احتل تطبيق الذكاء الاصطناعي Deepseek المطور في الصين عناوين البحث في محرك “جوجل” (Google)، ليكون التطبيق الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فالمشكلة كانت في أن الأشخاص اللذين حملوا التطبيق هم أنفسهم الأشخاص اللذين استغنوا عن تطبيق Chatgpt ويقدم كلا التطبيقين روبوت دردشة بتقنية الذكاء الاصطناعي.
مسألة وجودية أخذت بالتصاعد مع نهاية الأسبوع الجاري في الولايات المتحدة، وفحواها سؤال جوهري هل سيستمر الطلب على شرائح الذكاء الاصطناعي في ظل صعود Deepseek الذي يعتمد على نماذج خاصة مدربة باستخدام الحوسبة، والتي على ما يبدو تشكل خطراً مباشراً على ريادة الولايات المتحدة الأمريكية في سباق الذكاء الاصطناعي.
وكان “ديب سيك” دخل متجر “آبل” (Apple) مطلع يناير الجاري، وعلى الفور لفت الأنظار وتزايدت شعبيته بين المستخدمين، نظراً لانخفاض تكلفة التقنيات التي يستخدمها، كما أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، مع يتيح استخدام عدد شرائح أقل مقارنة بالنماذج الأخرى المتاحة حول العالم.
وبينما أعطت هذه المميزات للتطبيق شعبية كبرى، انعكس الأمر سلباً على شركة “إنفيديا” (NVIDIA) الأمريكية المصممة لـ (Open AI) لتفقد أسهمها قيمتها السوقية بخسارة قدرت بحوالي 560 مليار دولار أمريكي، ومن المعروف عن إنفيديا أنها الشركة الأكبر في هذا القطاع، في حين تستقر منافستها DeepSeek في شرق الصين.
وفي السياق جاء إطلاق “ديب سيك” في العاشر من يناير الجاري بعد اعتماد الشركة المطورة النموذج “في 3” (DeepSeek V3)، وكان قد بلغ رأسمال الشركة الصينية عند التأسيس في العام 2023 حوالي مليون وأربعمائة ألف دولار أمريكي، في حين بلغت تكلفة النموذج الحالي حوالي 5.6 مليون دولار، وهي ما تعتبر تكاليف زهيدة مقارنة بالمبالغ التي تتكلفها إنفيديا والتي تكون عادة حوالي 100 مليون دولار وصولاً إلى المليار.
ومؤسس Deepseek هو “ليانغ ونفنغ” (Liang Wenfeng)، وهو متخصص في هندسة الإلكترونيات والاتصالات، وهو أحد المؤسسين لصندوق تحوط كمي، والذي يعمل عن طريق خوارزميات رياضية معقدة، والتي تستبعد التحليل البشري.
واستطاعت شركة “ديب سيك” بقيادة ونفنغ أن تحول الصعوبات إلى فرص، من خلال توظيف الشباب، واستقطاب الكفاءات المميزة في مجال الذكاء الاصطناعي من خريجي الجامعات الصينية، إضافة إلى توظيف عدد من الكوادر البشرية ذوي الخلفية العلمية في مجال الحاسوب، لمساعدة التقنيين العاملين في الذكاء الاصطناعي على التفكير السليم.
كذلك عملت “ديب سيك” على بناء مراكز بيانات خاصة بها، وذلك لتدريب على نماذجها الخاصة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها العاملون في Deepseek إلا أنهم تأثروا إلى حد بعيد بعمليات الحظر الأمريكية على تصدير التجهيزات التقنية للشركات الصينية، واضطرت كوادر الشركة لاعتماد شرائح “إنفيديا إتش 800” (Nvidia H800) بدلاً من “إتش 100” (H100) التي تستخدمها الشركات الأمريكية العاملة في نفس المجال والتي تعتبر أفضل من ناحية الأداء.
وفي سياق متصل كانت “ديب سيك” كشفت عن مجموعة من نماذجها الأولية في العام 2023، وهي “ديب سيك كودر” (DeepSeek Coder) و”ديب سيك إل إل إم” (وDeepSeek LLM)، و”ديب سيك تشات” (DeepSeek Chat)، ومع إطلاق “ديب سيك في 2” (DeepSeek-V2) أي الجيل الثاني، والذي كان متخصصاً بتحليل النصوص والصور بتقنيات الذكاء الاصطناعي، أجبر منافسيه في “بايت دانس” (ByteDance) و”علي بابا” (Alibaba) على تخفيض أسعارهم، وإتاحة عدد من نماذجهم بالمجان.
وأثبتت اختبارات المعايير الداخلية تفوق نموذج “ديب سيك” على النماذج الأخرى المتاحة من “ميتا” على سبيل المثال (Meta’s Llama)، والمغلقة مثل ” جي بي تي 4″ (GPT-4o)، ومع إصدار DeepSeekللنموذج “آر 1” (R1) تبين أنه يعمل بنفس كفاءة OpenAI فيما يتعلق بمعايير الأداء الرئيسة، ما أحدث موجة من الصدمة في قطاع الأعمال الخاص بالذكاء الاصطناعي.
أيضاً يتحلى النموذج الجديد بالقدرة على التفكير مثل النماذج المطورة من “أوبن إي آي” الإصدار الأول والثالث، ولكن ميزته الأساسية أنه مفتوح المصدر، أي أنه يعطي فرصة لأي مبرمج بالدخول على البرمجية الخاصة بالتطبيق لأغراض الفحص والتعديل والتحسين.
ومن اللافت أن صعود “ديب سيك” دفع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للتعليق على الحدث، معتبراً أنه بمثابة جرس إنذار للشركات الأمريكية، التي يجب أن تتنافس معه وتفوز بالمنافسة.