نيلس هاو: زمن الوباء والحرب يحتاج أشعار السعادة والحب
تابعونا على:

مقابلات

نيلس هاو: زمن الوباء والحرب يحتاج أشعار السعادة والحب

نشر

في

412 مشاهدة

نيلس هاو: زمن الوباء والحرب يحتاج أشعار السعادة والحب

حاوره: محسن حسن  

يتميز الشعراء والكتاب الاسكندنافيون بصفة عامة، والمعاصرون منهم بصفة خاصة، بتفاعلاتهم الواعية مع الواقع المحيط بهم والبيئة التي يعيشون فيها، ذلك أنهم ينعمون بتنوع لا مثيل له في الأجواء والتفاصيل، وربما في التجارب العامة والخاصة أيضاً، الأمر الذي شهدت معه بيئتهم الشعرية المعاصرة، ومعها إنتاجهم الشعري وعموم أعمالهم ومؤلفاتهم، ازدهاراً ملحوظاً من حيث الحضور المميز في المشهد الأدبي العالمي وفي دور النشر المختلفة، ولعل حصول الشاعر السويدي (توماس ترانسترومر Tomas Tranströmer) على جائزة نوبل في الآداب لعام 2011، ومن بعده الكاتب المسرحي النشرويجي (يون فوسه Jon Fosse) على ذات الجائزة عام 2023، يشير إلى أي حد يتميز القلم الاسكندنافي، شعراً كان أم نثراً، بقدرة فائقة على النفاد إلى أعماق الشعور الإنساني الخالص، والالتحام به تجسيداً ووصفاً وتمثلاً.

وفي الدنمارك، يتنامى إلى المشهد الشعري والقصصي، رويداً رويداً، تأثير ذلك الصوت البارز والمعاصر للشاعر والقاص الدانماركي (نيلس هاو Niels Hav) والذي يعد من أهم شعراء وكتاب المرحلة؛ حيث تتميز أشعاره وكتاباته السردية، بلغة بسيطة منسابة، وبصور خيالية طبيعية ومؤثرة، كما تعكس تأملاته الفلسفية والروحية، عالماً مغايراً من التفاعل والحضور، وهو من الأسماء التي تتسم أعمالها بالعمق العاطفي والفكري، وبتناول مجموعة واسعة من المواضيع المستمدة تارة من إلهامات الطبيعة والهوية الثقافية، وتارة أخرى من القضايا الاجتماعية والإنسانية، ولكن في الحقيقة، لا يمكن الحصول على توصيف مكتمل لنمط عمقه الإنساني والإبداعي إلا من خلال الاحتكاك المباشر  بقصائده وقصصه، فهي الوحيدة التي يمكنها تقديم ذلك التوصيف بمنتهى الدقة والصدق، على أنه في كل الأحوال، لا تستهويه الحالمية في برجها العاجي، بقدر ما تستهويه البساطة والواقعية.

 وعلى مستوى السيرة الذاتية والأدبية، انطلق مشوار (نيلس هاو) الإبداعي عبر التحامه المباشر مع مؤلفات الأدب الكلاسيكي الدانماركي و العالمي شعراً ونثراً؛ فتمخض هذا الالتحام عن تأثره الشخصي الخاص بكتابات قصصية وشعرية كثيرة، لعل من أبرزها مؤلفات الكاتب الروسي (أنطون تشيخوف) ونمطه السردي في الكتابة القصصية، ومؤلفات كل من الشاعر البولندي (تشيز إرماو مي إرموس)، والناقد الاسترالي (ليه موراي Les Murray) في الكتابة الشعرية، ولكنه على أية حال، يظل متأثراً أكثر ببيئته المحلية والريفية القابعة في أحضان المزارع والأنهار، ومتأثراً كذلك، بتلك الجذور التاريخية التي ترتبط بهذه البيئة؛ حيث الملاحم والأساطير والأغنيات المحمولة تاريخياً عبر نقوش وكتابات اللغة الاسكندنافية القديمة، وهو ما يظهر جلياً في مفرداته الشعرية والسردية.

