شهدت مدينة لوانغ برابانغ Luang Prabang، القلب الروحي لمدينة لاوس Laos city، ازدهاراً سياحياً ملحوظاً. والآن، تُقدّم سلسلة من التجارب الغامرة بقيادة رهبان لتثقيف الزوار حول التراث البوذي للمدينة، فهل ستنجح المدينة في استقطاب السياح لاسيما البريطانيين؟ فمدينة لوانغ برابانغ هي المعقل الروحي لجمهورية لاوس، وتشتهر بتراثها البوذي الغني ومعابدها المزخرفة وعدد كبير من الرهبان ذوي الرداء الأصفر.
في الواقع، يُقال إن هذا المركز الروحي، الذي يبلغ عدد سكانه 50 ألف نسمة، يضم أعلى نسبة من الرهبان للفرد في العالم.
موقع مدينة الرهبان “لاوس” والأساطير المعلقة بها
تقع لوانغ برابانغ شمال لاوس في قلب منطقة جبلية. بُنيت المدينة على شبه جزيرة تشكلها نهر ميكونغ Mekong River ونهر نام خان Nam Khan River. تُحيط بها سلاسل جبلية (وخاصةً جبال فو تاو وفونغ Phu Tao and Phong Mountains) بمساحات خضراء كبيرة.
ترتبط العديد من الأساطير بتأسيس المدينة، منها أسطورة تروي أن بوذا كان يبتسم عندما يستريح فيها خلال أسفاره، متنبئاً بأنها ستكون يوماً ما موقعاً لمدينة غنية وقوية.
عُرفت المدينة باسم موانغ سوا Muang Sua، ثم شيانغ ثونغ Chiang Thong، ومن القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر، أصبحت عاصمة مملكة لين زانغ Lin Zhang القوية (مملكة المليون فيل)، التي ارتبط ثروتها ونفوذها بموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير. كما كانت المدينة مركزاً للبوذية في المنطقة. اشتُقت لوانغ برابانغ من تمثال بوذا، برابانغ، الذي أهدته كمبوديا Cambodia.
بعد تأسيس الحماية الفرنسية عام 1893، وبعد فترة من الاضطرابات التي قُسِّمت خلالها البلاد إلى ثلاث ممالك مستقلة، عادت لوانغ برابانغ لتصبح العاصمة الملكية والدينية في عهد الملك Sisavang Phong. واستمرت في هذا الدور حتى أصبحت Vientiane العاصمة الإدارية عام 1946.
اقرأ أيضاً: أفضل الوجهات السياحية خارج بريطانيا نحو الولايات المتحدة

أهم ما يميز المدينة ويجعلها مقصد للسياح
تتميز لوانغ برابانغ بتراثها المعماري والفني الغني، الذي يعكس اندماج العمارة الحضرية التقليدية مع عمارة الحقبة الاستعمارية. ويعكس مشهدها الحضري المحفوظ جيداً تناغم هذين التقليدين الثقافيين المتميزين.
تُعدّ شبه الجزيرة، بما فيها من مساكن ملكية ونبيلة ومؤسسات دينية، المركز السياسي والديني للوانغ برابانغ Luang Prabang. وقد حافظت المباني اللاحقة على النسيج العمراني التقليدي للقرى القديمة، لكل منها معبدها.
وتداخلت البنية الحضرية الاستعمارية، بما في ذلك شبكة الشوارع، بتناغم مع النموذج السابق. وكانت حدود المدينة تُحدد سابقاً بأسوار دفاعية.
كما تقع لوانغ برابانغ عند ملتقى نهري ميكونغ وخان عند سفح جبل فو سي Fu Si Mountain (“الجبل المقدس”) المُحاط بالأدغال، وهي العاصمة الملكية السابقة للاوس.
تأسست في القرن الرابع عشر، وسرعان ما أصبحت مركزاً لتعلم البوذية والحياة الرهبانية، وهو دور لا يزال قائماً حتى يومنا هذا وعاملاً رئيسياً في جذب السياح، وينتشر في جميع أنحاء المدينة حوالي 33 دير أو “معابد بوذية” مُزخرفة ببذخ، يعود تاريخ العديد منها إلى ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، وتُعتبر المدينة موطناً لما يُقدر بألف راهب.
ويقع مجمع المتحف الوطني الشهير بالمدينة داخل معبد مُخصص ويعتبر أحد أهم الوجهات الساحية في المدينة، كما يوجد فيها تمثال فرا بانغ الذهبي، وهو أقدس تمثال لبوذا في البلاد حيث يقول خامفيو Khampheo أحد الرهبان: “إنه يُمثل قدوم البوذية إلى لاوس، ويُعتقد أنه يحمي الأمة، ولهذا السبب تحظى المدينة بهذا التبجيل”.
