في ظل ارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات قياسية، تظهر بلدة كيلمارنوك (Kilmarnock) في إقليم شرق أيرشاير (East Ayrshire) الاسكتلندي كـ أرخص مدينة في بريطانيا للمشترين لأول مرة، حيث تبدأ أسعار المنازل من 84 ألف جنيه إسترليني فقط.
وبينما تستعد الحكومة البريطانية لتعديل إعفاءات رسوم الدمغة العقارية (Stamp Duty) وتواصل أسعار الرهونات العقارية (Mortgage) ارتفاعها، تقدم هذه البلدة التاريخية فرصة حقيقية للشباب الراغبين في دخول سوق العقارات، عبر خياراتٍ مالية معقولة وبنية تحتية ملائمة.
لماذا كيلمارنوك (Kilmarnock)؟
وفقًا لدراسة أجرتها منصة رايت موف (Right move) العقارية، يبلغ متوسط سعر المنازل للمشترين لأول مرة في كيلمارنوك نحو 84,325 جنيهًا إسترلينيًا، وهو رقم يعتبر منخفضًا بشكل ملحوظ مقارنةً بأسعار العقارات في لندن، حيث تتجاوز تكلفة الشقة الواحدة 590 ألف جنيه .
وهذه الفجوة السعرية الضخمة تجعل من كيلمارنوك وجهة مثالية للراغبين في تجنب أعباء الديون العقارية طويلة الأمد، لا سيما مع ارتفاع معدلات الفائدة على الرهونات العقارية الثابتة لمدة خمس سنوات إلى 4.69% حاليًا، مقارنةً بـ 2.22% في عام 2020، مما يزيد من ضغوط التملك في المدن الكبرى.
ليس السعر فقط ما يُميزها!
لا تختزل كيلمارنوك في كونها وجهة عقارية بأسعار مغرية، فهي مدينة تنبض بإرثٍ ثقافيٍ غني، وتعتبر مهد علامة الويسكي العالمية الشهيرة جوني ووكر (Johnnie Walker)، كما تحيي ذكرى الشاعر الاسكتلندي الأسطوري روبرت بيرنز (Robert Burns) عبر أكبر نصب تذكاري يخلد إبداعاته.
وتتميز شوارعها العريقة، مثل شارع بانك (Bank Street) وشارع جون فيني (John Finnie Street)، بتناغم معماري فريد يجمع بين فخامة الطراز الفيكتوري وأناقة الحداثة، وفقًا لما يؤكد مجلس السياحة الاسكتلندي.
وهذه التركيبة الساحرة من التاريخ والجمال الحضري تجعل منها مكانًا يستحق الاكتشاف، بغض النظر عن الإغراءات العقارية.
اقرأ أيضاً: أرخص المناطق لشراء منزل لأول مرة في بريطانيا
موقع استراتيجي
رغم هدوئها الريفي، تتميز كيلمارنوك بموقعٍ استراتيجيٍ يربط بين عزلة القرى وضجيج المدن الكبرى، حيث تقع على بعد 30 دقيقة بالقطار من غلاسكو (Glasgow)، وساعة ونصف بالسيارة من إدنبرة (Edinburgh)، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للعاملين في المدن المجاورة الذين يبحثون عن توازنٍ بين الهدوء والوصول السريع إلى المركز الاقتصادي.
وبالإضافة إلى موقعها، تقدم المدينة بنية تحتية متكاملة تجمع بين التعليم والثقافة والترفيه، فـمعهد ديك (Dick Institute) يشكل مركزًا ثقافيًا حيويًا يجمع المعارض الفنية والورش الإبداعية، بينما تعتبر قلعة دين (Dean Castle) بحدائقها الخلابة معلمًا تاريخيًا يعكس عراقة المكان.
هذه المزايا مجتمعةً تحول كيلمارنوك من مدينةٍ نائيةٍ إلى وجهةٍ شاملةٍ للحياة العصرية الهادئة.
لماذا لا يزال المشترون يترددون؟
رغم ما تتمتع به كيلمارنوك من مزايا جاذبة، يبقى التحدي الأبرز أمام مشتري العقارات هو ارتفاع تكاليف الرهن العقاري (Mortgage)، التي قفزت من 590 جنيهًا إسترلينيًا شهريًا قبل أربع سنوات إلى 940 جنيهًا اليوم.
وهذا الارتفاع المطرد دفع العديد من البريطانيين إلى إعادة تقييم خططهم المالية بحذر، لا سيما مع ترقب تعديلاتٍ حكومية محتملة لخفض إعفاءات رسوم الدمغة العقارية (Stamp Duty)، والتي قد تضيف أعباءً إضافية على المشترين الجدد.
وتشير التوقعات إلى أن كيلمارنوك قد تشهد طفرةً سكانيةً في المستقبل القريب، مدفوعةً بتدفق الشباب الراغبين في الاستفادة من الأسعار العقارية المعقولة، إلا أن تحقيق هذا النمو يبقى رهينًا بتطوير البنية التحتية بشكلٍ جذري، وضخ استثماراتٍ نوعية في القطاعات الخدمية كالتعليم والصحة والتجزئة.
من جهة أخرى، يطالب السكان بتعزيز الربط المواصلاتي مع مدنٍ حيوية مثل غلاسكو، عبر تطوير شبكة النقل العام وتحسين كفاءتها، وهو ما قد يحول المدينة من منطقةٍ هامشية إلى مركزٍ جذبٍ إقليمي، يجمع بين مزايا السكن الاقتصادي وسهولة الوصول إلى الأسواق الاقتصادية الكبرى.
اقرأ أيضاً: شراء منزل في بريطانيا خلال 15 يوماً فقط
وفي سوق عقاري يشهد ديناميكيةً متسارعة، تثبت كيلمارنوك أن الأحلام الكبيرة تبنى بخطوات صغيرة، فالمدينة التي تجمع بين سحر التاريخ وحيوية الحداثة، وتقدم توازنًا فريدًا بين التكلفة المعقولة وجودة الحياة المرتفعة، قد تصبح الحل الأمثل لمن يبحث عن بدايةٍ آمنةٍ في رحلة التملك العقاري.
لكن السؤال يبقى: هل ستحافظ كيلمارنوك على مكانتها كفرصةٍ ذهبيةٍ للسكن الاقتصادي، أم ستصبح ضحيةً جديدةً لموجة الغلاء التي تجتاح بريطانيا؟