يكتب نيلس هاو الشعر والقصة القصيرة، وهو من مواليد غرب الدنمارك؛ حيث نشأ وترعرع في إحدى المزارع هناك، وهو حالياً يعيش مع أسرته في  منطقة (نوربرو Nørrebro) الواقعة في الشمال الغربي لمركز مدينة (كوبنهاجن)، وهي المنطقة التي من خلالها ذاع صيته كشاعر وقصاص متميز؛ فترجمت أعماله إلى لغات عديدة منها الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والتركية والعربية والهولندية والصربية والكردية والألبانية والفارسية، وله عدة مجلدات شعرية ومجموعات قصصية، حصل بواسطتها على جوائز وطنية متنوعة، كما أن له مؤلفاً منشوراً وذا قيمة أدبية وشعرية كبيرة في تاريخ شعراء الدانمارك، يحتوي على مختارات شعرية وترجمات لأكثر من مائة شاعر ومئات القصائد التي حفل بها المشهد الشعري الدانماركي عبر أكثر من سبعة قرون من الإبداع والكتابة في الماضي والحاضر، وبفعل حالة التفاعل الثقافي والأدبي الكبيرة التي تشهدها المدن الدانماركية المزدحمة بجنسيات وعرقيات عديدة، وأيضاً من خلال أسفاره ومشاركاته ولقاءاته الإعلامية الكثيرة في الفعاليات الثقافية والأدبية والشعرية عبر دول وقارات العالم المختلفة، يُطل (هاو) على ثقافات وروافد معرفية معولمة، تمنحه المزيد من النضج الأدبي والإنساني، والقدرة على الانتشار.. أرابيسك لندن، تواصلت مع الشاعر، وأجرت معه هذا الحوار: 

بداية: ما الجديد في إطلالاتك الشعرية على قرائك ومتابعيك في الدانمارك وخارجها؟  

ــ مؤخراً صدر ديواني الشعري MOMENTS OF HAPPINESS أو لحظات من السعادة، عن دار Anvil Press في فانكوفر، وهذا الديوان يعبر عن حالة مختلفة من  التناقض مع الذات والواقع، فالعالم الآن يمر بمرحلة ارتباك وخوف وقلق تجاه الحاضر والمستقبل، ونحن معه نمر  بذات المرحلة، وبين الوباء والحرب، وجدت نفسي مدفوعاً بالكثير من المشاعر المتضادة والمتنازعة والمختلطة، نحو  التعبير عن قيمة السعادة في الحياة، وعن قيمة لحظاتها المفتقدة التي باتت على كل حال، محفوفة بأحزان حروب عبثية، يدفع فيها الأبرياء من النساء والأطفال والشباب ثمناً باهظاً لجنون الموت القديم في قارتنا العجوز، وفي غيرها، ولا تزال الأرواح تُحصد وسط عجز تام عن رؤية النهاية لألسنة اللهيب المحترق؛ لذا تأتي الكلمات في هذا الديوان مناجية للسعادة المُهدرة، والتي نتوق إليها جميعاً أكثر من أي وقت مضى..

ماذا تقول في قصيدتك المعنونة بــــــــ (حرب WAR) ضمن هذا الديوان؟

أقول فيها:

The word war is banned in Russia, fortunately.

في روسيا كلمة الحرب ممنوعة، لحسن الحظ.

Words like anxiety, screams and bombs must also be banned.

لكن كلمات القلق والصراخ والقنابل، يجب منعها كذالك

The dumbest thing is to think.

أغبى شيء هو أن تفكر

The word invasion is already banned.

الغزو كلمة محظورة بالفعل

The army’s casualty figures don’t exist.

خسائر الجيش في طي العدم

Crying soldiers must not be mentioned.

بكاء الجنود واجب الإخفاء والستر

Corpses and smashed children are banned,

الجثث والأطفال المحطمون مغيبون عن المشهد

the horror in basements and metro stations.

كذاك الرعب في الأقبية ومحطات المترو

The word death is fortunately forbidden 

كلمة الموت ممنوعة لحسن الحظ

death is illegal in Russia.

الموت غير قانوني في روسيا

اقرأ أيضًا: الأديبة سارة السهيل لأرابيسك لندن: الإتجار بالبشر أبشع جرائم الإنسانية، والطفولة المجندة في الحروب قضية الساعة وكل ساعة!!

