وفي السنوات التالية، وقعت بريطانيا اتفاقيات مماثلة مع البحرين وقطر وعمان، وتعهدت من خلالها بحماية هذه الدول من التهديدات الخارجية بمقابل التحكم البريطاني بالقضايا المرتبطة بالعلاقات الخارجية لهذه الدول.
استمرت هذه العلاقة حتى منتصف القرن العشرين، عندما بدأت بريطانيا في تقليص وجودها العسكري في المنطقة، وفي عام 1971، انسحبت بريطانيا من “شرق السويس”، ما أدى إلى استقلال الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، لكن العلاقات السياسية والاقتصادية بين بريطانيا ودول الخليج ظلت قوية حتى بعد انتهاء تلك المرحلة.
وفي ظل حكومة المحافظين التي قادها رئيس الوزراء بوريس جونسون وبعده ريشي سوناك، شهدت العلاقات بين بريطانيا ودول الخليج تعزيزاً ملحوظاً، حيث سعت بريطانيا إلى تعويض الخسائر الاقتصادية التي ترتبت على خروجها من الاتحاد الأوروبي، ووضعت حكومة المحافظين تعزيز العلاقات التجارية مع دول الخليج على رأس أولوياتها، خاصة في مجالات الاستثمار والطاقة النظيفة والدفاع.
اقرأ أيضاً: سباق زعامة حزب المحافظين: رؤى جديدة وأفكار مبتكرة تشعل الانتخابات
واستناداً لهذا، أطلقت بريطانيا عدة جولات من المفاوضات التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي بهدف توقيع اتفاقية تجارة حرة، تعزز من فرص الوصول إلى الأسواق الخليجية المربحة وتزيد من تدفق الاستثمارات الخليجية إلى بريطانيا.
وما بدء على زمن حكومة المحافظين يستمر الآن مع الحكومة الجديدة لحزب العمال، الأمر الذي يعد مؤشراً على أن ما يجري هو استراتيجية ثابتة المبادئ والتوجهات، وهدفها تنويع الشراكات التجارية وتعزيز العلاقات مع الاقتصادات الناشئة والواعدة في المنطقة.
اقرا أيضاً: نتائج الانتخابات المحلية 2024: حزب العمال يتفوق على حزب المحافظين