هل تريد الانتقال للعيش خارج البلاد؟ هذه هي الدول التي يشعر فيها المغتربون بالسعادة أكثر من غيرها.
تحدثنا إلى المغتربين المقيمين في الدول التي تحتل المراكز الأولى عالميا في جذب الوافدين، لمعرفة الأسباب التي تجعلهم يختارون العيش في تلك الدول.
في الوقت الذي يصبح فيه العالم أكثر ترابطا، يزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون خارج أوطانهم. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 244 مليون شخص يعيشون خارج أوطانهم، مما يشكل ارتفاعا بنسبة تفوق 40 في المئة منذ عام 2000.
ولكن مع تزايد أعداد الأشخاص الذين يسعون وراء وظائف وفرص جديدة، ما الذي يجعل الوافدين سعداء في أوطانهم الجديدة؟
لمعرفة الإجابة، أجرت شبكة “إنترنيشنز” العالمية للتواصل بين المغتربين حول العالم، مؤخرا دراستها السنوية بعنوان “إكسبات إنسايدر”، والتي شملت أكثر من 14 ألف مغترب من 191 دولة.
وطُلب من المشاركين في هذه الدراسة تقييم 43 وجهاً من من أوجه الحياة المختلفة للعيش في الخارج، بداية من درجة الود التي يظهرها السكان المحليون، ونمط الحياة العائلي، إلى القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، والتوازن بين العمل والحياة. ثم صنفت الدراسة الدول في قائمة وفقا لما حصلت عليه من درجات في هذا الشأن.
وقد تحدثنا إلى المغتربين في الدول الخمس الأعلى ترتيباً في هذه القائمة لمعرفة ما الذي يجعل العيش في بلادهم مميزاً بالنسبة للوافدين.
تايوان
تعد ثقافة الترحيب بالوافدين، ودفء المعاملة، إضافة إلى توفر وسائل الراحة التي تميز نمط الحياة الغربية هنا من العوامل التي تجعل التكيف مع الحياة في تايوان سهلا بالنسبة لمعظم المغتربين، خاصة أن السكان المحليين على استعداد دائم للمساعدة.
تقول مونيكا ميزي، وهي أسترالية الأصل وتدير موقع “تايبنغ تو تايبيه” الإلكتروني للمناسبات والاحتفاء بالثقافة المحلية في تايوان: “لقد فوجئت وشعرت بالخجل إزاء مدى الترحيب الذي يظهره العديد من سكان تايوان المحليين، بداية من إظهار الصبر عندما أرتبك في استعمال لغة الماندرين، إلى اهتمامهم البالغ بتقديم المساعدة عندما أكون في مأزق.”
وتضيف: “معظم المغتربين يتجمعون في مدينة تايبيه (عاصمة تايوان) حيث يتحدث عدد أكبر من الناس باللغة الإنجليزية، ووسائل النقل سهلة الاستخدام”.
داخل المدينة نفسها، يميل المغتربون الجدد إلى العيش في بلدة تينمو. وتشرح ليزي غيروك، وهي أمريكية من أوكلاهوما سيتي ومتطوعة حاليا كمستشارة لشبكة “إنترنيشنز” في تايبيه، قائلة:”إنه حي مترامي الأطراف بالنسبة للأجانب، ويعطي شعورا أكبر بأنك تعيش في الضواحي، ويبعد أكثر عن نظام مترو الأنفاق”.
وتقول غيروك، التي تعيش في تايبيه منذ عدة سنوات في حي شينيي في وسط المدينة، إنها “تحب أن تكون قريبة من مراكز التسوق، والمطاعم، والمعارض، وموسيقيّ الشوارع، ودور السينما”.
وبينما تعتبر تكاليف الحياة في المدينة معقولة إذا ما قورنت بعواصم آسيوية أخرى، إلا أن عليك أن تبذل جهدا كبيرا للإبقاء على تكاليف حياة منخفضة كي تعيش كالمواطنين المحليين.
وتقول كارين فارلي، وهي كندية الأصل وعضوة في شبكة “إنترنيشنز”: “إن شراء أي شيء مثل الأجهزة، أو الملابس، أو الأحذية قد يكون باهظ التكلفة. ويتعين على السكان الأجانب أن يدركوا أن امتلاك مطبخ كبير على الطراز الغربي مع فرن كهربائي هو أمر نادر هنا؛ إذ أن معظم المطابخ صغيرة الحجم، ويتوفر فيها فرن محمصة، أو ميكروويف”.
ومع ذلك، فإن تايبيه تتميز بـ “مطبخ لذيذ مثير للعجب”، مع وجود باعة السوق ليلا، وسلسلة مطاعم المعكرونة بلحم البقر، والمطاعم اليابانية الراقية، وكل ذلك غالبا ما يكون أرخص من تناول الطعام في المنزل.
مالطا
يأتي الطقس الدافئ والقرب من أوروبا من بين أقوى عوامل الجذب لدى هذه الدولة المتوسطية. إذ يؤدي المناخ إلى تباطؤ وتيرة الحياة، لذا يجب على السكان الذين يفكرون في الانتقال إلى مالطا أن يستعدوا للاسترخاء، بدلا من الهرولة في هذا البلد.
