انهارت آمال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وفريقه الرئاسي حول المؤتمر السنوي لحزب العمال، فكانت طموحات القائد البريطاني أن يشهد المؤتمر احتفالاً ضخماً بعودة حزب العمال إلى السلطة، بعد 14 من حكم منافسه حزب المحافظين، وكانت حكومة العمال تنتظر المؤتمر لاعتماد الآلية المناسبة للتعامل مع المشاكل التي تواجه بريطانيا.
لكن عوضاً عما سبق وجد ستارمر نفسه أمام مواجهة كبرى، مختصرها ضغوط بسبب قراره الحد من الدعم المقدم على وقود التدفئة لكبار السن، وقبول تمويل تبرعات الملابس والضيافة الخاصة بالحزب.
ووجدت حكومة العمال نفسها مضطرة للدفاع عن قرارها أمام ملايين المتقاعدين بسبب خفض مدفوعات الوقود، وتوجب على ستارمر الإجابة على سؤال هامشي حوله الضغط الشعبي إلى محوري، وهو لماذا قبل مع وزراء آخرين في حزب العمال أموالاً من أحد المتبرعين لشراء ملابسهم واستضافة الحفلات الخاصة بالحزب.
ليبدأ المؤتمر المنعقد في مدينة “ليفربول” (Liverpool) شمال المملكة المتحدة، بدعوة من رئيس واحدة من أكبر النقابات العمالية في بريطانيا، بإلغاء قرار ستارمر بالحد من مدفوعات الوقود لكبار السن، ووصف القيادي في حزب العمال أن الخطوة قاسية.
وفي السياق كان لـ”شارون جراهام” (Sharon Graham)، التي تتقلد منصب الأمين العام لاتحاد “يونايت” (Unite)، موقف متسق، إذ دعت ستارمر للاعتراف بخطئه وحثته للبحث عن الوسائل التي بإمكانها مساعدة المتقاعدين على تغطية فواتيرهم الباهظة، لأنهم غير قادرين على دفع هذه الأثمان الباهظة والتي تتزايد يوماً بعد يوم، وتجدر الإشارة إلى أن اتحاد يونايت يضم في عضويته أكثر من مليون منتسب لحزب العمال في بريطانيا وأيرلندا.
وأضافت جراهام أنّ رفع الدعم عن فواتير الوقود الخاصة بالمتقاعدين، سياسة قاسية، ويتوجب على ستارمر التراجع عنها، ووصفت القرار بأنه دفع للبلاد نحو مستوى ثان للتقشف، معلقة على نتائج الانتخابات التي أوصلت حزب العمال إلى الحكم، بأنّ الناس عندما صوتوا للحزب كانوا ينشدون التغيير، وهم في أمس الحاجة لرؤيته.
بدورها ردت نائبة رئيس مجلس الوزراء “أنجلا راينر” (Angela Rayner) على المطالبات الحالية بدعوة للتفكير العقلاني، وقالت: ” دعوني أكون صريحة، لا يمكننا أن نتمنى اختفاء مشاكلنا من تلقاء ذاتها، بل يجب علينا أن نواجهها”.
ووجهت دعوة صريحة بإعطاء المؤتمر فرصة حتى يسهم في تحسن الأمور، وقالت: “يمكن للأمور أن تصبح أفضل في حال اتخذتها الخيارات الصحيحة، ونحن حالياً في المؤتمر بصدد العمل على إرساء قواعد عودة بريطانيا إلى مسار النمو.”
لكن تطمينات نائبة رئيس مجلس الوزراء عكسها، رئيس الحكومة ستارمر، الذي قال إنه اضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة، بعد توليه زمام السلطة بسبب الثقب الأسود الذي خلفته حكومة المحافظين في المالية العامة بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني اي حوالي 29 مليون دولار، وهو ما لن تعترف به الحكومة السابقة، وتعتبره محض افتراء.
بدورها صرحت وزيرة التعليم “بريجيت فيليبسون” (Bridget Phillipson) بأنّ القرار غير متوقع مؤيدة موقف “جراهام”، لكنها دعمت الحكومة بقولها أنها كانت مضطرة لمثل هذا الإجراء، ومن المنتظر أن تحقق الحكومة وفراً بعد القرار تقدّر قيمته بـ 1.3 مليار جنيه إسترليني للعام المالي 2024-2025، لتكون القيمة في السنوات المقبلة 1.5 مليار جنيه إسترليني سنوياً الأمر الذي سيحفز النمو الاقتصادي.
بالتزامن مع هذه الضغوطات، وجدت حكومة العمال نفسها في مواجهة مع الجمهور الغاضب، بسبب قبول ستارمر وعدد من كبار وزرائه، تبرعات ثمن الملابس واستضافة الحفلات والسفر إلى الخارج من أحد المانحين، ودافعت نائبة الرئيس عن التبرعات بقولها أنهم التزموا بالقواعد وأعلنوا عن قبولهم تلقي هذه الأموال، تبع ذلك تصريح صادر عن مكتب رئيس الوزراء بأنه ووزيرة ماليته “راشيل ريفز” (Rachel Reeves) لن يقبلوا أية تبرعات كثمن للملابس بعد الآن.
من جانب آخر قالت نائبة رئيس الوزراء البريطاني “أنجيلا راينر” إنّ الحكومة ستطرح تشريعاً جديداً الشهر المقبل، سيتم بموجبه منح العمال المزيد من الحقوق.
ويأتي التشريع في وقت تحاول فيه الحكومة الموازنة بين المطالبات العمالية، وأصحاب الأعمال الذين يشعرون بالقلق نتيجة التغييرات الحاصلة، ومن مكونات التشريع المنتظر، إيقاف عقود العمل التي لا توضح الحد الأدنى لساعات العمل، ولا تعوض إلا عن المناوبات، إضافة لمنع ممارسات الفصل وإعادة التوظيف.
وفي السياق تعهد حزب العمال، أن يجعل إجازات الأمومة والإجازات المرضية والحماية من الفصل التعسفي، سارية منذ اليوم الأول للعمل، لكن فترات الاختبار ستظل قائمة.
ومن المتوقع أن يصمد حزب العمال أمام هجمة الانتقادات الحالية نظراً لامتلاكه أغلبية برلمانية، على أمل أن يخلق التحكم بالإنفاق ظروفاً استثمارية أفضل تساعد على النمو، لاسيما أنّ الاستحقاق الحقيقي أمام حكومة حزب العمال لم ينجز بعد، فإعلان ميزانية الحكومة في أكتوبر سيكون ضربة مؤلمة للجميع بحسب توقعات الخبراء.