بعد أقل من عام ونصف من حكم الملك تشارلز الثالث، كان على النظام الملكي أن يتعامل مع تحديين شخصيين خطيرين، أولهما عندما تم الإعلان عن إصابة الملك تشارلز بالسرطان في شباط من عام 2024، ثم بعده بشهر واحد الإعلان عن إصابة أميرة ويلز كيت ميدلتون أيضاً بالسرطان، كل منهما أُصيب بنوع مختلف من السرطان، وتم الإعلان عن تلقيهما العلاج فوراً.
وعلى الرغم من أن هذه الأزمة “أزمة المرض” صعبة للغاية، إلا أنه هناك هناك قضية واحدة قائمة منذ فترة طويلة وهي قضية الدوقات الصعبة الابن الأصغر للملك تشارلز، الأمير هاري، دوق ساسكس، والشقيق الأصغر للملك تشارلز، الأمير أندرو، دوق يورك.
في التفاصيل، في الساعات التي سبقت إعلان تشخيصه، اتصل الملك هاتفياً بجميع أفراد عائلته، بما في ذلك دوق ودوقة ساسكس في كاليفورنيا، وخطط الابن الأصغر للملك تشارلز على الفور للسفر إلى لندن لزيارة والده، إذ وصل في وقت الغداء في اليوم التالي للإعلان.
في ذلك الوقت كان يتيعين على الملك تشارلز والملكة المغادرة إلى ساندرينجهام، لكنه أجّل مغادرته حتى يتمكن من رؤية ابنه في كلارنس هاوس، لم يكن اللقاء طويلاً، والأهم أن القصر الملكي لم ينشر أي شي عن هذه الزيارة، وكذلك دوق ودوقة ساسكس، ونظراً للأحاديث الطويلة التي كان يجب التحدث بها مع دوق ساسكس الأمير هاري، ابتداءً من خروجه من العائلة المالكة والهجمات الإعلامية والقصص التي تحدث بها للإعلام على مدار ثلاث سنوات، إلا أن هذا اللقاء لم يتعدى الابتسامات اللطيفة، والتعبيرات عن الحب والرحمة، وعلى الرغم أن الأصدقاء من الجانب الملكي حذروا من المبالغة في تفسير زيارة الأمير هاري، إلا أن ذلك دليل على عدم الخسارة الكاملة له.
ولكن في قصر باكنغهام، من المقبول أن الملك تشارلز منفتح على نوع ما من التقارب مع دوق ودوقة ساسكس، لأنه بالكاد رأى حفيديه المقيمين في الولايات المتحدة آرتشي وليليبت، اللذين يبلغان من العمر الآن خمس سنوات وثلاث سنوات، وأي نوع من التشخيصات الطبية الخطيرة يميل إلى تركيز العقل على مرور الوقت، بينما يقول أحد أعضاء طاقم العمل السابقين: “لقد كان لدى الملك تشارلز دائماً نظام صارم بشأن عدم إثارة المشاكل مع عائلة ساسكس، وقد يتطلب الأمر جهداً كبيراً لعدم القيام بأي شيء عندما تتعرض للنقد.”
ولكن عندما عاد الأمير هاري إلى بريطانيا في مايو/أيار، بمفرده، لحضور فعاليات إحياء الذكرى السنوية العاشرة لواحدة من أعظم إنجازاته، وهي دورة ألعاب إنفكتوس، لم يكن هناك لقاء مع الملك تشارلز، بينما أشار القصر إلى برنامج الملك للأحداث العامة ورفض التعليق أكثر من ذلك، وقال متحدث باسم الأمير هاري: “لقد كان من المفترض أن يكون هناك برنامج للأحداث العامة”.
في وقتها عرض الملك تشارلز على الأمير هاري الإقامة في قصر باكنغهام، إلا أن دوق ساسكس رفض، وفضّل الإقامة في فندق، ويقول أحد أعضاء طاقم الملك تشارلز: “لقد قيل لنا إن ذلك كان لأسباب أمنية، لست متأكداً من أنه يمكنك الوصول إلى مكان أكثر أماناً من القصر، وأوضحت مصادر مقربة من دوق ودوقة ساسكس أن أي إقامة في القصر ستكون تحت مرمى الإعلام، وبدون “تدابير أمنية” مناسبة، لذلك سيكون من الأكثر أماناً الإقامة في فندق مجهول، ثم تبين لاحقا أن الملك وجد الوقت خلال زيارة هاري للقاء لاعب كرة القدم ديفيد بيكهام في منزله في هايجروف لإجراء مناقشة خاصة حول مؤسسة الملك.
