كيف يؤثر ارتفاع تكاليف الاقتراض على حياتك اليومية؟

حذر محللو سيتي من أن الضغوط الاقتصادية التي تواجه الحكومة البريطانية قد تؤدي إلى استنفاد الاحتياطي البالغ 10 مليارات جنيه إسترليني، والذي احتفظ به المستشار كاحتياطي في ميزانية الخريف، ويأتي هذا التحذير في وقت ارتفعت فيه تكاليف الاقتراض طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1998، ما يزيد من القلق بشأن الاستدامة المالية في البلاد.

فقد ارتفع العائد على ديون المملكة المتحدة لأجل 30 عاماً بنحو 0.4 نقطة مئوية، ليصل إلى 5.22%، وهو المستوى الأعلى منذ 27 عاماً، متجاوزاً الذروة التي شهدها بعد الميزانية المصغرة التي قدمتها ليز تروس في عام 2022، والتي أثارت اضطرابات في الأسواق المالية.

ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي

في الوقت نفسه، شهدت تكاليف الاقتراض الحكومي ارتفاعاً في مختلف أنحاء العالم خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يقيّم المستثمرون احتمالات استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وهذا الوضع قد يضطر البنوك المركزية القوية في العالم إلى الامتناع عن خفض أسعار الفائدة، كما يشعر المستثمرون بالقلق من أن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد تؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية.

ومن المتوقع أن يتجه النمو في المملكة المتحدة نحو الثبات في النصف الثاني من العام الماضي، بينما لا يزال التضخم أعلى من هدف بنك إنجلترا البالغ 2%، ما يقيّد قدرته على خفض تكاليف الاقتراض.

وحذر خبراء اقتصاديون من أنه إذا استمر الارتفاع الأخير في عائدات السندات، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف خدمة الدين الحكومي، ما قد يدفع مكتب مسؤولية الميزانية إلى استنتاج أن ريفز في طريقه لكسر قاعدتها المالية لموازنة الإنفاق اليومي مع الإيرادات الضريبية بحلول عام 2029-2030.

اقرأ أيضاً: البريكست وتداعياته على الاقتصاد البريطاني بعد 8 سنوات

وتعليقاً على الارتفاع صرحت روث جريجوري، نائبة كبير خبراء الاقتصاد في المملكة المتحدة لدى شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية، بأن “الارتفاع الأخير في تكاليف الاقتراض أدى إلى محو 8.9 مليار جنيه إسترليني من الحيز المالي المخصص للمستشار، والذي يبلغ 9.9 مليار جنيه إسترليني”.

وأشارت إلى أن ما تبقى بعد التقلبات الأخيرة في أسواق السندات لا يتجاوز مليار جنيه إسترليني، محذرة من أن زيادة أخرى في تكاليف الاقتراض لمدة عشرين عاماً بنحو 0.06 نقطة مئوية فقط قد تزيل كل الحيز المتاح.

وأضافت جريجوري: “هذا يعني أن راشيل ريفز قد تواجه قريباً خياراً صعباً بين انتهاك قواعدها المالية أو الإعلان عن مزيد من الزيادات الضريبية و/أو ضبط الإنفاق، في وقت يواجه فيه الاقتصاد بالفعل ضعفاً”.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد البريطاني في مرمى التوقعات لعام 2025

ومن المتوقع أن تقدم راشيل ريفز، وزيرة الخزانة توقعات مكتب مسؤولية الموازنة المحدثة حول الاقتصاد والمالية العامة إلى البرلمان في 26 مارس/آذار، وقد أكدت أنها من غير المرجح أن تعلن عن تغييرات في الضرائب أو الإنفاق، مشددة على التزامها بتنظيم حدث مالي رئيسي واحد في السنة، بهدف توفير المزيد من الاستقرار للأسر والشركات.

وفي ذات السياق، تساءل محللون في المدينة عما إذا كان المستشار سيستغل الفرصة لاتخاذ إجراءات تصحيحية في حال صدور حكم سلبي من مكتب مسؤولية الموازنة، ما أثار تكهنات بشأن احتمال رفع ريفز للضرائب.

ومع ذلك تعهدت المستشارة بعدم زيادة الضرائب، وذلك بعد إعلانها عن تدابير لزيادة الإيرادات بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني في ميزانيتها الخريفية، وأكدت وزارة الخزانة يوم الثلاثاء الماضي أن قواعدها المالية غير قابلة للتفاوض، مشيرة إلى أن أي تعديلات قد تتم ستعتمد على خفض الإنفاق.

