وسط ضباب التوترات الدولية وأصداء الحرب الدائرة في أوكرانيا، يقف العالم عند مفترق طرق تاريخي، حيث تتشابك المصالح وتتباين الرؤى، وفي هذا المشهد المتشابك، يخاطب كير ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني، قادة العالم من قلب بولندا، التي تعد خط المواجهة الأول في الصراع الأوروبي مع روسيا، ويطالب بدعم أوكرانيا.
وبينما تلوح في الأفق ملامح عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما قد تحمله من تغييرات جذرية في السياسة الدولية، تأتي دعوة ستارمر لتعكس إيماناً راسخاً بأن السلام لا يتحقق إلا بشروط تعيد للأوكرانيين حقهم في تقرير المصير.
فمن وارسو إلى كييف، ومن معسكرات أوشفيتز إلى قاعات المحادثات الدبلوماسية، يسعى ستارمر إلى رسم خارطة طريق للسلام، تستند إلى القوة والشراكة مع الحلفاء، فهل تستطيع هذه الجهود مواجهة عواصف السياسة العالمية؟ وهل يكفي التضامن الأوروبي-الأطلسي للتصدي للتحديات المقبلة؟ إليكم التفاصيل!
دعا زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، قادة العالم إلى تعزيز جهودهم لدعم أوكرانيا، وذلك خلال زيارته إلى بولندا (Poland) قبل أيام قليلة من تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، مما قد يشكل تهديداً للتضامن الدولي بشأن القضية.
وخلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك (Donald Tusk)، بعد مناقشتهما لمعاهدة مقترحة تركز على الدفاع، أكد ستارمر أن الطريق الوحيد للسلام هو «السلام بشروط أوكرانيا»، وتجنب الرد المباشر على الأسئلة المتعلقة بتأثير ترامب المحتمل، ولكنّه شدد على أهمية القوة لتحقيق السلام.
وأشار ستارمر إلى أن المحادثات في وارسو (Warsaw) ركزت على قضايا الدفاع والأمن، وقال: «باعتبارنا من أكبر القوى العسكرية في أوروبا ومع وجود قواتنا التي تخدم معاً لحماية الجناح الشرقي، فإننا نتشارك التزاماً لا يتزعزع تجاه الناتو وأوكرانيا»، وأضاف: «من الواضح أن الطريق إلى سلام عادل ودائم يأتي من خلال القوة، القوة التي تضمن السلام بشروط أوكرانيا وتتيح لها الدفاع عن نفسها وردع روسيا في المستقبل».
اقرأ أيضاً: ستارمر عن سورية وغزة: وقف الإرهاب ووقف إطلاق النار
وشهد المؤتمر لحظة حرجة عندما أعرب توسك، الذي شغل منصب رئيس المجلس الأوروبي خلال معظم فترة البريكست، عن أمله في عودة المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي قائلاً: «كان حلمي دائماً أن تعود المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، بدلاً من بريكست، بريترن»، وهو أمر يتعارض تماماً مع سياسة الحكومة البريطانية الحالية.
وأكد ستارمر، خلال زيارته الأولى إلى كييف (Kyiv) منذ توليه منصبه، للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (Volodymyr Zelenskyy) التزام المملكة المتحدة بشراكة أوثق من أي وقت مضى، وأعلنت المملكة المتحدة وأوكرانيا توقيع اتفاقية لتعميق العلاقات الدفاعية بينهما.
أما بشأن تصريحات ترامب حول السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ طويلة المدى ضد أهداف في روسيا، والتي وصفها بـ«الجنون»، فقد رفض ستارمر التعليق المباشر ولكنه أشار إلى أهمية الدور الأمريكي في الدفاع عن أوكرانيا، قائلاً: «من الواضح أن الولايات المتحدة حيوية في هذا الصدد».
وفي وقت سابق من زيارته، قام ستارمر بزيارة النصب التذكاري والمتحف في أوشفيتز (Auschwitz Memorial and Museum) برفقة زوجته فيكتوريا، التي تعتنق الديانة اليهودية، تحدث عن تأثير الزيارة عليه قائلاً: «وقفت على تلك السكك الحديدية، ورأيت الأحذية والحقائب المتراكمة والشعر والأسنان التي أخذت من أولئك الذين قتلهم النازيون. لن أنسى ما رأيته اليوم، ولن أنسى مسؤوليتي في تمرير هذه الذكرى للأجيال القادمة».
اقرأ أيضاً: الاستخبارات البريطانية: التخلي عن أوكرانيا يكلفنا الكثير!
وكان قد حذّر رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني MI6، ريتشارد مور، من أن التخلي عن دعم أوكرانيا قد يترتب عليه تكاليف أمنية باهظة وطويلة الأمد، ما يهدد أمن بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة، وجاء هذا التحذير في خطاب ألقاه مور في باريس، حيث أكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يكتفي بأوكرانيا إذا أُتيح له تحويلها إلى دولة خاضعة لسيطرته.
وتزامن خطاب مور مع الذكرى الـ 120 لاتفاقية «الأنتانت كوردالي» بين المملكة المتحدة وفرنسا، وأوضح أن أي تراجع في الدعم الغربي لأوكرانيا سيؤدي إلى مخاطر أمنية خطيرة على المستوى الدولي، مشيراً إلى أن نجاح بوتين في إخضاع أوكرانيا سيفتح المجال لتهديدات أوسع تمتد إلى بريطانيا وفرنسا وأوروبا بأكملها.
وخلال كلمته، تناول مور، الذي يشغل منصب رئيس MI6 منذ أربع سنوات، أهمية تعزيز التعاون الاستخباري بين المملكة المتحدة وفرنسا لمواجهة التحديات الأمنية العالمية، كما شدد على استمرارية التعاون الوثيق بين أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية، رغم أي تباينات سياسية قد تظهر مستقبلاً.