طور علماء بريطانيون نماذج خلايا جذعية بشرية تسهم في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي، وهو ما يوفر فرصة مهمة لفهم أصول اضطرابات العمود الفقري والجهاز العصبي.
ويؤكد العلماء أن هذا الإنجاز سيساهم في فهم أسباب التشوهات الخلقية التي تؤثر على العمود الفقري والحبل الشوكي، وحالات تدهور الأقراص الفقرية التي تسبب آلام مزمنة في الظهر، وتمهيد الطريق للتدخلات العلاجية المحتملة.
ولأول مرة، تمكن علماء من معهد فرانسيس كريك من تطوير خلايا من الحبل الشوكي في المختبر، حيث درسوا أجنة الدجاج في محاولة لفهم الآلية الطبيعية لتكون الحبل الشوكي، وقاموا بمقارنة النتائج مع نتائج أجنة الفئران والقرود، وهو ما مكنهم من تحديد توقيت تطور الحبل الشوكي والإشارات الجزيئية المعنية فيه.
وأكمل العلماء العمل في مجال إنشاء حبل شوكي من خلال تطوير تسلسل من الإشارات الكيميائية لتحفيز الخلايا الجذعية البشرية على تكوين نسيج الحبل الشوكي، لتكون النتيجة لذلك هيكلاً مصغراً شبيهاً بالساق وبطول يتراوح بين 1-2 مليمتر، ويحتوي نسيجاً عصبياً نامياً وخلايا جذعية عظمية.
ولاحقاً تم تنظيم الأنسجة بطريقة تحاكي التطور الجنيني البشري المبكر، من خلال إصدار إشارات كيميائية تنظم الأنسجة المحيطة بنسيج الحبل الشوكي كما يحدث في الجنين الطبيعي.
الحبل الشوكي هو نسيج حيوي يلعب دوراً حيوياً في تطور الأجنة، ومسؤول عن توجيه تكوين العمود الفقري والجهاز العصبي، الأمر الذي بإمكانه علاج المعوقات التي كانت تمنع العلماء من دراسة تطور الإنسان والاضطرابات التي ترتبط بهذا التطور.
وفي وقت سابق تمكن علماء من جامعة ماري كوين البريطانية من إنشاء خلايا جذعية لفئران قادرة على النمو لفأر حي باستخدام مادة وراثية، حيث حقنوا هذه الخلايا في أجنة الفئران النامية، وهو ما أظهر لديها سمات جسدية تحمل خصائص من الخلايا الجذعية المستخلصة، مثل بقع الفراء السوداء والعينين الداكنتين.
كما تمكن علماء بريطانيون، قبل النجاح في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي، من تحفيز الحبال الشوكية المكسورة لدى فئران تجارب على النمو من جديد، حتى استطاعت المشي بعد أن كانت عاجزة عن الحركة، وهو ما زاد آمال المصابين بالشلل في استعادة القدرة على المشي، مع اتجاه العلماء لاختبار هذه التجارب على القرود، ومن بعدها على البشر، وصولاً لدمج هذه الآلية العلاجية في علاج تحفيز الحبل الشوكي بنبضات كهربائية، لعلاج الكسور الكلية في الحبل الشوكي وليس الكلي.
وفي سياق متصل اكتشف علماء أعصاب يابانيون أن الحبل الشوكي قادر على تكوين الذكريات والاحتفاظ بها بشكل مستقل عن الدماغ، وتضمنت تجربتهم التلاعب بالمدخلات الحسية لتحديد مدى قدرة خلايا الحبل الشوكي على التكيّف بشكل مستقل، ومن المتوقع أن تساهم هذه الدراسة بتطوير التدخلات التأهيلية للأفراد الذين يتعافون من إصابات النخاع الشوكي، والعلاجات المصممة لتحسين التعافي بعد تلف الحبل الشوكي، وذلك بعد إثبات أن التعلم الحركي والذاكرة لا يقتصران على دوائر الدماغ فقط.
وإصابة الحبل الشوكي هي تلف يسبب تغيرات وظيفية مؤقتة أو دائمة حسب شدة الإصابة، وفقدان الحركة بشكل كلي أو جزئي، وطبياً تعتبر 50٪ من إصابات الحبل الشوكي هي إصابات كاملة، والتي تسبب بفقدان كامل للإحساس والوظائف الحركية، أما النصف الآخر فهي إصابات غير مكتملة تتسبب بفقدان جزئي للإحساس والوظائف الحركية التي قد تؤثر على جانب واحد من الجسم أكثر من الآخر، أو على الجانبين معاً.
وعادة ما تتركز الخيارات العلاجية التي يعمل عليها العلماء على استبدال الخلايا العصبية التالفة، وتحفيز إعادة نمو الخلايا العصبية، وإعادة تدريب الدوائر العصبية المتبقية، جنباً إلى جنب مع العلاج الفيزيائي لقوة العضلات والتنقل والتحكم في الأمعاء والمثانة، ومنع المضاعفات التي قد تنتج عن إصابة الحبل الشوكي مثل الجروح الجلدية الناتجة عن قرح الفراش، والتشنجات العضلية وتشوهات العمود الفقري.
وعلى الصعيد العالمي، يعاني سنوياً ما بين 250 ألف و500 ألف شخص من إصابات في الحبل الشوكي كل عام، وهو أكثر شيوعاً بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و 40 عاماً، حيث تحدث معظم الإصابات في مستويات الفقرات العنقية.