في عالم السياسة، حيث تتداخل الآراء وتتصارع المواقف، قد تكون العريضة الإلكترونية أكثر من مجرد صيحة احتجاج، قد تكون، كما حدث في بريطانيا مؤخراً، صوتاً جماعياً يطالب بالتغيير، وأداة قوية لزعزعة الثقة في حكومةٍ ما.
مع أكثر من 2.8 مليون توقيع، أصبحت العريضة المطالبة بإعادة الانتخابات العامة التي أُجريت في تموز/يوليو 2024 واحدة من أكبر العرائض التي شهدتها المملكة المتحدة في العقد الأخير، فهذه العريضة، التي ستُناقش في قاعة وستمنستر (Westminster Hall) في 6 كانون الثاني/يناير 2024، قد لا تُسهم في تغيير النظام الانتخابي، لكنها أثارت نقاشات حادة في البرلمان البريطاني وأعادت إلى الواجهة التوترات بين حزب المحافظين وحزب العمال.
وبينما يتبادل السياسيون التهم والاتهامات، يبقى السؤال: هل ستكون هذه العريضة بداية لتحول سياسي جديد أم مجرد حدث عابر في سجلات السياسة البريطانية؟
والعريضة التي نتحدث عنها، هي ثالث أكثر العرائض الإلكترونية شعبية منذ عام 2010، وعلى الرغم من أن المناقشة لن تؤدي إلى إعادة الانتخابات، فقد استُخدمت من قبل زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادينوش، كوسيلة لتوجيه الانتقاد لزعيم حزب العمال كير ستارمر، خلال جلسة أسئلة رئيس الوزراء.
وأشارت بادينوش إلى أن العريضة تمثل «مليوني شخص يطالبونه بالرحيل» بعد أول ميزانية لحزب العمال منذ عام 2010، في وقت كانت الحكومة قد أعلنت فيه عن زيادات في الضرائب.
وفي إطار ردّه على ذلك، قال كير ستارمر إن انتخابات يوليو كانت «عريضة ضخمة بحد ذاتها»، مشيراً إلى فوز حزب العمال بـ 411 مقعداً في مجلس العموم وحصوله على 9.7 مليون صوت، وأن العريضة لا تتعدى كونها تعبيراً عن استياء صغير مقارنةً بالنتائج التي أظهرتها الانتخابات الأخيرة.
اقرأ أيضاً: زعيمة جديدة للمحافظين: «أنا كابوس حزب العمال»!
أطلقت العريضة من قبل صاحب حانة في منطقة ويست ميدلاندز (West Midlands)، الذي كان قد صوت لصالح حزب المحافظين في الانتخابات العامة في يوليو الماضي، وتتّهم العريضة حزب العمال بالتراجع عن وعوده التي قدمها قبل الانتخابات، وجرى الترويج لهذه العريضة من قبل زعيم حزب الإصلاح البريطاني، نايجل فاراج، ورجل الأعمال التكنولوجي إيلون ماسك، ما ساعد على زيادة التوقيعات بشكل ملحوظ.
وستقوم لجنة العرائض، التي تأسست عام 2015 لمراجعة العرائض عبر موقع البرلمان، بمناقشة العريضة في 6 يناير من العام القادم 2025، وسيفتتح النقاش النائب عن حزب الليبراليين الديمقراطيين، جيمي ستون، الذي يرأس اللجنة، على أن ترسل الحكومة وزيراً للرد على المناقشات.
ورغم أنه لن يتم التصويت على العريضة في نهاية الجلسة، إلا أن الحكومة ستكون ملزمة بإصدار رد مكتوب نظراً لحصول العريضة على أكثر من 10000 توقيع.
خلال جلسة أسئلة رئيس الوزراء، استخدمت كيمي بادينوش العريضة لتوجيه انتقادات للحكومة، مشيرة إلى أن زيادات التأمين الوطني على أصحاب الأعمال التي أعلن عنها في ميزانية الشهر الماضي والتي أثارت قلقاً في صفوف رجال الأعمال حول إمكانية تقليص الوظائف، ورغم أن هذا الرفع لم يكن في برنامج حزب العمال الانتخابي، فإن الوزراء يبررون الحاجة إليه لسد «الفجوة المالية» الناتجة عن الحكومة السابقة.
اقرأ أيضاً: آلاف المتقاعدين مهددون وحزب العمال يخسر تصويت الوقود
وفيما يخص العريضة، قال رئيس الوزراء: «لقد كان لدينا عريضة ضخمة في 4 يوليو، استغرقت سنوات لتحويل حزبنا من حزب احتجاج إلى حزب حكم»، مضيفاً أن الانتقادات التي يواجهها حزب العمال لا تنطوي على أي بديل حقيقي للسياسات الضريبية والمالية.
ختاماً، من الملاحظ أن العرائض الإلكترونية على موقع البرلمان البريطاني قد شهدت زيادة في شعبيتها في السنوات الأخيرة، حيث كانت العريضة الأكثر شعبية في 2019 هي تلك التي طالبت بإلغاء «بريكست»، وجمعت 6.1 مليون توقيع، كما شهدت العرائض الأخرى دعوات للاستفتاء الثاني بشأن بريكست في 2016.