أخبار لندن
اضطرابات الإمداد تكشف هشاشة الاقتصاد البريطاني بعد بريكست وكورونا!
نشر
منذ 24 ساعةفي
146 مشاهدة
By
Baidaa Kt
لا تزال المملكة المتحدة، اليوم، تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة نتيجة سلسلة صدمات هزت استقرارها خلال السنوات الأخيرة، فبالكاد بدأت البلاد تتأقلم مع تأثيرات خروجها من الاتحاد الأوروبي “بريكست” وإعادة هيكلة علاقاتها التجارية واللوجستية، حتى ضربتها جائحة “كوفيد-19” مما أحدث اضطرابات كبيرة عالمياً ومحلياً.
وبعد أن بدأت بوادر التعافي بالظهور، ظهرت أزمة في سلاسل الإمداد العالمية كشفت هشاشة البنى التحتية واعتماد النظام الاقتصادي المعولم على بعضها البعض، الأمر الذي أدى إلى نقص في السلع الأساسية والعمالة الماهرة وارتفاع حاد في التكاليف، مما أثقل كاهل المواطنين والشركات.
ولم تتوقف التحديات عن هذا الحد، فقط أضافت التوترات التجارية العالمية، بما في ذلك التعريفات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب مؤخراً، تعقيداً للوضع وتحدياً لقدرة بريطانيا على التكيف مع أزمات متشابكة لم تشهد مثلها منذ عقود.
سلاسل الإمداد والتوريد: الشريان الخفي للاقتصاد الحديث
لفهم أبعاد الأزمة البريطانية الراهنة، يلزم الغوص في جوهر مفهوم “سلاسل الإمداد والتوريد”، التي تتجاوز كونها مجرد خطوط نقل لتشكل شبكة حيوية ومعقدة تضم أفرادًا ومنظمات وموارد وأنشطة وتقنيات، حيث تعمل هذه العناصر معًا على نقل المنتج أو الخدمة من نقطة المنشأ الأولية مثل موارد المواد الخام حتى وصولها إلى المستهلك النهائي.
وتبدأ رحلة السلعة بتوريد المواد الأساسية، مرورًا بمراحل التصنيع والتجميع، ثم التخزين والتوزيع، لتنتهي على أرفف المتاجر أو تسلم مباشرةً إلى المستهلك، وتعد هذه الشبكة بمثابة الدورة الدموية للاقتصادات الحديثة، كونها تضمن تدفق السلع والخدمات بسلاسة وكفاءة.
وإدارة هذه السلاسل المعروفة بـ”إدارة سلسلة الإمداد” هي عملية استراتيجية تشمل تصميم وتخطيط وتنفيذ ومراقبة جميع الأنشطة المرتبطة بها، وتهدف إلى خلق قيمة مضافة، وبناء بنية تحتية تنافسية، وتعظيم الاستفادة من الخدمات اللوجستية العالمية، ومواءمة العرض مع الطلب المتقلب، وقياس الأداء وفق معايير عالمية، ومن مهامها الأساسية: تحديد مصادر المواد، وإدارة المخزون والتخزين بكفاءة، وتخطيط حركة المواد والمعلومات والأموال، وصولًا إلى معالجة المنتجات الفائضة أو المعيبة.
وعلى الرغم من حداثة مصطلحي “سلسلة الإمداد” و”إدارة سلسلة الإمداد”، حيث ظهر الأول في مطلع القرن العشرين والثاني في ثمانينياته، فإن جذور المفهوم تعود إلى فجر الحضارات، فمنذ القدم، احتاج البشر لتنظيم نقل المواد الخام وتصنيع السلع وتوزيعها، وكانت طرق التجارة القديمة مثل “طريق الحرير” أشكالًا بدائية من سلاسل التوريد العالمية.
ولكن الثورات المتعاقبة، بدءًا بالثورة الصناعية في إنجلترا، وما تبعها من تطورات في النقل والاتصالات، وانتهاءً بالثورة الرقمية الحالية، حولت هذه السلاسل تحولًا جذريًا.
فمثلًا، توحيد هنري فورد لمعايير قطع غيار السيارات شكل نقطة تحول نحو عصر الإنتاج الضخم، بينما أضافت الحواسيب والإنترنت طبقات جديدة من التعقيد والكفاءة، محولة السلاسل من كيانات خطية بسيطة إلى شبكات عالمية ديناميكية ومتشابكة، تعمل بلا توقف لتلبية متطلبات اقتصاد عالمي يعتمد على الطلب الفوري والاستجابة السريعة.
