لا أحد يخطط للمرض، لكن الواقع يؤكد أن أي شخص يمكن أن يواجه حالة صحية طارئة أو طويلة الأمد تقلب حياته رأسًا على عقب، خصوصًا من ناحية الاستقرار المالي.
ففي ظل ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا والإلتزامات المالية الشهرية المتزايدة، قد يكون غيابك عن العمل لأكثر من أسبوعين كافيًا لبدء تراكم الديون وزيادة الضغوط، فكيف ستوفر نفقات منزلك؟ ومن سيدير مدخراتك؟ الأسئلة المالية في مثل هذه المواقف لا تقل عن الصحية في قسوتها.
تقول فيكي باري (Vicky Barnett)، محررة موقع (MoneyMagpie) والمختصة في الاستشارات المالية: “إن أكبر خطأ مالي يرتكبه الناس، هو الانتظار حتى وقوع المرض قبل التفكير في التدابير الوقائية، وفي بريطانيا، حيث يعتمد الملايين على خدمة الصحة الوطنية (NHS)، قد تتسبب قوائم الانتظار الطويلة في تفاقم الأزمة المالية قبل الصحية.
لكن الخبر الجيد هو أن هناك خطوات عملية يمكنك اتخاذها الآن للحد من الآثار المالية السلبية في حال اضطررت إلى إجازة مرضية طويلة أو فقدت قدرتك مؤقتًا على العمل، فسواء كنت موظفًا أو تعمل لحسابك الخاص، فإن التخطيط المسبق يبقى أفضل وسيلة لمواجهة المجهول.
هل 10 جنيهات شهريًا كافية لحماية الاستقرار المالي؟
قد يبدو التأمين الصحي رفاهية لمن يعتمد على خدمة الصحة الوطنية (NHS)، لكن الإحصاءات تكشف واقعًا مختلفًا.
فالمتوسط الزمني للانتظار قبل رؤية الأخصائي يصل إلى 18 أسبوعًا، ما يعني أن أمراضًا خطيرة مثل السرطان أو أمراض القلب قد تتطور قبل الوصول إلى مرحلة التشخيص.
وهنا يأتي دور التأمين الصحي الخاص، الذي يبدأ من 10 جنيهات إسترلينية شهريًا، ويمنح ميزة حاسمة لا توفرها الخدمات العامة إلا وهي “السرعة”.
و تقدم بعض الشركات، مثل بويا (Bupa) أو أكسا (AXA)، حزم تأمين تتضمن أجهزة تتبع صحية مجانية، غير أن المفارقة تكمن في أن هذه الشركات غالبًا ما تستثني “الحالات الموجودة مسبقًا” من تغطيتها.
ولهذا، فإن التوقيت يصبح عاملًا حاسمًا، وينصح بشراء التأمين عندما لا تكون بحاجة إليه، لأنك حين تحتاجه قد يكون الأوان قد فات.
أما فيما يتعلق بالدخل المفقود، فإن “تأمين الدخل”يمثل الحل البديل، حيث يحصل الموظفون على “إعانة المرض القانونية” بقيمة 109.40 جنيه إسترليني أسبوعيًا، وهو مبلغ بالكاد يغطي فواتير الطاقة في بعض المنازل، أما العاملون لحسابهم الخاص، فلا يحصلون على أي دعم مالي.
ويوفر تأمين الدخل تغطية تصل إلى 70% من الراتب، لكن من الضروري الاطلاع على التفاصيل الدقيقة للوثيقة، إذ قد تستثني بعض العقود الأمراض النفسية أو الإصابات السابقة.
اقرأ أيضاً: غلاء المعيشة في بريطانيا يجبر كبار السن على سرقة المتاجر!
التوكيل القانوني: من سيتخذ القرارات حين تعجز عن ذلك؟
يتكرر هذا المشهد يوميًا في المستشفيات البريطانية؛ مريض يصاب بجلطة، فيفقد القدرة على الكلام، بينما تجمد حساباته البنكية لأن زوجته لا تملك صلاحية الوصول إليها.
الحل يكمن في “التوكيل القانوني”، والذي يمتلكه 85% من البريطانيين، وفقًا لدراسة أجراها “مكتب الوصايا العام” (Office of the Public Guardian).