بدا هذا الموقف حزيناً ومحيراً، إذ كانت الأسباب الحقيقية وراء البعد الواضح بين الأب والابن، على الرغم من عدم ذكرها من قبل أي من الجانبين، والسبب الأول يتعلق بالمال، فقد أوضح الأمير هاري عدة مرات أن لائحة الاتهام التي رفعها ضد العائلة المالكة لا تتضمن أي تسوية مالية.
“لقد أدركت مدى سخافة هذا الرجل الذي كان في منتصف الثلاثينيات من عمره عندما قطع والدي علاقاته به”، هذا ما كتبه في سيرته الذاتية “سبير”، ولكن أبي لم يكن مجرد والدي، بل كان رئيسي ومصرفي ومراقبي المالي وحارس محفظتي طيلة حياتي البالغة”، كما تحدث في وقت سابق عن سعيه إلى “حوار لائق” مع والده وشقيقه، إذ قال لكاتبة العمود في صحيفة ميل بريوني جوردون: “ما أريده حقاً هو بعض المساءلة، واعتذار لزوجتي”.
وثانياً، إذا بدأ الملك تشارلز في محادثات ثنائية مع ابنه الأصغر، فقد يعرض للخطر علاقته بابنه الأكبر، الذي كان يعاني في الربيع الماضي من هموم شخصية أكثر صعوبة بعد تشخيص إصابة أميرة ويلز بالسرطان، وأي محادثات تشمل الملك لابد أن تشمل الأمير ويليام، والآن ليس الوقت المناسب لذلك.
فضلاً عن ذلك، كان من بين فريق الملك أولئك الذين كانت تعاملاتهم السابقة مع دوق ساسكس بمثابة تذكير لهم بالمقولة القديمة التي تقول إن أي عمل صالح لا يمر دون عقاب، وكان الأمير هاري قد انتقد بشدة طاقم والده في مذكراته.
ومع ذلك، حاول بعض هؤلاء المسؤولين تقديم دعم إضافي لكل من الدوق والدوقة خلال وجودهما الملكي القصير، يتذكر أحد الموظفين من تلك الأيام: “كان كلايف، الذي أصبح الآن السير كلايف ألديرتون، السكرتير الخاص للملك تشارلز، هو من قال إنه إذا تمكنا من إصلاح هذا الأمر لصالح هاري، فسنكون بذلك قد وضعنا مخططاً لأبناء أصغر سناً في المستقبل لأجيال قادمة، وقال كلايف: “هذان الاثنان بحاجة إلى المزيد من الموظفين”، وأضاف “لقد قمنا بإيفاد أشخاص من قصر كلارنس، أشخاص من ذوي الخبرة، لمساعدتهم، لكن الدوقة ميغان لم تثق بهم، لقد عُرضت على هذين الشخصين موارد كبيرة، ثم قالا لاحقاً إنهما لم يُعرض عليهما أي مساعدة، وكان هذا خطأً فادحاً”.
وثالثاً، والأكثر إقناعاً، يتعلق الأمر بنقطة دستورية، فمنذ عام 2020، كان الأمير هاري يقاتل الحكومة البريطانية بشأن قرار خفض مستوى أمنه بعد رحيله عن المملكة المتحدة والحياة الملكية. وفي عام 2023، خسر دعوى قضائية تطعن في رفض وزارة الداخلية السماح له بدفع تكاليف الحماية التي توفرها له الشرطة أثناء وجوده في المملكة المتحدة.
وفي فبراير/شباط من هذا العام خسر دعوى أخرى تفيد بأن خفض مستوى الأمن كان غير قانوني، وأعلنت المحكمة العليا في حكم مكون من 52 صفحة أن قرار وزارة الداخلية كان “سليماً من الناحية القانونية”، وقد تقدم محامو الأمير بطلب استئناف، وفي إبريل/نيسان رفضت المحكمة العليا هذا الطلب، وبعد ثلاث هزائم في هذا الموضوع، ومع تقديرات بفواتير قانونية تتجاوز المليون جنيه إسترليني، تقدم الدوق ومحاموه بطلب إلى محكمة الاستئناف، وفي يونيو/حزيران، منحته المحكمة الإذن بالاستئناف (رغم أنه خسر طلباً آخر بتسريع هذه القضية).
وكان دوق ساسكس قد رفع العديد من الدعاوى القانونية الأخرى ضد وسائل الإعلام، لكن هذا الخلاف المستمر مع الحكومة كان يمثل مشكلة خاصة بالنسبة للملك باعتباره “نبع العدالة”، وهذا الوضع الغريب أن دوق ساسكس يرفع دعاوة قضائية ضد وزراء الملك تشارلز.