وتقول سيلفيا دي فيليس، إحدى مستشاري شبكة “إنترنيشنز” من روما: “إن بعض المحال التجارية تغلق في فترة راحة مبكرة بعد الظهيرة، ويلاحظ العديد من الناس خدمة بطيئة في المطاعم”.
وتضيف: “أذكر أننا جلسنا ذات مرة على الطاولة في أحد المطاعم من حوالي الثامنة مساء، وحتى منتصف الليل! وكل ما تناولناه كان وجبة واحدة من المقبلات وطبق رئيسي. وليس كل المطاعم هكذا، ولكن كن مستعدا لأن هناك نهج مسترخ في العمل”.
وتجتذب مدينتا سانت جوليانز وسليما، اللتين تقعا على الساحل الشمالي، الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا قريبين من المطاعم والحياة الليلية.
أما بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن نمط حياة الريفي والأكثر استرخاء، فتوصي دي فيليس بالعاصمة فاليتا، ومدينة وناكار الواقعة على بعد 12 كم شمال غربي العاصمة، ومدينة بيرغو الواقعة على بعد تسعة كيلومترات جنوبي فاليتا.
وتقيم مالطا العديد من الفعاليات الثقافية الكبرى، مثل المهرجان الدولي للفنون، ومهرجان فاليتا للأفلام، إلى جانب عدد كبير من المهرجانات التي تركز على الأطعمة المحلية، مثل عيد الفراولة الذي يتصدر قائمة توصيات دي فيليس للفعاليات التي ينبغي حضورها.
وهناك مهرجانات النبيذ أيضا، التي أكثر من أن تحصى. وتقول دي فيليس:” لدي بالفعل نوعان مفضلان من النبيذ المحلي هنا في مالطا: الأبيض سيتاديلا، والأحمر كارفاجيو ميرلو”.
وبينما يجذب النظام الضريبي الذي يراعي أحوال الأجانب العديد من المغتربين (إذ لا تفرض ضرائب على أرباح رأس المال التي تجنى من وراء البحار، إضافة إلى معاملات تفضيلية أخرى)، إلا أن أسعار الإيجار يمكن أن تكون مرتفعة.
وتشرح دي فيليس بالقول: “يميل السكان المحليون إلى مطالبة الأجانب بدفع إيجارات أعلى قليلا، لذا يتعين عليك أن تمضي بعض الوقت في البحث من أجل العثور على أفضل الصفقات”.
الإكوادور
الشعب الودود، والرعاية الصحية بأسعار معقولة، والطعام اللذيذ والرخيص، ليست جميعها سوى أسباب قليلة تفسر رغبة المغتربين في العيش في الإكوادور، وفقا لدراسة شبكة “إنترنيشنز”. بالإضافة إلى أن تنوع المدن في البلاد يوفر للمغتربين العديد من الخيارات.
يقول حاغاي غات، المستشار بشبكة “إنترنيشنز” من إسرائيل، والذي يعيش حاليا في مدينة غواياكيل في الإكوادور: “جمال الإكوادور هو التنوع. فالناس الذين يأتون هنا للتقاعد عادة ما يبحثون عن تكاليف معيشية أقل. لذا فإن الشريط الساحلي والجزء الجنوبي من الإكوادور، وأمباتو (مدينة تقع على بعد 150 كم جنوبي مدينة كيتو) ستناسب هذا النوع من المغتربين.
وأضاف: “وفي حالة الوافدين ذوي العقلية التجارية، والمنفتحين اجتماعيا، فإن كيتو وغواياكيل وكوينكا هي المدن التي تناسبهم أكثر”. وحذر غات من أن المدن الأكبر لها كلفتها، فأسعار الإيجار والأكل في المطاعم فيها أكثر ثمنا.
أما أصحاب المهارات اللغوية الأقوى، فبإمكانهم المغامرة بالذهاب إلى مناطق أبعد. وفي هذا الشأن يقول بيل هاغان، وهو من كانساس سيتي الأمريكية، ويعمل مرشدا لمشروع سفريات “يور لوكال كوزن:” هنا في أنتوتاكي (100كم شمال كيتو)، وهي بلدة يقطنها حوالي 20 ألف نسمة، نحن المغتربون الوحيدون. وتبعد مدينة كوتاكاتشي 15 دقيقة بالسيارة. فإذا أردنا التفاعل مع مغتربين آخرين، أو الاستمتاع بمأكولات مطبخ أميركا الشمالية، بإمكاننا فعل ذلك”.
المكسيك
تشبه المكسيك مالطا إلى حد كبير من حيث اجتذابها للعديد من المغتربين بسبب الطقس الدافئ، إلا أن ترحيب السكان المحليين بالوافدين في المكسيك، والثقافة الغنية بالتقاليد وألوان الطعام، تجعل المقيمين فيها سعداء على المدى الطويل.