برأيك إلى أي حد تغيرت أولويات الشعر والشعراء في الوقت الحالي؟ 

اهتمامات الشعر والشعراء الرئيسية الآن لها تركيز مختلف؛ فالأجندة اليوم تتعلق بقضايا السلطة والعرق والجنس البشري وحماية البيئة؛ إنه جدول أعمال إخباري ساحق ودوَار يفرض نفسه بإلحاح على موضوعات الشعر وضمائر الشعراء، وهو صوت الضرورة الصارخ الذي يتحدث إليك عن اهتماماتك الشخصية الأساسية؛ لقد تغير الطموح الشعري في ظل التفاوت العالمي والطبقية المهيمنة والجنونية، فقد أصبح فاحشي الثراء أكثر ثراء، والفقراء يفقدون كل شيء بفعل التضخم، إننا كشعراء وكأفراد عاديين ندرك أن الأرض غنية، وأن هناك ما يكفي من الغذاء والموارد للجميع إذا كنا نتقاسم بشكل عادل، لكنه أمر غامض أفقدنا العدالة على أيدي قادة صم وبكم وعمي عن معاناة الناس، حسناً،  لنأمل أن يغفر لنا أطفالنا، أن يفعلوا ما هو أفضل، وأن يخلقوا عالماً أكثر عدلاً، إنهم فقط يحتاجون إلى سماع صوت العقل والانصياع لحكمه.

هل أنت راضٍ عن انتشار كتاباتك الشعرية في أوروبا وخاصة المملكة المتحدة؟

لسبب ما، تحظى كتبي باهتمام أكبر في أمريكا الشمالية، سأكون سعيدًا بالتأكيد بتواصل أكثر مع الشعراء والمؤسسات الأدبية في المملكة المتحدة وبتبادل المعرفة مع الجميع، ربما يجب أن أقضي المزيد من الوقت هناك.

انشغلت الثقافة العالمية كثيراً في الماضي بحكايات أندرسن للأطفال: هل لديك نية مستقبلية للتعاطي مع فكرة الكتابة للأطفال والطفولة؟

أندرسن هو عبقريتنا الفريدة، فقد زار تشارلز ديكنز في لندن وأمضى بضعة أسابيع هناك. يمكنه كتابة القصص في وقت واحد للأطفال والكبار، ومغامراته تسحر العالم. أتمنى لو كان لدي المزيد من تلك الموهبة. في داخلنا جميعًا طفل يتوق إلى السحر والمعجزات. سأكون سعيدا لإطعام هذا الطفل وإخراجه إلى الوجود يوماً ما.

مجموعتك الشعرية (نحن هنا) تركت أثراً إيجابياً على القراء الإنجليز.. لماذا من وجهة نظرك؟

يرجع ذلك إلى الترجمات الممتازة التي قام بها بير براسك Per Brask وباتريك فريزين Patrick Friesen ، وكلاهما كاتب حقيقي، لقد اشتغلا على أعمالي لعقود، ونحن نفهم بعضنا البعض بعمق،  لقد زاراني في كوبنهاغن وشاركت في المهرجانات والفعاليات معهما حول كندا والولايات المتحدة. آمل أن نتمكن من زيارة المملكة المتحدة يومًا ما.

لماذا تفضل دائمًا عدم الانتماء إلى أي مدرسة لغوية سائدة في بيئتك الشعرية؟

 ربما بسبب خلفيتي الريفية، نشأت في مزرعة في الريف محاطة بالحيوانات والطيور. لم أوضع قط في روضة أطفال، ولم أتعلم أبدًا أن أسير وأمشي على الإيقاع والمنهج الجمعي. أنا عازف منفرد، أفضل التصرف بمفردي. الحرية بالنسبة لي هي الذهب الخالص؛ من الضروري أن تظل مستقلاً. لم أفهم أبدًا رغبة الكتاب في الاتحاد في مجموعات. ونحن الشعراء صيادون انفراديون. الوحدة والضعف هي ظروف نشترك فيها مع جميع الناس. هذا بالضبط هو سبب وجود الأدب. الشعر هو حديث حميمي مع القارئ الفردي عن أعمق ألغاز الحياة. في لحظات العزلة، عندما تقع الحوادث، أو عندما تثقلنا الأحزان، أو عندما تصبح السعادة غامرة، في هذه اللحظات يكون الشعر موجودًا ببعض الكلمات البسيطة والمؤثرة.

