بعد أن اعتلى دونالد ترامب سدة الرئاسة مجدداً في أمريكا، تقف العلاقات البريطانية الأمريكية على أعتاب مرحلة جديدة محفوفة بالتحديات والفرص، فبين طموحات سياسية تتجاوز الأطلسي وتوترات تجارية تهدد الاستقرار الاقتصادي، تبرز أسئلة ملحّة: هل ستستطيع لندن وواشنطن الحفاظ على «العلاقة الخاصة» التي طالما كانت ركيزة للتعاون بين البلدين؟ أم أن رياح التغيير التي يحملها ترامب ستعيد صياغة هذه الشراكة بأسلوب مفاجئ وغير مألوف؟
في هذا السياق، يتحرك كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، بخطوات محسوبة نحو البيت الأبيض، حاملاً في جعبته ملفات شائكة تبدأ بجزُر شاغوس ولا تنتهي بالتعريفات الجمركية.. فهل ستكون هذه القمة المنتظرة بداية لتفاهمات جديدة أم مواجهة تحديات غير مسبوقة؟
أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يعتزم زيارة واشنطن خلال الأسابيع المقبلة لإجراء محادثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتأتي هذه الخطوة تأكيداً على قوة العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وفق تصريحات لامي.
وقال لامي في حديث مع الصحفيين قبل تنصيب ترامب رئيساً، إن قوة العلاقة بين البلدين تجعل من الطبيعي أن يتم ترتيب لقاء سريع بين القائدين، مشيراً إلى أن «قوة العلاقة والأهمية الجادة للمحادثات» هما الدافع وراء هذا اللقاء المبكر.
وتواجه حكومة حزب العمال البريطاني تحديات دبلوماسية عدة في التعامل مع إدارة ترامب الجديدة، بما في ذلك التعريفات التجارية المقترحة والتوترات المتصاعدة بشأن صفقة جزُر شاغوس، وقد صرّح رئيس الوزراء أن «العلاقة الخاصة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة ستستمر في الازدهار» تحت قيادة ترامب.
وفي بيان رسمي، هنّأ ستارمر ترامب بمناسبة تنصيبه، مؤكداً أن البلدين سيواصلان بناء علاقتهما التاريخية لمواجهة التحديات العالمية واستغلال الفرص المشتركة لتحقيق النمو.
اقرأ أيضاً: صندوق النقد: بريطانيا تتقدم وترامب يثير المخاوف!
هذا وتشمل القضايا العالقة صفقة جزُر شاغوس، التي تحتوي على قاعدة عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فالصفقة، التي وافقت عليها إدارة بايدن، تواجه الآن مراجعة من إدارة ترامب، وعبر ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي المقبل، عن مخاوفه من الصفقة بسبب علاقات موريشيوس بالصين، ما قد يهدد أمن القاعدة العسكرية على جزيرة دييغو غارسيا.
كما تهدد سياسات ترامب التجارية بفرض تعريفات كبيرة على الواردات البريطانية، ما قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد البريطاني، ولكن ديفيد لامي أكد على استعداد الحكومة لجميع السيناريوهات، مشيراً إلى رغبة ترامب في تحقيق «صفقات جيدة».
من جهة أخرى، أثار تعيين اللورد بيتر مندلبسون سفيراً جديداً لبريطانيا في واشنطن جدلاً كبيراً، خاصة بعد تصريحاته السابقة التي وصف فيها ترامب بأنه «خطر على العالم»، ورغم الجدل، أشاد المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء بخبرة مندلبسون، مؤكداً أنه «مرشح ممتاز».
وشهدت الساحة السياسية البريطانية آراء متباينة بشأن عودة ترامب للبيت الأبيض، ووصف إد ديفي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، هذا التطور بأنه «مقلق» نظراً للسياسات التي وعد بها ترامب، مثل الحروب التجارية وتقويض حلف الناتو، أما نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح، فأكد على أهمية التفكير بطريقة مبتكرة في التعامل مع ترامب، واصفاً إياه بأنه «يتبع أسلوباً مختلفاً تماماً عن أي رئيس سابق».
وكان قد حذر صندوق النقد الدولي من التأثيرات المحتملة للسياسات الاقتصادية التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الاقتصاد العالمي، وفي الوقت ذاته، رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني لعام 2025 من 1.5% إلى 1.6%، وأوضح الصندوق أن السياسات التي يسعى ترامب إلى تنفيذها قد تؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية، تقليل الاستثمارات، وإحداث اضطرابات في سلاسل التوريد على المستوى العالمي.
اقرأ أيضاً: هل يهدد مستخدمو تيك توك الأمن القومي لبريطانيا؟!
وأشار الصندوق إلى أن الخطوات التي تشمل فرض رسوم جمركية وضرائب، إضافة إلى تقليل القيود التنظيمية، قد تمنح الاقتصاد الأمريكي دفعة مؤقتة، لكنها قد تنعكس سلباً على المدى البعيد، ففرض رسوم مرتفعة على الواردات الأمريكية سيزيد من تكاليف المنتجات، وهو أمر يثير قلقاً واسعاً بين قادة العالم.
وتتضمن خطط ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الواردات العالمية، و25% على الواردات القادمة من كندا والمكسيك، إضافة إلى 60% على الواردات الصينية، كما هدد بفرض رسوم تصل إلى 100% على دول مجموعة بريكس (BRICS) إذا قامت هذه الدول بطرح عملة بديلة للدولار الأمريكي.
ختاماً، تُظهر تصريحات المسؤولين البريطانيين قلقاً وتفاؤلاً مشوباً بالحذر تجاه رئاسة ترامب الثانية، وبينما تسعى بريطانيا للحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، يبقى السؤال قائماً: كيف ستتأقلم لندن مع رؤية ترامب الجديدة للعالم؟