وقال متحدث باسم وزارة الخزانة: “لن نستبق توقعات مكتب مسؤولية الموازنة، لكن لا ينبغي لأحد أن يشكك في التزام المستشار بالاستقرار الاقتصادي وسلامة المالية العامة، لهذا السبب، فإن الالتزام بالقواعد المالية أمر غير قابل للتفاوض”.

وأضاف: “لقد أوضحت المستشارة أنها لن تكرر ما حدث في ميزانية أكتوبر، وهي الآن تركز على استئصال الهدر في الإنفاق العام من خلال مراجعة الإنفاق وتنمية الاقتصاد”.

اقرأ أيضاً: هل ستغير أموال إيلون ماسك اللعبة السياسية في بريطانيا؟

كيف يؤثر هذا الارتفاع على حياتك اليومية؟

تعهدت المستشارة راشيل ريفز بأن يتم تمويل جميع النفقات اليومية من الضرائب، وليس من خلال الاقتراض، ولكن إذا احتاجت الحكومة إلى المزيد من المال لتغطية تكاليف الاقتراض المرتفعة، فإن ذلك يعني استخدام المزيد من الإيرادات الضريبية، ما يترك أموالاً أقل لإنفاقها على مجالات أخرى.

وحذر خبراء الاقتصاد من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى خفض الإنفاق، ما قد يؤثر سلباً على الخدمات العامة، كما يمكن أن تتسبب زيادة الضرائب في التأثير على أجور الأفراد أو قدرة الشركات على النمو وتوظيف المزيد من العمال.

وتعهدت الحكومة بإقامة حدث مالي واحد فقط في السنة، حيث يمكنها رفع الضرائب، ومن المتوقع ألا يحدث ذلك قبل الخريف، ومع استمرار ارتفاع تكاليف الاقتراض، قد نكون معرضاً أكثر لرؤية تخفيضات في الإنفاق قبل ذلك الموعد، أو على الأقل زيادة أقل في الإنفاق مقارنة بما كان يمكن أن يحدث في الظروف العادية.

أيضاً، إلى جانب ارتفاع تكاليف الاقتراض، قد يتساءل البعض عن تأثير ارتفاع عائدات السندات الحكومية على سوق الرهن العقاري، خاصة بعد الأحداث التي وقعت بعد الميزانية المصغرة التي قدمتها ليز تروس في سبتمبر 2022، هذا القلق يعكس كيف يمكن أن تؤثر التغيرات في الأسواق المالية على حياة الأفراد والمجتمعات بصورة عامة.

اقرأ أيضاً: الركود الاقتصادي في بريطانيا يهدد القطاع الخاص

لماذا ترتفع عائدات السندات؟

تُظهر الأسواق المالية اتجاهاً لارتفاع عائدات السندات، ولا يقتصر هذا الأمر على المملكة المتحدة فقط، بل يشمل أيضاً الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا.

تعود أسباب ارتفاع العائدات إلى حالة من عدم اليقين الاقتصادي المتزايد، خصوصاً مع اقتراب عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة وخفض الضرائب، ما أثار مخاوف المستثمرين من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى استمرار التضخم بقوة، ونتيجة لذلك، قد لا تنخفض أسعار الفائدة بالسرعة التي توقعها الكثيرون.

في المملكة المتحدة، هناك أيضاً مخاوف تتعلق بأداء الاقتصاد، حيث وصل التضخم إلى أعلى مستوياته في ثمانية أشهر، مسجلاً 2.6% في نوفمبر، وهو ما يتجاوز هدف بنك إنجلترا البالغ 2%. ومع انكماش الاقتصاد لمدة شهرين متتاليين، تزايدت المخاوف بشأن قوة الاقتصاد بشكل عام.

يُشير المحللون إلى أن هذه المخاوف هي التي تؤثر سلباً على قيمة الجنيه الإسترليني، والذي عادة ما يرتفع عندما ترتفع تكاليف الاقتراض، وبالتالي، فإن التقلبات في الأسواق المالية تعكس حالة من القلق بشأن المستقبل الاقتصادي، ما يزيد من عوائد السندات.

اقرأ أيضاً: بعقلية ترامب، كيف ستكون العلاقات الأمريكية البريطانية؟