يعد مسلسل Joan دراما جريمة حديثة على ITV، يروي قصة جوان هانينجتون، سارقة المجوهرات الشهيرة في المملكة المتحدة، يتناول المسلسل رحلة جوان من كونها أماً وربّة منزل إلى إحدى الشخصيات البارزة في عالم الجريمة بلندن في الثمانينيات.
المسلسل مستوحى من مذكرات جوان هانينجتون التي نُشرت عام 2002، والتي تحمل عنوان «أنا ما أنا عليه: القصة الحقيقية لأشهر لص مجوهرات في بريطانيا»، وقد التقت كاتبة سيناريو المسلسل آنا سايمون مع هانينجتون قبل كتابة المسلسل من أجل الحصول على إذن لسرد قصتها، وعمل الثنائي معاً على صياغة القصة للشاشة.
وبدأت هذه القصة الحقيقية المثيرة في ثمانينيات القرن العشرين، حيث كانت لندن مسرحاً فريداً متميزاً بالأفكار التاتشرية، وكانت البلاد تعاني من آثار حرب فوكلاند عام 1982، وإضرابات عمال المناجم المستمرة، وارتفاع معدلات البطالة، فلم يكن من الغريب أن تشهد تلك الفترة تفشي الجريمة والعصابات.
كانت جوان هانينجتون، التي عُرِفت لاحقاً بلقب «العرابة» لشبكة لندن الإجرامية، إحدى أشهر لصوص المجوهرات في العالم، تجسد قصتها الانتقال من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، إذ وُلدت عام 1957 في عائلة من الطبقة العاملة الأيرلندية، كواحدة من ستة أطفال في شرق لندن، وعانت هانينجتون في طفولتها من عنف وإساءة جسدية وعاطفية، ما دفعها إلى الحلم بحياة أفضل.
تتذكر في الرابعة من عمرها كيف أهدتها خالتها سواراً من الحجر الزجاجي الذي كان يشبه الماس، وهو ما غيّر مسار حياتها، قالت جوان لصحيفة بريطانية: «لأول مرة، كان لدي شيء جميل يعود لي وحدي، حلمت بامتلاك المال والماس، كانت تلك الهدية هي الإلهام الذي دفعني إلى طريق الثراء… بطرق غير قانونية».
لكن بداية رحلتها الإجرامية لم تكن إلا بعد أن هربت من والدها، الذي حاول ذات مرة إغراقها وإخوتها في الحمام، وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وبعد أربع سنوات، تزوجت من السارق المسلح المدان، راي بافي، وأنجبا ابنة نُقِلت فيما بعد دار رعاية، كان هذا الحدث الشرارة التي أطلقت مسيرتها الإجرامية، حيث بدأت في كسب المال لاستعادة ابنتها من خلال تزوير المراجع للحصول على وظيفة في متجر مجوهرات فاخر في غرب لندن.
وقالت جوان للصحيفة: «كنت عازمة على استعادة ديبي، لكنني كنت بحاجة إلى المال ومكان للعيش، وفي أحد الأيام، أُرسلت إلى الخزنة في الجزء الخلفي من المتجر، حيث لم تكن كاميرات المراقبة تعمل، لجمع بعض الماس السائب، فتحت الخزنة ورأيت صواني من الأحجار البيضاء اللامعة تتلألأ أمامي، أدركت أن فرصة جني بعض المال الفوري واستعادة حضانة ديبي كانت تحدق في وجهي مباشرة».
كانت حيلة هانينجتون تتلخص في ابتلاع الماس، بعد أن تبتلع الحجارة الثمينة، كانت تستخدم ملين زيت الزيتون قبل تعقيمها في وعاء من الجين، بسرعة، تمكنت هانينجتون من تكوين ثروة خفية تقدر بـ 800 ألف جنيه إسترليني، وكانت هذه مجرد البداية، كما كتبت في كتابها الصادر عام 2002 بعنوان «أنا ما أنا عليه: القصة الحقيقية لأشهر سارقة مجوهرات في بريطانيا»: «أفضل بنك في العالم هو معدتك، أفضل صندوق أمانات تم اختراعه».