وتقول سميرة حسيني، مستشارة بشبكة “إنترنيشنز”، وهي إيرانية الأصل وتعيش حاليا في مدينة مونتيري التي تبعد 150 كم غرب حدود مدينة تكساس الأمريكية: “المكسيك بلد مدهش غني بآلاف السنين من التاريخ، والثقافة، والشواطئ الرائعة، والمواقع الأثرية البديعة. وبشكل خاص، فإن تنوع المطبخ المكسيكي الغني بالألوان تصعب مقاومته”.
والمغتربون هنا أيضا معجبون بحسن ضيافة السكان المحليين للاهتمام الذي يظهرونه لجعل الوافدين يشعرون أنهم جزء منهم. ولدى حسيني صديقة انتقلت للعيش في مدينة أوروبية، تماثل المكسيك في الحجم تقريبا، إلا أن أحدا لم يدُعها للخروج، مما جعلها تشعر بالعزلة في محيطها الجديد.
وتقول حسيني: “لقد كنت منهكة أيضا، ولكن بسبب وجود الكثير من الأصدقاء وتوجيه دعوات لي لحضور العديد من الحفلات التي لم أستطع مقاومتها، لم أشعر ليوم واحد بالوحدة في المكسيك”.
ويتطلع العديد من الوافدين القادمين من الغرب إلى العيش في المدن الساحلية، مثل مدينة تولوم على ساحل الخليج، أو مدينة بويرتو فالارتا على ساحل المحيط الهادئ، ولكن مكسيكو سيتي في الجزء الأوسط من البلاد هي المركز الرئيسي الذي يجذب الوافدين.
“مكسيكو سيتي هي عاصمة متعددة الثقافات إلى أبعد حدود”، حسب قول بيوكروبو سامسون ووكوما، مستشار لشبكة “إنترنيشنز” في المدينة، وهو نيجيري الأصل.
ويوصي ووكوما المغتربين بالعيش في أحياء لا كونديسا، ولا روما، وإيسكاندون، ونابوليس في وسط مكسيكو سيتي، وهي أحياء ذات أسعار معقولة، ويسهل الوصول منها إلى المطاعم، والحانات، والنوادي.
إضافة إلى ذلك، وكميزة إضافية، فإن المغتربين عادة ما يمكنهم إيجاد قطعة من وطنهم في مكسيكو سيتي. يقول ووكوما: “بإمكان المغتربين غالبا إيجاد مطاعم تقدم أشهى مأكولات أوطانهم، وأماكن تقيم احتفالات أجنبية”.
وفي حين أن الأسعار في مكسيكو سيتي تبقى معقولة أكثر مقارنة بعواصم غربية أخرى، إلا أنها من المناطق الأعلى كلفة في المكسيك. ومع ذلك، يقول ووكوما إن من السهل على العائلات أن تعيش بشكل مريح بحوالي 16 ألف بيزو مكسيكي شهريا، حتى في العاصمة.
نيوزيلندا
يجتذب الجمال الطبيعي المذهل في نيوزيلندا الناس من جميع أنحاء العالم، ومع سهولة الوصول إلى كل من المدن والشواطئ، يختار المغتربون عادة النمط المحلي من حياة الاسترخاء.
وتقول بورفا باتناغار، مستشارة شبكة “إنترنيشنز” التي نشأت في هونغ كونغ وسنغافورة: “لقد انتقلت إلى نيوزيلندا مع والدي، لكنني عشت في الخارج منذ ذلك الوقت وعدت لأنني افتقدت حياة الاسترخاء، والناس الطيبين، واللطفاء، والأجواء الممتعة”.
وتشير إلى أن الشخص النيوزيلندي النموذجي يعمل من الثامنة والنصف صباحا حتى الخامسة مساء، ولا يعمل أبدا ساعات إضافية، ويستمتع بوجبات الطعام، وأنشطة عطلة نهاية الأسبوع، مثل الحفلات المنزلية، أو الرحلات البرية، أو التنزه مع العائلة.
ولخوض تجربة أكثر عالمية، تقترح باتناغار زيارة مدينة أوكلاند، التي تصفها بأنها “نيويورك نيوزيلندا”. أما العاصمة ولينغتون فهي أقل سكانا، ولكنها كعاصمة فلديها وفرة في الوظائف الحكومية والتعليمية، والتكنولوجية.
وبالنسبة لكوينزتاون التي تعد المركز السياحي، فهي تحظى بشعبية لدى أولئك الذين يريدون الاستمتاع بالمناطق الطبيعية على أكمل وجه، أو لدى أولئك الذين يعملون في مجال صناعة الخدمات.
ويمكن لتفضيل نمط حياة الاسترخاء أن يعني راتبا أقل نسبيا مقارنة بتكلفة السلع، (وخاصة السكن في مدن أكبر مثل أوكلاند، وأسعار الخضار والفواكه الطازجة) . ومع ذلك، فتبقى تكاليف السفر، والمشاركة في أنشطة في الهواء الطلق، والرعاية الصحية منخفضة نسبيا مقارنة ببقية مدن العالم.