وراء الواجهات اللامعة والمنازل الفاخرة، تختبئ أزمة إنسانية وواقع قاسٍ يكاد لا يُرى وسط ضجيج الحياة اليومية، فقد كشفت أحدث الإحصائيات عن مستوى قياسي جديد للأشخاص الذين ينامون في العراء، إذ ارتفع العدد إلى 4612 شخصاً بين أكتوبر وديسمبر 2024، وهذا هو أعلى عدد على الإطلاق للأشخاص الذين ينامون في الشارع خلال تلك الأشهر من العام، وهو أقل قليلاً من عدد 4780 شخصاً المسجل في الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2024.
إحصائيات شبكة التشرد والمعلومات المشتركة التابعة لمجلس المدينة (CHAIN) بينت أن من بين هذا العدد من المشردين الذين سُجِّلوا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، كان حوالي 2115 منهم ينامون في الشوارع للمرة الأولى، ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن معظم هؤلاء الأفراد قضوا ليلة واحدة فقط في الشوارع.
وبالنسبة لأولئك الذين تم تحديد جنسيتهم، تبين أن غالبية المشردين ليسوا من مواطني المملكة المتحدة، حيث بلغت نسبة المواطنين البريطانيين 47.1% فقط، كما أظهرت الإحصائيات أن المهاجرين الرومانيين يشكلون 8.9%، يليهم المهاجرون البولنديون بنسبة 5.3%. ويمثل الهنود والمهاجرون من إريتريا والسودان نسباً متقاربة تبلغ 4.6% و3.6% على التوالي.
وتشير البيانات كذلك إلى أن حوالي 83% من المشردين المسجلين في لندن هم من الرجال، بينما يتركز معظمهم في فئة منتصف العمر أو أكبر، ومع ذلك، يُظهر التقرير أن حوالي ثلث هؤلاء الأفراد، أي 34%، هم في سن 35 عاماً أو أقل.
كما قُيٍّم نحو 1767 شخصاً من هؤلاء المشردين على أنهم يعانون من احتياجات الصحة العقلية، يُذكر أن هذا التقييم أُجري فقط على حوالي ثلاثة أرباع العدد الإجمالي، ما يعني أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك.
وفي هذا الصدد، صرّح ريك هندرسون، الرئيس التنفيذي لمؤسسة Homeless Link، أن عدداً صادماً من الأشخاص يواجهون أزمة إنسانية وهي صدمة النوم في شوارع لندن هذا الشتاء، محذراً من أن خدمات الدعم قد وصلت إلى نقطة الانهيار.
وأكد هندرسون أن الحكومة قد شكلت مجموعة وزارية مشتركة لوضع استراتيجية لمعالجة مشكلة التشرد، وتعهدت بإصلاح التمويل قبل مراجعة الإنفاق، كما أشار إلى أن عمدة لندن سيصدر خطة عمل بشأن النوم في العراء في الربيع.
من جهته، أشار مكتب السير صادق خان إلى أن رئيس البلدية يبذل كل ما في وسعه لتحويل أزمة التشرد، إذ أعلن عن استثمار غير مسبوق بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني في مراكز الدعم هذا الأسبوع.
أما حكومة حزب العمال فقد أكدت أنها ورثت وضعاً رهيباً من التشرد في أرجاء لندن من الحكومة السابقة، لكنها شددت على أنها تتخذ إجراءات جادة للعودة إلى المسار الصحيح وانهاء التشرد إلى الأبد”.
إيما حداد، الرئيسة التنفيذية لجمعية سانت مونجو الخيرية، عبّرت عن قلقها البالغ إزاء استمرار ارتفاع أعداد المشردين في لندن، وقالت: “وراء كل رقم يوجد شخص قضى الليل على الرصيف في الشتاء، نحن نعمل على تقديم المساعدة لأسرع وقت ممكن، وسنواصل جهودنا في ذلك، ولكن يجب علينا تغيير النظام لضمان أن يحصل الأفراد على المساعدة اللازمة التي تمنعهم من النوم في العراء”.
وأضافت حداد أن نظام التشرد يجب أن يركز على الوقاية، ما يعني عدم إطلاق سراح أي شخص من السجن أو المستشفى إلى الشوارع، وعدم طرد أي فرد من مسكنه بسبب ارتفاع الإيجار، وأهمية تأمين خيارات سكن ميسورة التكلفة، مؤكدة أن النجاح يتطلب التعاون بين جميع الأطراف المعنية.
بدورها، أكدت المتحدثة باسم رئيس بلدية لندن أن ارتفاع أعداد المشردين في العاصمة هو إرث مؤسف للحكومة السابقة، مشيرة إلى أن تغييره سيستغرق بعض الوقت.
وأوضحت أن العمدة يبذل قصارى جهده لمساعدة سكان لندن على الخروج من الشوارع وتأمين سكن آمن، فقد أعلن هذا الأسبوع عن أكبر استثمار فردي في تاريخ المدينة بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني لمعالجة أزمة النوم في الشوارع، وهو ما يعتبر أكثر مما قدمه أي عمدة سابق.
وهذا الاستثمار يهدف إلى توسيع عدد مراكز التشرد في العاصمة، وقد ضاعف الميزانية المخصصة لمكافحة النوم في الشوارع أربع مرات منذ عام 2016، ما ساعد أكثر من 18000 شخص حتى الآن.
وأكدت المتحدثة أن العمدة ملتزم بالقضاء على مشكلة النوم في العراء في العاصمة بحلول عام 2030، ولكنها أشارت أيضاً إلى أهمية تكاتف جهود جميع قطاعات المجتمع لتحقيق هذا الهدف.
ويتضمن ذلك مضاعفة تمويل الطوارئ الشتوية ثلاث مرات، بما في ذلك أكثر من 5 ملايين جنيه إسترليني إضافية للندن، لمساعدة المزيد من المشردين على الخروج من الشوارع وتوفير مساكن آمنة لهم، إلى جانب أكبر استثمار على الإطلاق في خدمات الوقاية من أزمة التشرد لهذا العام لمنع النوم في العراء ورؤية المزيد من الأسر المشردة خارج أماكن الإقامة المؤقتة.