بتحليل لباحثين في الآثار في جامعة أكسفورد البريطانية، تم التوصل إلى أدلة تشير إلى وجود مذبحة بشرية لآكل لحوم البشر، وذلك بعد اكتشاف منذ خمسين عاماً عظام تعود لإطفال منذ العصر البرونزي في حقبة ما قبل التاريخ في مدينة سومرست.
وقال علماء الآثار أن هذه الحفرة في سومرست احتوت عظام بشرية، فقد قتل عدد من الأشخاص في وقت ما بين 2200 قبل الميلاد و 2000 قبل الميلاد، وألقيت جثثهم في بئر عميق في تشارترهاوس وارين بالقرب من مضيق شيدر، كما تشير الدراسات أن هؤلاء الأشخاص الذين قتلوا تم آكل لحومهم.
وفقاً لريك شولتينغ، المؤلف الرئيسي وأستاذ علم الآثار العلمية وما قبل التاريخ في جامعة أكسفورد، تعد هذه المذبحة أكثر أشكال العنف في بريطانيا في العصر البرونزي المبكر أو في أي وقت آخر في عصور ما قبل التاريخ البريطانية.
وقال: “بالنسبة للعصر البرونزي المبكر في بريطانيا، لدينا القليل جدا من الأدلة على العنف، يركز فهمنا للفترة في الغالب على التجارة والتبادل: كيف صنع الناس الفخار وكيف قاموا بالزراعة، وكيف دفنوا موتاهم”، وأضاف “لم تكن هناك نقاشات حقيقية حول الحرب أو العنف واسع النطاق في تلك الفترة، وذلك بسبب نقص الأدلة فقط”.
كما أكد شولتينغ أن لديهم الكثير من الهياكل العظمية التي تعود إلى تلك الحقبة المبكرة، إلا أنه لم يكن معتاد أكل لحوم البشر آنذاك، كما أشار إلى أنه فحص العظام هو وزملاءه ليكتشفوا أن معظم العظام تعود إلى الأطفال، وهذا يعني وجود مجتمع بأكمله تم القضاء عليه.
كما أشار شولتينغ أن الجناة استخدموا العنف لأرهاب المجتمع الذي ينتمون إليه، وكان لسلخ فروة الرأس وذبح الضحايا وأكلهم تأثير مخيف مماثل، وتشير عظام اليد والأقدام على وجود علامات المضغ عليها، ومثل ما ذكر سابقاً، لم يكن هذا التصرف معتادً في ذلك الوقت، وبالتالي تعد هذه الجزرة حدثاً استثنائياً مخيفاً.
وتشير الأدلة إلى وقع هذه الجزرة بحق 37 رجل وامرأة وطفل، وتعرضت جماجم الضحايا للتهشم؛ بسبب الضربات القاتلة، مما يدل على عنف مفرط، كما تم قطع عظام الساق والذراع بعد الوفاة، إذ يبدو أن الجناة استهدفوا استخراج نخاع العظام.
كما أشار الباحثون أن اكتشاف تشارترهاوس وارن غيّر الطريقة التي يفكر بها باحثي التاريخ والآثار حول هذه المنطقة، فبعد أن كان ينصب التركيز على التجارة والتبادل، ساعد اكتشاف المذبحة على تسليط الضوء على الجانب العنيف والمظلم من تلك الحقبة التاريخية لبريطانية، وهذا ما يدل على أن العنف موجود منذ العصور ما قبل التاريخ وليس جديد.
وفي مطلع الحديث عن تاريخ بريطانيا القديم، اكتشف أيضاً علماء الآثار في ساحل مقاطعة يوركشاير شمال شرقي إنجلترا، المجمع الأقدم لإنتاج الملح، وقد شيّد الموقع الذي يرجع تاريخه إلى نحو ستة آلاف عام المرفق بقمائن (نوع من الأفران البدائية) أو مواقد لصنع الملح، في زمن سابق على ما اعتقد قبل الاكتشاف الأخير بأنه أقدم “مصنع” ملح في بريطانيا، بحوالي ألفين و400 عام.
يشير الاكتشاف الذي شهدته يوركشاير إلى أن المزارعين الأوائل في بريطانيا استطاعوا إنتاج كمية من الغذاء أكبر كثيراً من الاعتقاد السائد، ما من شأنه إفساح المجال أمام حدوث زيادة سريعة في عدد السكان، ومن ثم تسريع عجلة التغيير الاجتماعي والسياسي في ذلك المجتمع.
كما اكتشف علماء الآثار الذين يتولون أعمال تنقيب قرب بلدة لوفتوس Loftus في يوركشاير، حتى الآن ثلاثة قمائن لصناعة ملح الطعام، مع قطع متكشرة من عشرات الأواني الخزفية التي يعتقد أنها استخدمت في عملية الإنتاج.
تعد عملية البحث عن الآثار عملية مجهدة ولكن تكشف لنا الكثير عن الماضي البعيد، ولا تزال أعمال البحث عن الآثار تبهرنا في كل مرة تكتشف فيها شيء جديد.
اقرأ أيضاً: الطقس القاسي أكبر تهديد لتراث وآثار المملكة المتحدة