إضافة إلى موقف مذكور في كتاب “سبير” الأمير هاري غير صحيح، ذكر فيه أن روايته عن إخباره بوفاة الملكة الأم كانت ملفقة، فقد رسم هاري صورة حزينة لتلميذ وحيد في مدرسة إيتون يخبره خادمه بوفاة جدته الكبرى المحبوبة: “لقد تلقيت المكالمة، أتمنى لو أستطيع أن أتذكر من كان صوته على الطرف الآخر: أحد رجال البلاط، كما أعتقد، أتذكر أن ذلك كان قبل عيد الفصح مباشرة، وكان الطقس مشرقاً ودافئاً، وكان الضوء يتسلل عبر نافذتي، وكان مليئاً بالألوان الزاهية، “صاحبة السمو الملكي، لقد توفيت الملكة الأم”.
وكان هاري في سويسرا يتزلج مع والده وشقيقه عندما تلقى الثلاثة الخبر، “لذا تخيل الموقف”، كما يقول المستشار، “إذا تحدث الأمير مع والده عن قضيته في المحكمة ثم وصف تلك المحادثة لاحقاً أو، الأسوأ من ذلك، محادثة لم تكن دقيقة، ستكون هناك مشاكل قانونية خطيرة”.
ولا يعد هذا الموقف افتراضياً لأنه يحدث أن يعترف الملك أو الأمير بالخطأ لتنتهي المشكلة، لأنه كما يستذكر المستشار الإحراج الشديد الذي لحق بقضية بول بوريل في المحكمة عام 2002، فقد كان كبير الخدم الملكي السابق يمثل للمحاكمة بتهمة السرقة بعد أن اكتشفت الشرطة مئات من الأشياء التي تخص الأميرة الراحلة ديانا، أميرة ويلز، في منزله، وبعد أن تذكرت الملكة بشكل خاص أن بوريل أخبرها أنه كان يعتني بأغراض ديانا للحفاظ عليها، أعلنت النيابة العامة أن قضيتها “لم تعد قابلة للاستمرار” وتم التخلي عن المحاكمة.
يقول المستشار: “كل ما سيحتاجه هاري هو أن يقول: “لقد قال والدي هذا” وقد تنهار القضية في المحكمة، وهذا ليس محرجاً فحسب للملك تشارلز، بل إنه أمر سيئ، إنه يشكل خطراً قانونياً ودستورياً عميقاً عندما تكون رئيساً للدولة والسلطة القضائية وحكومة جلالة الملك”.
ومع مرور العام، ظهرت بعض المؤشرات على أن موقف الدوق تجاه النظام الملكي قد يتحسن، وأصرت مصادر قريبة جداً من دوق ودوقة ساسكس على أن أي تقارير تفيد بأن الدوق أو الدوقة قد يكتبان مذكرات جديدة “خالية من الحقيقة”، وأكد أطراف من العائلة المالكة أنه إذا بقي الأمير هاري مشغولاً بنشر الكتب الخاصة والتقاضي مقابلها المال، فإن التقارب سيكون صعب.
في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول احتفل الأمير هاري بعيد ميلاده الأربعين في كاليفورنيا، وفي الأسابيع السابقة، كانت هناك تقارير تفيد بأن الملك كان يطلب المشورة من الزعماء الدينيين حول كيفية التوصل إلى نوع من الهدنة، لكن مثل هذه التكهنات قوبلت بقمع شديد من قِبَل المقربين من الملك، قبل فترة قريبة، نحو نهاية شهر أغسطس/آب، عاد الأمير هاري إلى المملكة المتحدة في زيارة قصيرة وغير معلنة لحضور جنازة اللورد فيلوز، عمه من زواجه، كان روبرت فيلوز السكرتير الخاص للملكة الراحلة خلال الفترة الأكثر ظلمة في تسعينيات القرن العشرين.
والمشكلة الأخرى مع الدوق الصعب، إذ كانت تعاملات الملك تشارلز مع “الدوق الصعب” الآخر، الأمير أندرو، قد خففت هذا العام بسبب حقيقة أن زوجة الأخير السابقة سارة فيرغسون كانت تعاني من مرض السرطان، وكانت تعيش لبعض الوقت في منزله الكبير في ملكية وندسور، رويال لودج، ومع ذلك، لم يتمكن الملك ومسؤوليه من رؤية أي سبب يمنع دوق يورك من الانتقال إلى كوخ فروجمور، وهو العقار الأصغر بكثير داخل طوق أمن وندسور الذي أخلاه دوق ودوقة ساسكس.
كل هذه المعلومات مقتبسة من كتاب تشارلز الثالث: الملك الجديد، البلاط الجديد، القصة الداخلية بقلم روبرت هاردمان، المعني بكتابة موضوعات وكتب عن العائلة المالكة.