وبعد فترة قصيرة من ابتلاعها أول حفنة من الماس، شرعت هانينجتون في بيعها عبر شبكة من التجار، من بينهم رونالد توماس هانينجتون، لم يكن رونالد مجرد تاجر تحف، بل كان أيضاً لصاً ماهراً، لم يقتصر الأمر على زواجهما، بل أصبحا أفضل شركاء الجريمة في لندن، تحت اسم «بويسي» الذي لعبه فرانك ديلان في فيلم جوان، علم رونالد هانينجتون كيفية التمييز بين التحف الأصلية والمزيفة في المزادات، محولاً شقتها الصغيرة إلى مساحة مليئة باللوحات الزيتية الثمينة وكراسي الاسترخاء الفاخرة.
كتبت هانينجتون في كتابها:«لقد كان بين أيدينا عدة ملايين من الدولارات، وهذا ليس مبلغاً كبيراً من المال في هذا العصر، ولا شيء من تجارة المخدرات، ولكن في الثمانينيات كنا من بين هؤلاء المجرمين الأوائل الذين أصبحوا من أصحاب الملايين دون أن يتمكنوا من فعل ذلك».
من خلال العمل عن كثب مع بويسي، كانت سارقة المجوهرات تتنكر كثيراً، وأحياناً ما كانت تتحدث بلهجة أمريكية وترتدي معطفاً من الفرو، لارتكاب جرائمها – ولكن على الرغم من كسب الملايين، والإنفاق ببذخ على رحلات إلى نيويورك وريتز، لم تتمكن من استعادة حضانة ديبي.
كانت جوان هانينجتون تعيش حياة مزدوجة، وكانت تزور محلات المجوهرات كثيراً وتطلب إلقاء نظرة على خواتم الماس، قبل أن تحصل على نسخة رخيصة مصنوعة بناءً على الذاكرة، ثم تعود إلى منضدة المتجر، وتتظاهر بالعطاس وتستبدل المجوهرات الحقيقية بنسخة مزيفة، وقد ضمن عدم وجود كاميرات مراقبة في ذلك ضمان نجاح خطتها، وعلى الرغم من أن أحد مساعدي المتجر ضبطها ذات مرة وهي تحمل أربعة خواتم في فمها، فقد سارت الأمور في الغالب دون أي عقبات.
حتى عندما ألقي القبض عليها في عام 1980 وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، لم يكن ذلك بسبب مغامراتها المرتبطة بالماس، بل بسبب حيازتها دفتر شيكات مسروق، وبعد أن حُكم عليها بالسجن لمدة 30 شهراً في سجن هولواي، تزوجت سريعاُ من بويسي في مكتب تسجيل أكتون قبل أن تدخل السجن، لكن الوقت الذي قضته في السجن لم يثنيها عن طموحاتها، وعند إطلاق سراحها، حصلت على وظيفة أخرى في متجر مجوهرات حيث استهلكت 20 خاتماً آخر من الماس وأساور بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني.
«كان زواجي من بويسي هو ما كان يُفترض أن تكون عليه فترة الثمانينيات»، هكذا صرحت هانينجتون وقالت: «السيارات السريعة، والحياة السريعة، ومايكل جاكسون في صدارة قوائم الأغاني، ومسلسل دالاس وديناستي على شاشة التلفزيون، لقد أحببت بريق تلك الفترة، لم تكلف شقتنا سوى 27110 جنيه إسترليني من المجلس، ومع ذلك كان لدينا حوالي مليون جنيه إسترليني من المعدات هناك».
كانت حياة تحسد عليها، ومع ذلك لم يشك أحد حول جوان هانينجتون في أي شيء، لكن ولادة ابنها بيني – الموسيقي الذي يُعرف الآن باسم بيني بانكس – في عام 1987 أشعلت شرارة التغيير، والتي حفزتها أيضاً وفاة حبيبها بويسي، الذي قُتل عندما فشلت محاولة إشعال النار في منزل للمطالبة بأموال التأمين. في ذلك الوقت، كانت هانينجتون تبلغ من العمر 33 عاماُ، غيرت مسارها وضد كل الصعاب – والحوادث بما في ذلك اللقاءات القريبة مع رجال السلاح ومدمني الهيروين – هربت من عالم الجريمة دون أن يلحق بها أذى وانتقلت إلى إزلنجتون لقلب منازل المجلس السابق، وكتبت في كتابها: «لا أشعر بالذنب تجاه جرائمي، لقد رأيت نفسي سيدة أعمال وأماً، لقد فعلت ذلك لضمان حياة جيدة لي ولأسرتي».