وهذا التطور، رغم إنجازاته في خفض التكاليف وزيادة الوفرة، أنتج نظامًا شديد الحساسية لأي اضطراب في حلقاته، وهو ما يلقي الضوء على التحديات التي تواجهها بريطانيا اليوم.
اقرأ أيضاً: البريكست وتداعياته على الاقتصاد البريطاني بعد 8 سنوات
تداعيات الصدمات المتعددة على شرايين الاقتصاد البريطاني
واجه الاقتصاد البريطاني تأثيرات كبيرة جراء اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، تفاقمت بفعل عاملين محليين: تداعيات بريكست ونقص اليد العاملة، فقد أدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى تغييرات جذرية في التدفقات التجارية، نتج عنها حواجز جمركية وإدارية أبطأت حركة البضائع وزادت التكاليف بشكل ملحوظ، مما أثر سلباً على التجارة وتسبب في تقلبات قيمة الجنيه الإسترليني.
كما عمق بريكست أزمة نقص العمالة، التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا، خاصة في قطاعات النقل، والخدمات اللوجستية، والزراعة، والضيافة، حيث أصبح النقص الحاد في سائقي الشاحنات الثقيلة أحد أبرز معالم هذه الأزمة، ما عطل توزيع السلع الأساسية.
وتزامنت هذه التحديات مع صدمة كوفيد-19 التي أغلقت الاقتصادات العالمية وتسببت في توقف الإنتاج وارتفاع تكاليف الشحن البحري والجوي بشكل كبير.
ومع تعافي الطلب العالمي، اصطدم بشبكات لوجستية غير مستعدة، ما أدى لاختناقات في الموانئ ونقص حاويات الشحن، وهذا التأثير امتد ليضرب قطاع التصنيع، خصوصاً صناعة السيارات، بسبب النقص في رقائق أشباه الموصلات ومكونات أخرى، ما خفض الإنتاج إلى أدنى مستوياته منذ عقود، وكذلك، عانى قطاع البناء من ارتفاع أسعار المواد الأساسية وقلة الأيدي العاملة، مما أخر المشاريع وزاد تكاليفها.
ولم يكن قطاع الخدمات بمنأى عن الأزمة؛ قطاع التجزئة واجه نقصاً في السلع، مما تسبب بظاهرة الرفوف الفارغة وحتى إغلاق مؤقت لبعض فروع سلاسل مطاعم كبرى.
والقطاع الصحي أيضاً تأثر بالنقص في المعدات الطبية والأدوية الأساسية، مما أضاف ضغوطاً على المواطنين، فهذه الأزمات المتداخلة لم تعيق النمو الاقتصادي فحسب، بل غذت موجة تضخم كبيرة زادت من أعباء تكلفة المعيشة على الأسر البريطانية.
استجابة الحكومة ومحاولات البحث عن الحلول
في مواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن اضطرابات سلاسل الإمداد، اتخذت الحكومة البريطانية خطوات عاجلة وأخرى استراتيجية.
وشملت الإجراءات المباشرة تبسيط اختبارات سائقي الشاحنات ومنح تأشيرات مؤقتة للسائقين الأجانب، إلى جانب الاستعانة بقوات الجيش لتوزيع الوقود خلال ذروة الأزمة، كما أنشأت لجاناً لدراسة الاختناقات وتقديم حلول لتحسين كفاءة الموانئ والعمليات اللوجستية.
وعلى المدى الطويل، ركزت الحكومة على تعزيز “مرونة” سلاسل التوريد الوطنية من خلال الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية وتطوير برامج تدريب لتأهيل العمالة المحلية في القطاعات الحيوية.
ومع ذلك، لا تزال هذه الإجراءات محل نقاش فيما يتعلق بفعاليتها في مواجهة التحديات الهيكلية العميقة الناتجة عن بريكست والاعتماد الكبير على شبكات توريد عالمية، فالحلول المستدامة قد تتطلب تعاوناً دولياً واسعاً وإعادة التفكير في النماذج التقليدية للإنتاج والتوريد.