ما القضية التي تراها جديرة باهتمام المثقفين والأدباء والشعراء في المرحلة القادمة من عمر هذا الكوكب؟

  سيكون تغير المناخ قريباً على رأس جدول الأعمال الدولي؛ فمن الواضح أن أسلوب حياتنا يدمر الكوكب ويسمم الغلاف الجوي، وفي الوقت الذي يتعامل فيه السياسيون مع هذه التحديات بشكل تافه وبازدواجية في المعايير، تظهر الحاجة الماسة إلى طريقة جديدة للتعاطي مع الحياة،  خاصة وأننا أصبحنا نعيش في كوكب هش ذي غلاف جوي رقيق، إلى جانب الزيادة الكبيرة في لاجئي المناخ وهي قضية متنامية ومشكلة ملحة؛ لذا فنحن بحاجة ماسة إلى يوتوبيا جديدة، ولم يعد النهج الاستهلاكي المفرط للغرب المجنون منطقيًا، ومن ثم فأنا متأكد من أنه في السنوات القادمة، سيركز الشعراء وجميع الفنانين على الجهود المبذولة لمعالجة هذه الأزمة.

لكننا رغم كثرة القصائد والروايات، نعاني من أزمات ومحن عالمية متكررة، برأيك، هل فقد العالم متعة الاستماع إلى الحكمة والحكماء؟

نعم، نحن في منطقة ذهنية جديدة. ماذا يعني هذا بالنسبة للفرد؟ الشعور بالوحدة والعزلة. القلق والأرق. توفر وسائل الإعلام العامة والترفيه، كما هو الحال دائمًا. – يفحص المؤرخ الفرنسي فرانسوا هارتوغ علاقتنا بالماضي والحاضر والمستقبل. تُظهر تحليلاته تركيزنا المفرط على “هنا” و “الآن”. بدون معرفة الماضي، ليس لدينا أي فكرة عن المستقبل، فنحن محاصرون في اللحظة الحالية ومنخرطون في ذكريات الماضي والتوق اليوتوبي من أجل مستقبل أفضل. لكنني في الأساس متفائل، والروح البشرية سليمة. ولا يزال الشباب يستمدون الحكمة من دراسة الثقافات القديمة ويجمعونها مع حلول جديدة للمشاكل الحالية. لقد كانت هناك حضارات هنا، ماضي الأرض غني، وكذلك المستقبل. وقتنا الفردي مع اللحم على عظامنا قصير، لكن دعونا لا نخلط بين بيولوجيتنا وعمر وصحة الكوكب. فسوف تستمر الحياة بعد رحيلنا، وهذا أجمل أمل.

اقرأ أيضًا: مسعود كيبوانا لـ أرابيسك لندن: الفنون السعودية مزدهرة وأمنيتي توثيق روابط الإبداع بين الرياض ودار السلام

ختاماً، ما الذي يعنيه الحب في حياة نيلس هاو الأدبية والشعرية؟ وما هو تقييمك للجوائز الأدبية والفنية في العالم اليوم؟

  يتدفق في عروقي شوق لا يشبع أبداً لنشر الحب والسعادة عبر الكون، إنها رغبتي في إطعام هذا الجوع؛ فالحب هو جوهر الكون، و هو جوهر حياتنا. نعلم جميعًا أننا لا شيء بدون حب، نتعلمه من جميع الأديان ومن الفلسفة القديمة، هذا ضروري في جميع العلاقات الإنسانية، إذا كان الحب مفقودًا، فكل شيء آخر لا يهم. الجميع يعرف هذا. يتحدث العلم عن “المادة المظلمة” و “الطاقة المظلمة”. ربما يجب أن يركز الشعر أكثر على التوهج الأعمق للكون، أما الجوائز الأدبية والفنية فمرحبا بها، ولكن الجائزة الوحيدة والأكثر أهمية هي أن تكون محبوبًا، وهذه هي السعادة الغامرة.

أعظم سعادة

الأفراح تتبخر.. وكل شيء يختفي في عجلة من أمره

لكن أعطني، 

أعطني، أعطني، أعطني-.. أوه، نعم، أعطني مرة أخرى

جرعة.. من أعنف سعادة

مباشرة في عضلة قلبي

اقرأ أيضًا: استقالة مسؤول بريطاني رفيع المستوى والحكومة تتهرب من المواجهة!

X