وهناك نوعان رئيسيان من التوكيل القانوني:
– التوكيل العادي: خيار مناسب للحالات المؤقتة، مثل الإجازات المرضية القصيرة، حيث يتيح لشخص موثوق إدارة الشؤون المالية ودفع الفواتير.
– التوكيل الدائم: ينقسم إلى نوعين، الأول لإدارة الممتلكات، والثاني للقرارات الصحية، يصبح نافذًا فقط عند فقدان القدرة على اتخاذ القرارات.
أما التكلفة، فتبلغ 82 جنيهًا إسترلينيًا للتسجيل، لكن عدم امتلاك هذا التوكيل قد يؤدي إلى عواقب مالية خطيرة، قد تصل إلى خسارة الممتلكات.
وينصح محامو “مكتب استشارات المواطنين” بالتسجيل المبكر والاحتفاظ بنسخة ورقية، إذ إن بعض البنوك ترفض التعامل مع النسخ الإلكترونية.
صندوق الطوارئ والخط الائتماني: أساس الاستقرار المالي
وجود شبكة أمان مالية قبل مواجهة أي أزمة يعد خطوة ضرورية لتجنب الضغوط الاقتصادية المفاجئة.
وتؤكد باريت: “المدخرات المثالية تغطي ثلاثة أشهر من النفقات، لكن الأهم هو البدء بتأمين شهر واحد على الأقل”، فكيف يمكن تحقيق ذلك بسرعة؟
وهذه مجموعة من الاستراتيجيات المبتكرة لبناء صندوق الطوارئ:
– استرداد فائض مدفوعات الطاقة: إذا تجاوز رصيدك 100 جنيه إسترليني، يمكنك طلب استرداد المبلغ نقدًا فورًا من شركات مثل بريتش غاز (British Gas).
– بيع الممتلكات غير المستخدمة: توفر منصات مثل فينتد (Vinted) فرصة لبيع الملابس القديمة، فيما يتيح ميوزيك ماجبي (MusicMagpie) بيع الأجهزة الإلكترونية المستعملة.
– الاستفادة من عروض البنوك: بعض المؤسسات المالية، مثل فيرست دايركت (First Direct)، تقدم مكافآت تصل إلى 175 جنيهًا إسترلينيًا عند فتح حساب جديد.
أما الخط الائتماني، فهو أداة لتعزيز القدرة المالية الاحتياطية، حيث يمكن فتح بطاقة ائتمان بفائدة 0%، مثل باركلي كارد بلاتينيوم (Barclaycard Platinum)، واستخدامها لسداد اشتراكات شهرية بسيطة مثل نتفليكس (Netflix)، ثم دفع المبلغ بالكامل دون تأخير.
والهدف هو بناء سجل ائتماني قوي والحفاظ على رصيد مالي احتياطي لمواجهة أي ظرف طارئ.
اقرأ أيضاً: ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا؟ دليلك للتعامل مع الديون وتحديد أولويات الفواتير
منح ومساعدات قد تحول دون الوقوع في أزمة مالية
قد تكون مؤهلًا للحصول على بدل الحضور، الذي يوفر دعمًا ماليًا يصل إلى 101.75 جنيهًا إسترلينيًا أسبوعيًا لمن تجاوزوا 65 عامًا ويعانون من إعاقة.
كما يمكن لمن يتولون رعاية شخص آخر الاستفادة من بدل الرعاية، مما يخفف الأعباء المالية الناتجة عن تقديم الرعاية المستمرة.
وللعثور على منح غير معلن عنها سابقاً، توفر الأداة المجانية “تيرن تو أس” (Turn2Us) إمكانية الكشف عن أكثر من 3,000 منحة، ومنها:
–منحة رولاند هيل (The Rowland Hill Fund): تقدم دعم مالي لموظفي البريد الذين يواجهون ظروفًا صحية صعبة.
– الجمعية الملكية الخيرية (The Royal Benevolent Society): تقدم مساعدات مخصصة لكبار السن العاملين سابقًا في قطاع الفنون.
في النهاية، قد يكون المرض مفاجئًا، لكن الأزمة المالية غالبًا ما تكون نتيجة الإهمال في التخطيط، لهذا كل إجراء تتخذه اليوم يشكل دعامة أساسية لحماية مستقبلك المالي.
وكما تؤكد باريت: “الاستعداد لمواجهة الظروف الصحية ليس ضربًا من التشاؤم، بل هو قمة الوعي المالي والمسؤولية”.
