على حافة المياه التي تفصل بين ضفتي أوروبا والمملكة المتحدة، تتشابك الأزمات والمصالح في مشهد معقد، «القنال الإنجليزي»، ذاك الشريان الضيق الذي كان يوماً بوابة للتواصل التجاري، بات اليوم مسرحاً لعبور آلاف البشر في رحلات محفوفة بالمخاطر.
في ظل هذا الواقع المتغير، تتلاقى فرنسا وألمانيا في دعوة هادئة لكنها مُلحة، تسعى من خلالها إلى إعادة النظر في سياسات الهجرة واللجوء، محاولةً بناء جسر جديد بين ضفتي أوروبا المنقسمة بفعل «بريكست».
وفي التفاصيل، دعت ألمانيا وفرنسا إلى إبرام اتفاقية أوروبية شاملة مع المملكة المتحدة بشأن الهجرة واللجوء، مستفيدةً من النهج “البناء” الذي يتبناه حزب العمال البريطاني في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وقد أُرسلت رسالة مشتركة من وزير الداخلية الألمانية نانسي فيزر (Nancy Faeser) ونظيرها الفرنسي السابق جيرالد دارمانان (Gérald Darmanin) إلى مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي، يلفا يوهانسون (Ylva Johansson)، تشير إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثر بشكل خطير على «تناسق السياسات المتعلقة بالهجرة».
اقرأ أيضاً: الهجرة تعود إلى قمة الأجندة السياسية وتعرقل خطط القادة البريطانيين
وأكدت الرسالة أن غياب الأحكام التي تنظم تدفق الأشخاص بين المملكة المتحدة ومنطقة شنغن قد «ساهم بوضوح في ديناميكيات التدفقات غير النظامية وفي تعريض حياة الناس الذين يستخدمون هذا الطريق للخطر في القنال الإنجليزي (Channel) -وهو الممر المائي الذي يربط بريطانيا وفرنسا-، وبحر الشمال (North Sea)».
ودعا دارمانان وفيزر المفوضية الأوروبية إلى تقديم «تفويض تفاوضي» بسرعة لبدء محادثات مع المملكة المتحدة حول قضايا اللجوء والهجرة، فيما أشارت الرسالة، التي كانت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) أول من نقلها، إلى أن «تولي حكومة بريطانية جديدة مهامها وتعبيرها عن نية التعاون البناء مع الاتحاد الأوروبي يبدو لنا فرصة لتحقيق تقدم ملموس في هذا الملف».
وكانت فرنسا تسعى منذ فترة طويلة إلى إبرام اتفاقية أوروبية شاملة بشأن اللجوء مع المملكة المتحدة، لكن ألمانيا لم تُبدِ مثل هذا الدعم القوي حتى الآن.
وفي عام 2021، دعا دارمانان إلى معاهدة هجرة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ولكنه لم يتمكن من الحصول على دعم من الدول الأعضاء الأخرى.
وعلى الرغم من الدعم من قِبل أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تبدو احتمالية التوصل إلى اتفاق حول الهجرة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في المستقبل القريب ضئيلة، فيما يأتي ذلك في ظل انشغال المفوضية الأوروبية بتحولها إلى فريق جديد من المفوضين، الذين من المتوقع أن يتولوا مهامهم بحلول الأول من كانون الأول/ديسمبر.
اقرأ أيضاً: لأول مرة في حملته الانتخابية: زعيم حزب العمال يتعهد بتقليص الهجرة إلى بريطانيا
وقد رفضت المفوضية الأوروبية، التي سبق أن رفضت مقترحات للتفاوض على اتفاقية مع المملكة المتحدة بشأن الهجرة، التعليق على الرسالة، وعندما طُلب من المتحدث باسم المفوضية التعليق على ما إذا كانت المفوضية قد غيرت موقفها من تصريحات يوهانسون السابقة، اكتفى بالقول إن «مواقفنا بشأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معروفة جيداً»، دون مزيد من التوضيح، مؤكداً أن «المفوضية تعمل بشكل كامل» وستصدر رداً على الرسالة «في الوقت المناسب للجهات المعنية».
ختاماً، يشار أنه من المتوقع عقد قمة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في الربيع المقبل بعد تغيير القيادة في مؤسسات الاتحاد الرئيسية.
اقرا أيضاً: بريطانيا ستشهد زيادة سكانية بـ6.1 مليون بسبب الهجرة بحلول 2036