تُشكل زيارة المعابد البوذية، وأداء طقوس البوجا (الطقوس الدينية)، وتقديم الصدقات، وغرس الفضائل بالأعمال الصالحة جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لسكان لوانغ برابانغ، الذين يدينون بالبوذية في الغالب، وإن الروحانية العميقة والموجودة في كل مكان في لوانغ برابانغ، إلى جانب أنماطها المعمارية الانتقائية وهي مزيج من الطراز اللاوسي والبوذي والاستعماري الفرنسي جعلتها تحظى بشعبية متزايدة بين الزوار.
وأهم الطقوس التي تأثرت بنمو السياحة في المدينة طقوس “Tak pat”، وهي احتفال يومي مهيب يعود تاريخه إلى أكثر من 600 عام، حيث يجوب مئات الرهبان حفاة الأقدام الشوارع قبل الفجر لجمع الصدقات.
لكن رغم وجود لافتات تطالب المارة بالتصرف اللائق، إلا أنها غالباً ما تُتجاهل. تقول بارن ثونغبارن Barn Thongbarn، وهي راهبة محلية تحولت إلى مرشدة سياحية وتتجنب الاحتفال وتصطحب ضيوفها إلى أماكن أخرى لتجربة أكثر هدوء: “يؤلمني رؤية هذا الازدراء”. وتضيف: “نحن نحب الزوار، ولكن لو خصصوا بعض الوقت لفهم ثقافتنا بشكل أفضل، لكان ذلك مفيداً في حماية تقاليدنا الجميلة”.
اقرأ أيضاً: تراجع المملكة المتحدة كوجهة سياحية لصالح الأوربيين.. مشكلات وحلول!!

“روح لاوس” ترجمة لجهود الرهبان في ازدهار السياحة في المدينة
أسس الراهب السابق بونثان سينغسافانغ Bonthan Singhsavang شركته الإرشادية “روح لاوس” عام 2024 لضمان نهج أكثر احتراماً لرهبان لوانغ برابانغ، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للزوار لخوض رحلة أعمق في البوذية.
يقول سينغسافانغ: “ينبغي أن يكون المرشدون الأقرب صلةً بالموضوع. إن لم تكن راهباً وعشتَ في دير، فلن تعرف معنى البوذية. لقد علّم بوذا نفسه من واقع خبرته. وأنا أحب أن أفعل الشيء نفسه”.
وبدلاً من عرض قائمة طويلة من المعابد لزيارتها في جولة سريعة بالمدينة، يُفضل سينغسافانغ قضاء وقت ممتع في عدد قليل منها ليُطلع ضيوفه على تفاصيل حياة الرهبان اليومية، يقول: “يعيش الرهبان حياةً بسيطةً للغاية. تُعتبر الثروة والممتلكات أساس المعاناة بدونها، يُكرّس الرهبان أنفسهم للتأمل والدراسة والحياة الأخلاقية. وبالاعتماد كلياً على صدقات المجتمع في الطعام، يُمارسون التواضع والامتنان”.
كما يتم تنظيم جلسات صلاة وترانيم وتأمل بصحبة الرهبان عند الطلب، حيث أن التأمل يمكن تعلمه في يوم أو يومين، سواءً مشي أو جلوس أو وقوف أو نوم، وفوائده تشمل تهدئة الذهن المتوتر والتغلب على الاكتئاب. كما يقول سينغسافانغ: “يسعد الرهبان دائماً بانضمامنا إليهم”، مشيراً إلى أنهم غالباً ما يستمتعون بالتفاعل مع الزوار بعد ذلك. ويضيف: “إنها طريقة رائعة للتواصل معهم ومعرفة هويتهم وسبب انضمامهم إلى الدير ومساعدتهم على ممارسة اللغة الإنجليزية”.
كذلك تنظم زيارات تشمل حرق جثث بوذي، وهناك شرط يجب اتباعه وهو: (الزوار مدعوون للحضور بشرط الحفاظ على مسافة آمنة).
ويضيف سينغسافانغ : “كل شيء ينتهي،لكننا لا نعرف متى”. ويشير: “رؤية حرق الجثث مهمة، فهي تُذكر الناس بقيمة الحياة القصيرة التي نعيشها. ولعلها تساعدهم أيضاً في إيجاد هدفهم أو تُلهمهم لعيش حياة أفضل. إن حدث ذلك، فسيكون بمثابة استنارة”.
ختاماً، مدينة لاوس من أبرز الأماكن التي يمكن أن يزورها البريطانيون هذا العام أو في الأعوام القادمة، حيث تتيح لهم تجربة نوع جديد من السياحة غير مألوف، وهو السياحة الروحية، بالإضافة إلى أنها تسمح لهم بالتعرف على ثقافات وطقوس جديدة بما يخدم توسع مداركهم وغنى معلوماتهم فالبريطانيون مجتمع متنوع ومرن وقابل للتعرف والانفتاح على ثقافات جديدة.
اقرأ أيضاً: ستراتفورد لندن أفضل الوجهات السياحية في بريطانيا لعام 2025