وسط فصول دراسية تكتظ بالطلاب، وأوراق تقييم تُثقل كاهل المعلمين، ودوامة يومية تُخفي تحتها أحلام التوازن بين العمل والحياة، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن إنقاذ التعليم في المملكة المتحدة من أزمته الراهنة؟
في قلب هذه الأزمة، تأتي مبادرة جديدة من وزيرة التعليم البريطانية بريدجيت فيليبسون، تسعى إلى منح المعلمين فرصة العمل عن بُعد في مهامهم الإدارية، خطوة قد تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها وعداً بتغيير جذري يمكن أن يُعيد الأمل لمهنة تواجه نزيفاً مستمراً في كوادرها، خاصة بين المعلمات الشابات اللواتي يقفن عند مفترق طرق بين واجبات الأمومة ومتطلبات المهنة.. فهل يمكن لهذه المبادرة أن تُعيد للتعليم بريقه، وتضع حداً لهجرة المعلمين من فصولهم؟ وهل يكفي المرونة وحدها لمعالجة جذور الأزمة؟ هذا ما يكشفه المقال التالي.
أوضحت وزيرة التعليم البريطانية، بريدجيت فيليبسون Bridget Phillipson، أن منح جميع معلمي المدارس الحكومية في إنجلترا الحق في العمل بعيداً عن الفصول الدراسية في مهام إعداد الدروس وتصحيح الاختبارات وتقييم الطلاب، يُعد إجراءً ضرورياً لمواجهة أزمة الاحتفاظ المتزايدة في مهنة التعليم.
وفي مقابلة مع صحيفة The Observer، شددت فيليبسون على أهمية منح المدارس مزيداً من المرونة فيما يتعلق بعمل المعلمين خارج الفصول الدراسية، على غرار ما يتم تطبيقه بالفعل في العديد من مدارس الأكاديميات، وأكدت أن هذه الخطوة لن تقلل من الوقت المخصص لتفاعل المعلمين مع الطلاب.
وتأتي هذه التصريحات في ظل تقارير تكشف عن معدلات مغادرة مرتفعة، خصوصاً بين المعلمات الشابات، ووفقاً لمسح «حياة العمل للمعلمين والقادة» Working Lives of Teachers and Leaders، ارتفعت نسبة المعلمين الذين يعتبرون نقص المرونة سبباً رئيسياً لمغادرتهم قطاع التعليم الحكومي من 34% في عام 2023 إلى 47% في 2024.
وتشير البيانات إلى أن النساء في الفئة العمرية بين 30 و39 عاماً يشكلن النسبة الأكبر من القوى العاملة التعليمية، وأيضاً الفئة الأكثر انسحاباً، ففي العام الدراسي 2022-2023، غادرت أكثر من 9,000 معلمة تعمل بدوام كامل مهنة التعليم.
اقرأ أيضاً: الجولاني يدلي بتصريح حول الخمر والنساء لهيئة الإذاعة البريطانية
وقالت فيليبسون: «تتأثر فرص حياة الأطفال بشكل مباشر بغياب المعلمين المتميزين في الفصول الدراسية. لذلك، أصبح من الضروري مواجهة أزمة التوظيف والاحتفاظ التي تجتاح مدارسنا»، وأضافت أن مشروع قانون رفاه الأطفال والتعليم الذي نُشر الأسبوع الماضي يهدف إلى توفير مزيد من المرونة للمعلمين في المدارس غير التابعة للأكاديميات، بما يعادل تلك الموجودة في الأكاديميات.
وأعلنت أكاديمية ديكسونز Dixons Academies Trust، التي تدير مدارس في مدن ليدز Leeds، برادفورد Bradford، مانشستر Manchester، وليفربول Liverpool، أنها تدعم العمل عن بُعد، مع تخصيص وقت للإعداد والتقييم من المنزل أو أماكن أخرى خارج المدرسة.
وفيما رحبت فيليبسون بحق العمل المرن، أكدت أهمية الحفاظ على وقت التفاعل المباشر بين المعلمين والطلاب، وقال مصدر حكومي: «كل من المرونة والحفاظ على وقت الطلاب مع المعلمين أمور حيوية، ويجب تحقيق التوازن بينهما».
وأكد دانيال كيبيدي Daniel Kebede، الأمين العام للاتحاد الوطني للتعليم National Education Union، أن سوق العمل التنافسي يتطلب تعزيز العمل المرن في قطاع التعليم. وقال: «يُعد السماح للمعلمين بالعمل من المنزل خطوة ضرورية للتصدي لأزمة التوظيف والاحتفاظ، ومع ذلك، يجب أن يصاحب ذلك تحسين الأجور وتقليل الأعباء الوظيفية لتحقيق تأثير ملموس».
وأعلنت الحكومة العمالية الجديدة عن زيادة في أجور المعلمين بنسبة 5.5%، ما رفع الحد الأدنى للرواتب إلى 31650 جنيه إسترليني في إنجلترا، و38766 جنيه إسترليني في لندن الداخلية اعتباراً من سبتمبر الماضي، ومع ذلك، أثارت الزيادة المقررة بنسبة 2.8% للعام الدراسي 2025-2026 انتقادات واسعة من النقابات، خاصةً لعدم توفير تمويل إضافي لها.
اقرا أيضاً: هل ستغير أموال إيلون ماسك اللعبة السياسية في بريطانيا؟
ولا تزال عملية التوظيف في القطاع الحكومي تواجه تحديات كبيرة، إذ أشار مديرو المدارس إلى إعادة الإعلان عن الوظائف عدة مرات دون العثور على متقدمين مناسبين، كما تُظهر الإحصائيات أن ثلث المعلمين الجدد يغادرون المهنة خلال أول خمس سنوات.
هذا وأوضح أندرو أونيل Andrew O’Neill، مدير مدرسة All Saints Catholic College بالقرب من برج غرينفيل Grenfell Tower في لندن، أن تحسين ظروف العمل ساعد بشكل كبير في تعزيز التوظيف والاحتفاظ بالمعلمين، وأشار إلى تجربة ناجحة تضمنت السماح للمعلمين بالقدوم متأخراً في أحد أيام الأسبوع، ما ساعدهم على تحقيق التوازن بين العمل والحياة.