اقرأ أيضاً: أمريكا أم الاتحاد الأوروبي.. من ستختار بريطانيا؟
إحصائيات واتجاهات جديدة
ورغم الصورة القاتمة، أظهرت سلاسل التوريد العالمية بعض المرونة في عام 2024 نتيجة استقرار الطلب من الأسواق الغربية كأوروبا والولايات المتحدة، وفقاً لمؤشرات مثل (QIMA) للربع الأول من 2025، والذي يستخدم كأداة تحليلية لتقييم أداء سلاسل الإمداد العالمية، ويعتمد على بيانات عمليات فحص المنتجات وتدقيق المصانع، ويقدم رؤى حول اتجاهات التجارة العالمية، مثل الطلب على الفحص والتدقيق في مختلف القطاعات والمناطق، كما يساعد في قياس مرونة سلاسل الإمداد واستجابتها للتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، مثل الحروب التجارية أو اضطرابات الشحن.
ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة في قطاع الخدمات اللوجستية بالمملكة المتحدة، فالتكاليف التشغيلية، خاصة تكاليف النقل المتأثرة بأسعار الوقود والتضخم، تبقى مصدر قلق كبير للشركات، كما تستمر التأخيرات في استلام المكونات والاضطرابات على الحدود مع الاتحاد الأوروبي في إعاقة أكثر من ثلث الشركات.
وتحت هذه الضغوط، تبرز الابتكارات كحل محتمل، مثل اتجاه شركات كبرى كـ (FedEx UK) لتجربة وقود بديل كزيت الخضروات المعالج بالهيدروجين (HVO)، وزيادة الاعتماد على الشاحنات الكهربائية التي تشهد نمواً رغم تحديات التكلفة والبنية التحتية للشحن.
لكن التحدي الأكبر يكمن في التوفيق بين الابتكارات والتعامل مع الاختناقات المستمرة وتكاليف التشغيل المرتفعة، خاصة ضمن العلاقات التجارية المعقدة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست.
بناء المرونة في عالم متغير
إن اضطرابات سلاسل الإمداد في بريطانيا تسلط الضوء على هشاشة الترابط في العالم المعولم والتحديات التي تواجه اقتصاداً رئيسياً يعيد تشكيل علاقاته الدولية وسط أزمات متلاحقة، فهذه الأزمة تتجاوز كونها مسألة لوجستية إلى كونها انعكاساً لتحديات العولمة والحاجة إلى بناء اقتصادات أكثر قدرة على الصمود أمام الصدمات.
وبينما تعمل الحكومة والشركات البريطانية على إيجاد حلول عاجلة للحد من النقص وارتفاع الأسعار، يبقى التحدي الأكبر في إعادة بناء سلاسل التوريد، وتعزيز الإنتاج المحلي، والاستثمار في التكنولوجيا والمهارات لتحقيق مرونة واستدامة أكبر.
فالتعافي وإعادة الثقة في استقرار الإمدادات يتطلبان رؤية استراتيجية وتعاوناً قوياً بين القطاعين العام والخاص وقدرة دائمة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية.

قمة دفاعية.. بريطانيا تتحرك نحو الاتحاد الأوروبي بعد خطوات ترامب التصعيدية

المدن الإسبانية تتصدر قائمة أرخص المدن في العالم

اضطرابات الإمداد تكشف هشاشة الاقتصاد البريطاني بعد بريكست وكورونا!

رسالة أوروبية – بريطانية مزدوجة لإيران والولايات المتحدة!

ديربي الميرسيسايد التاريخي: كيف بدأت القصة بين ليفربول وآنفيلد؟

إغلاق فنادق اللجوء في بريطانيا، والحكومة تجد الحل

رياضة الكريكيت: هل تحولت إلى “دين” في الدول شرق آسيوية!

هزة اقتصادية تضرب العاصمة البريطانية.. ما تفاصيلها؟

الحكومة البريطانية تطلق موقع “استعد” للطوارئ.. لماذا الآن؟
